جدلية الحب والحرية” أنا حرة ” بين النص الروائى الإحسانى والسيناريو المحفوظى
جدلية الحب والحرية" أنا حرة " بين النص الروائى الإحسانى والسيناريو المحفوظى
عزيزى القارئ أقدمتُ على كتابة هذه الدراسة التى جاءت تحت عنوان ” جدلية الحب والحرية – رؤية فلسفية فى أبجدية التلقى والتأويل ل ” أنا حرة ” بين النص الروائى الإحسانى والسيناريو المحفوظى “
وأقدمها اليوم فى صورة مقال مختصر عن قضايا المرأة و الدراسات النسوية
بقلم : أ.د / جهاد محمود عواض
ولأن قضية الحب والحرية كانت ولازلت من القضايا الفلسفية التى تشغلنى منذ قراءتى المبكرة لرواية “أنا حرة” لإحسان عبد القدوس ” ومشاهدتى لفيلم ” أنا حرة ” ، والمقارنة بين الرواية والفيلم الذى نقلها إلى السينما بواسطة نجيب محفوظ كاتب السيناريو يمكن أن يكشف عن جسارة وشجاعة إحسان وقدرته على إنطاق المسكوت عنه ، بما يسهم فى تحطيم التابوهات الاجتماعية.
” الحب والحرية لا يجتمعان “
عبارة قرأتها منذ عدة سنوات فى ص 185 من رواية ” أنا حرة ” ، وكنتُ مؤمنة بهذه الفكرة ، ومؤمنة بالآراء التى تضمنتها ، ولكننى عدلت عن هذا فيما بعد ، فأنا الآن أخالف إحسان عبد القدوس هذا الرأى ( فالحب والحرية يجتمعان ) إذا كان حبا حقيقيا وكانت حرية بالمعنى الصحيح للحرية .
لقد كنت أعتقد وأنا أعيد قراءة ” أنا حرة ” التى قرأتها منذ ستة أعوام أننى مازلت مؤمنة بهذا المبدأ ولكننى أكتشفت أننى غير راضية ولا مؤمنة به … كم يتغير الإنسان فى ست سنوات !!
“وهذا ما كان يتوسمه ” ياوس ” من تاريخ يؤدى دورا واعيا يصل الماضى بالحاضر وسوف يطلب من مؤرخى التلقى الأدبى بدلا من أن يتقبل الموروث بوصفه معطى أن يعيد التفكير على الدوام فى الأعمال المعترف بها مبدئيا فى ضوء كيفية تأثرها بالظروف والأحداث .”
أقرأ المزيد:توحيد اللغة العربية والتاريخ والهوية فى مناهج التعليم مطلب أمن قومى
فالحقيقة تتقدم ونحن ننتج المعرفة بتلقى جديد يتناسب مع تغير المرحلة وتحول الأذواق ، وبهذه الدراسة أحاول أن أقدم لكم إنتاج جديد وتلقى جديد لواحدة من أروع الروايات التى كتبها إحسان عبد القدوس وقدمها للسينما نجيب محفوظ بسيناريو محفوظى يغير فيه بعض الحقائق التى قدمها إحسان فى النص الروائى بشجاعة وجسارة .
أفسحوا الطريق ، إن الحقيقة تتقدم ونحن ننتج المعرفة المعاصرة .
هل الحرية فى هذه الحقيقة ؟ هل الحرية فى هذا الفراغ الكبير ؟ هل الحرية هى هذه الساعات المشردة الممزقة التى تمر فى حياة الإنسان دون أن تُحسب من عمره ؟
هذه أسئلة كلها مطروحة عن الحرية ؟
يقول إحسان عبد القدوس فى إفتتاحية ” أنا حرة ” : ليس هناك شىء يسمى الحرية ، وأكثرنا حرية هو عبد للمبادئ التى يؤمن بها وللغرض الذى يسعى إليه ..
إننا نطالب بالحرية لنضعها فى خدمة أغراضنا .. وقبل أن تطالب بحريتك إسأل نفسك : لأى غرض ستهبها ؟!
فهذا السؤال الذى طرحه إحسان عبد القدوس حاولت أمينة بطلة القصة الإجابة عنه بشتى الطرق طيلة الرواية ومرورا بالفترات التى مرت بها فى سبيل حصولها على الحرية
لكن ما هى الحقيقة التى أرادنا إحسان عبد القدوس أن نصل إليها والتى رسمها أبطال أنا حرة
العقدة فى ” نهاية أنا حرة ” فلقد أراد إحسان عبد القدوس ” أنا حرة ” حرة فى اختيار نهايتها ..، لأنه لا يستطيع أن يشوه أو يغير الحقيقة وهذه القصة واقعية وتصور الحقيقة ؛ حقيقة الإنسان التى لا يريد المجتمع أن يعترف بها وهو ما عبر عنه إحسان بقوله :
أفسحوا الطريق .. إن الحقيقة تتقدم
الحقيقة هى الحرية التى حصلت عليها بطلة الرواية واستخدمتها فى أغراض متعددة منها الحب والمعيشة مع من تحبه لكن دون زواج وهو مالا يتقبله المجتمع ولا تقبله العادات والتقاليد.
لكن أمينة بطلة القصة واجهت المجتمع بحريتها ، وقد يتجرأ واحد من الأصدقاء ويلح عليها فى السؤال متى تتزوج هى وعباس ؟ وقد يكون سؤاله بلهجة عتاب أو لوم أو شفقة وتحذير ، فتغضب أمينة وتثور وتصرخ فى وجه من يسألها : ” أنا حرة ” !! ….فهذه الإجابة من أمينة بمثابة التمرد على كل من يقيد حريتها وتمرد على كل التابوهات الإجتماعية .
وإحسان عبد القدوس واجه المتلقى بوضع الحقيقة كما هى ولم يستطيع أن يغيرها لأنه رأى أن تشويه الحقيقة كذب وهو ما لا يقبله .
عكس ما حدث فى فيلم ” أنا حرة ” وكتب السيناريو : نجيب محفوظ
فهل نجيب محفوظ الذى قدوم لنا ” أمينة ” زوجة سى السيد فى الثلاثية كان يستطيع أ ن يكتب بقلمه ” أمينة إحسان ” التى ترفض سطوة المجتمع و التى تعيش مع رجل دون زواج تحت شعار ” أنا حرة ” ؟! وتصر أن تكون النموذج النقيض لأمينة سى السيد ؟ بالطبع لا
فنجيب محفوظ كان رجعيا فى تعامله مع أدب إحسان عبد القدوس
فيلم ” أنا حرة ” كان من إخراج صلاح أبو سيف والحوار للسيد بدير وكاتب السيناريو نجيب محفوظ ، فحرفوا البداية والنهاية فى قصة إحسان عبد القدوس ، فزمن الرواية كان يدور بعد ثورة يوليو فغيروا أحداثها وجعلوها تدور قبل ثورة يوليو ، كما غيروا فى خاتمة الفيلم ، فبالبطلة أمينة فى الرواية كانت فى علاقة متكاملة مع البطل عباس خارج إطار الزواج واستمرت هذه العلاقة مدة ثمانى سنوات مع البطل وقد تتزوجه بعد يومين أو ثلاثة ولكن هى مسألة متروكة للبطلة لأنها حرة .
فقام نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف والسيد بدير بتغيير النهاية وجعل أمينة وعباس يتفقان على الزواج وهما فى السجن وهذا يدل على أنهم لم يستطيعوا مواجهة المجتمع بالحقيقة التى أصر إحسان عبد القدوس توصيلها للمتلقى وهذا يؤكد أن إحسان عبد القدوس نطق ب ” المسكوت عنه ” وهذه شجاعة من إحسان فى أنه جعل الحقيقة تتقدم حتى لو لم ترض المجتمع .
” الحرية هى الحب ” أم ” الحرية هى حرية الأوطان “
أمينة بطلة ” أنا حرة ” هى التى رأت أن الجامعة الأمريكيية تمنح حرية أوسع وأن هذه الحرية من الممكن أن تؤدى إلى إرتباط حر يتحدى مؤسسة الزواج ، وفى السياق نفسه وجدت لبنى عبد العزيز نفسها أمام تحدى من نوع آخر فهى التى تزوجت المنتج رمسيس نجيب منتج فيلم ” أنا حرة ” الذى تخلى عن ديانته المسيحية من أجل الزواج بلبنى فى مطلع الستينيات بعد أن أصبحت بطلة أهم فيلم فى تاريخ السينما المصرية وهذا على النقيض من أمينة البطلة التى رفضت الزواج واستمرت فى علاقة مفتوحة يرفضها المجتمع .
ورغم أن نجيب محفوظ جعل نهاية الفيلم ترضى المجتمع فى أنه ينتهى بالزواج السعيد لكنه لجأ إلى بعض التغيير فى الأحداث وهى البحث عن حرية الأوطان وهى قضية جعلت من عباس وأمينة جنود فى معركة كبرى وهو النضال من أجل حرية الوطن ويدخل عباس وأمينة السجن ويقررا الزواج وكانت شمس ثورة يوليو تكاد تشرق وينتظر هذه الشمس عباس وأمينة الذى جمعهما حب الوطن وهذه كانت رسالة من نجيب محفوظ حتى يغطى على الحقيقة التى أبرزها إحسان فى خاتمته .
فجعل محفوظ خاتمة أخرى وهى أن ” الحرية هى حرية الأوطان “
وستظل صرخة أمينة فى نهاية الرواية ” أنا حرة ” هى الصرخة التى فتحت كل الأبواب المغلقة أمام المرأة فى البحث عن حريتها المفقودة .
” أنا حرة ” هى صرخة أمينة فى ” أنا حرة ” وهى صرخة ليلى فى الباب المفتوح وهى صرخة فوزية فى ” لا وقت للحب ” ، هى صوت قاسم أمين لمناصرة المرأة وهى صرخة نوال السعداوى فى ” أوراقى حياتى ” هى صرخة كل فتاة تبحث عن حريتها .
الصرخة التى جعلت المرأة قاضية وأستاذة جامعية وبرلمانية ووزيرة المرأة التى تبحث عن الحب فى الوطن الحر .
أفسحوا الطريق فالحقيقة تتقدم والمرأة قادمة ” أنا حرة ” …. جهاد
المزيد أيضا:البطل المهزوم …. لماذا إنهزم كل هؤلاء الأبطال؟!
كاتبة المقال :
أ.د / جهاد محمود عواض
أستاذ الأدب المقارن والنقد الأدبى الحديث المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس عضوة لجنة الفنون والآداب بالمجلس القومى للمرأة .