جيجانتوفيس.. بقلم/ مصطفى سليم.

وقف العميد رشدي أمام جهاز “البروجكتور”، وهو يشاور بيديه نحو الصورة التي ظهرت أمامه على جهاز العرض، وهو يوضح لرجاله معنى الصورة التي يرونها بعد أن تم تكبيرها عدة مرات، وهو يقول لهم هذه الصورة تم التقاطها من قمر صناعي علمي، من مدة 5-4 أيام مما يتيح وجود دقة أكبر للصورة الملتقطة، وتوترا عالياً يتيح دراسة أكثر تفصيلا لسطح الأرض، وحتى مراقبة مواقع البناء، ومراقبة وتقدم العمل فيها مثلاً لوضوح الصورة بدقة شديدة، وقد تم ذلك بعد اختفاء البعثة الإيطالية التي كانت تقوم بالتنقيب في صحراء الفيوم عن الآثار، وقد تم رصد هذا أيضا يا سادة، والذي يعد في حد ذاته كشف مهم للتاريخ، وأشار إلى نقطة صغيرة وهو يستطرد “جيجانتوفيس”، ثم توقف عن الشرح وهو يتابع أثر الاسم الذي تحدث به منذ قليل على وجوه الرجال المتابعين لحديثه، وقد بدأت ملامح عدم الفهم ترتسم على وجوههم، ولم يلبث أن قطع هذه الحيرة المرتسمة على وجوههم قائلا لهم، قد يبدو الاسم غريب بالنسبة لكم، لأنه اسم علمي بحت، وهو لأضخم ثعبان وجد على سطح الكرة الأرضية منذ أكثر من 35 مليون عام، وقد أنقرض منذ ذلك التاريخ، ولم يظهر له أي أثر في أي مكان على وجه الكرة الأرضية، وتم اعتباره منقرض وهو يصل طوله ما بين 30.5 إلى ٣٥.٥ قدم، بِمَ يزيد بنسبة 10% عن كل الثعابين المعروفة، وقد أنزلق “جيجانتوفيس” عبر المنطقة بين مصر والجزائر الحالية، في منطقة الصحراء الشمالية في إفريقيا، وتم العثور على حفريات له في باكستان، وربما امتد وجوده إلى الحقبة السابقة والمعروفة باسم “بالوسين”، وهو من النوع المضيق الذي يلتف حول فريسته من خلال الإلتفاف حوله والضغط عليه، هذه هي كل المعلومات المتوفرة عن “جيجانتوفيس”، ومن خلال هذه المعلومات المتوفرة يتضح أمران مهمان؛ أولاً: أننا نواجه ثعبان ضخم يصعب قتله بالوسائل العادية، وثانيا: احتمال كبير اذا وجد بالفعل أنه ربما أبتلع أفراد البعثة بداخل أمعائه، مما يجعل محاولة العثور عليهم شبه مستحيلة، ستجدون كل الدعم المتوفر لكم في مواجهة ذلك الثعبان الضخم إذا اتضح أنه بالفعل موجود، وكل السبل اللازمة في البحث عن البعثة التي اختفت في هذه المنطقة بالتحديد، بالتوفيق للجميع….
توقفت السيارة المسرعة التي تنقل البعثة الإيطالية، والتي كانت تنطلق بسرعة رهيبة وهي تخترق دروب الصحراء، حسب رأي الدليل الذي معهم قبل أن تتوقف، وحاول قائدها إدارة محركها بقوة لكي تندفع في طريقها مرة أخرى، ولكنها رفضت التحرك بشدة، ومع زيادة حركة العجلات انفتحت فجوة صغيرة في الأرض، وأخذت في الاتساع بسرعة شديدة، وهي تبتلع السيارة بداخلها، والتي تمسك فريق البعثة القابع بداخلها بمقاعدهم بقوة رهيبة، وأخذت السيارة تندفع داخل الفجوة، حتى توقفت على صخرة كبيرة كانت بالقرب من فوهة الفجوة، وأصبحت السيارة معلقة على حافة الصخرة تتأرجح في الهواء في عدم توازن، حتى استقرت بصعوبة شديدة عليها، وأصيب معظم أفراد البعثة بالرضوض من أثر وقوع السيارة، وشهق أحد أفراد البعثة وهو يشاهد ذلك الثعبان الضخم الذي أخترق برأسه زجاج السيارة المحطم، وأمسك به ليسحبه خارج السيارة ويختفي به في قلب الظلام، وللحظات أصيب أفراد البعثة بالصدمة مما رأوه يحدث أمام أعينهم، وساد الصمت داخل السيارة في حين ابتلع رئيس البعثة روبير لعابه بصعوبة شديدة، وهو يقول لباقي أفراد الفريق يجب أن نتحرك بسرعة خارج السيارة، قبل أن يأتي ذلك الثعبان مرة أخرى ويلتهم شخص آخر منا، وأشعل مصباح هاتفه وهو يخرج حبل من حقيبة كانت قد تدحرجت تحت قدمه مع انزلاق السيارة داخل الفجوة، وحاول فتح الباب الذي بجواره والذي انفتح بصعوبة شديدة، وهو يتحرك للخروج منه بحرص شديد خشية اختلال وزن السيارة من فوق الصخرة، التي تعلقوا عليها، وألتقط أنفاسه وهو يثبت الحبل في نتوء صغير في الصخرة التي يقفوا عليها ، ثم التفت إلى باقي الفريق لمساعدتهم في الخروج من السيارة، وتسللوا جميعا خارج السيارة التي اختل وزنها مع خروج آخر رجل منها، لتسقط إلى الأسفل محدثةً دوي عنيف، وبدأ روبير في النزول إلى الأسفل متمسكاً بالحبل، وشعر أنه يهبط إلى قاع الجحيم….
وقف روبير يساعد آخر شخص في مجموعته، وهي مساعدته فاليا التي انزلقت على الحبل للأسفل بصعوبة شديدة، ثم تنفس في عمق وهو ينظر إلى الأعلى، حيث توجد فوهة الفجوة التي سقطوا منها، وهو يقول لهم يبدو أننا سقطنا في فجوة عمقها حوالي 60 مترا (196قدما)، ويبدو أن هناك مخرجاً آخر من هذه الفجوة، وإلا كيف سيحصل هذا الثعبان الضخم على طعامه، وقد يك… وقبل أن يكمل جملته شعر روبير وكأن السماء قد أطبقت على الأرض، وهو يرَ جسد ذلك الثعبان الضخم ينقض عليهم، ويلتهم الدليل الذي معهم في فمه، ويختفي سريعاً كما ظهر سريعاً، انهارت فاليا في البكاء وهي تضرب جسد روبير بيديها وهي تقول له لقد أوقعنا القدر في هذه الفجوة لنكون طعام لهذا الثعبان، لم يبقى سوانا نحن الثلاثة لنصبح وجبة سهلة له، تقدم روبير نحو السيارة وهو يحاول اخراج جهاز “اللاب توب” الخاص به للبحث فيه عن خرائط للمكان الذي سقطوا فيه، وقد وجده قد تحطم تماما من أثر سقوط السيارة، ونظر في شاشة هاتفه فوجد أنه لا توجد شبكة به وأثار ذلك حنقه وهو يقول لهم يجب أن نتقدم لنكتشف عن مخرج آخر لهذا المكان، قبل أن يأتي ذلك الثعبان مرة أخرى، وقال ذلك وهو يتحرك من مكانه، وقد تابعته فاليا ومساعده ماريو الذي التزم الصمت من بداية ما حدث لهم، وعندما تحركوا داخل الفجوة وقع ضوء المصباح الذي في يديه على تمثال ضخم من الذهب، وقد وقف روبير وهو ينظر إليه في انبهار شديد من شدة ضخامته، وأخذا يتفقد المكان حوله بضوء الكشاف، وقد وجد مجموعة من التماثيل والمجوهرات الملقاة حوله، وأيضا مجموعة كبيرة من العظام، ونسي أمر الثعبان تماماً وهو يفحص مجموعة التماثيل التي عثر عليها وهو يقرأ الكتابة المحفورة عليها، وفي أثناء انهماكه في ذلك سمع حركة قوية خلفه، وصوت صراخ ماريو يتعالى في الهواء ثم يختفي بعيداً عنهم بعد أن التهمه الثعبان، أسرع روبير إلى فاليا وهو يقول لها في عصبية أنا أرفض أن أصبح وجبة سهلة لهذا الثعبان، هناك أدوات لتسلق الصخور في السيارة، قد أحضرتها لكي أمارس هواية تسلق الصخور في حالة لو وجدنا جبل في طريقنا، سأحضرها لك، ونتسلق أنا وانت هذه الصخور، حتى نصل إلى فوهة تلك الفجوة التي انزلقنا منها، وأعقب قوله هذا بأن اندفع إلى السيارة، وأحضر أدوات التسلق، ثم عاد لمكان فاليا التي وقفت مكانها، وقد أصابها الذهول والرعب مما حدث لهم، وقد أصبحت كالتمثال، مما جعلها تفقد السيطرة على أعصابها، صفعها روبير بيديه كي يحاول اخراجها من حالة الرعب هذه، ولكن لا فائدة، وأخذت فاليا تضحك بصوت هيستيري عالٍ، ثم تعود للبكاء، مما جعل من الصعوبة لروبير أن يصحبها معه، وهو يقول لها سأذهب لإحضار النجدة لك أعدك بذلك، ثم تقدم روبير نحو الصخور، وعندما بدأ في التسلق سمع صوت صراخ فاليا يتعالى من خلفه، وسمع حركة قوية فحيح الثعبان خلفه، وشعر أنه ربما قد يكون التهم فاليا أيضا، ليفقد بذلك آخر أفراد فريقه، مما زاد من حماسه في التسلق نحو الأعلى، وبدأت المسافة بينه وبين فوهة الفجوة تقترب بشدة، ونور النهار يغمر وجهه، كلما اقترب من بداية الفجوة…..
وقف المقدم سامح عباس، وهو يطلع إلى الفجوة التي تقع أسفل قدمه، وهو يقول لزميله النقيب سعيد حسين، لو كان هناك مكان في هذه الصحراء المترامية الأطراف، قد اختفت فيها هذه البعثة الإيطالية، فهي هذه الفجوة بالتأكيد، لقد مشطنا الصحراء أكثر من مرة بالطيران المنخفض، والسيارات ذات الدفع الرباعي ولا فائدة من ذلك، ولا أثر لهم على الإطلاق، وأيضا أثار عجلات سيارة البعثة تنتهي هنا أمام هذه الفجوة، أظن كل الشواهد تؤكد على وجودهم داخل هذه الحفرة، لذلك سنقتحم هذه الفجوة للبحث عنهم، ربما يكون هذا هو الأمل الأخير لنا، وقد يص.. قطع جملته ظهور رأس روبير وهو يندفع خارج الفجوة، ويتبعه رأس الثعبان الضخم الذي أثار ظهوره رعب الجميع، وأخذت القوة العسكرية في إطلاق النار عليه بكثافة، وقد اندفع الثعبان برأسه مرة أخرى للهروب منهم داخل الفجوة، وتقدم المقدم سامح نحو روبير الذي أخذ يحدثه بالإنجليزية في عبارات مقتضبة، وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة شديدة، وهو يشرح له ما حدث معه هو وفريقه، وما لاقوه من صعوبات حتى محاولة خروجه من هذه الفجوة، فقال له المقدم سامح سنقوم بهدم هذه الفجوة على رأس الثعبان ودفنه فيها إلى الأبد بواسطة المتفجرات، فقال له روبير وهو يلوح بيديه في فزع لا إن بداخلها كشف أثري ثمين، ثم أنه لا فائدة من ذلك كله إن الفريق الذي حضر معي قد رحلوا جميعاً، والآن يجب أن نذهب من هذا المكان قبل أن يعاود ذلك الثعبان مهاجمتنا مرة أخرى، ولنحضر إليه مرة ثانية ونحن مستعدين لمواجهته، وأشار المقدم سامح للقوة العسكرية بالانصراف، وألتفت روبير خلفه والسيارة التي يقلها مع القوة تبتعد عن المكان، وقد سالت من عينيه دمعة حزن على رحيل فريقه بهذه الطريقة المأساوية.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.