حبٌ لا يرى الشمس .. فمتى لا يرى الحب الشمس ؟!
حبٌ لا يرى الشمس .. فمتى لا يرى الحب الشمس ؟!
حبٌ لا يرى الشمس ..!!
فمتى لا يرى الحب الشمس ؟ لا يرى الحب الشمس عندما لا يخرج إلى النور ولا يرى الشروق ويُدفن فى الغروب .
لا يرى الدنيا يموت قبل أن يُولد … حبٌ لا يرى شمس الدنيا !!
بقلم : أ.د / جهاد محمود عواض
حبٌ لا يرى الشمس ، هو الفيلم الدرامى الرومانسى الذى يعد من أقوى أفلام السينما المصرية رغم إنتفاد بعض النقاد له وتكمن قوته فى القضايا النسوية الهامة التى يتناولها الفيلم عن المرأة فى المجتمع المصرى ، لم يتحدث الفيلم فقط عن الحب العادى بين طرفين وإنما تحدث عن الحب عندما يختلط بقضايا مصيرية عن المرأة العاقر والمرأة الفقيرة والرجل الراقى الشريف عندما يقع فى صراع نفسى بين تحكمات أب ذكورى وغرائز نفسية تتولد لدى الرجل .
حب لا يرى الشمس من بطولة وحش الشاشة المصرية الفنان فريد شوقى الذى جسد شخصية حسن بك المنشاوى الرجل الثرى صاحب الثروة الكبيرة وكل أمله فى الحياة أن يكون له حفيدا يحمل اسم المنشاوى وذلك الحفيد يكون من ابنه الوحيد الدكتور أحمد وجسده باقتدار فنى بارع الفنان محمود عبد العزيز الذى وقع فريسة بين رغبة أبيه وبين زوجته العاقر التى أحبها جدا ” آمال ” وهى ابنه عمه وجسدت الشخصية الفنانة صفية العمرى.
أما عن بطلة الفيلم فهى عقدة الفيلم وجسدت قضايا كثيرة من قضايا المرأة وهى
” أحلام ” وجسدتها الفنانة نجلاء فتحى التى تزوجت من الدكتور أحمد تحت ضغط الأب لمجرد أن تكون وعاء لهذا الطفل الذى يحلم به الجد وبعد الولادة يكتب الابن باسم الزوجة ” آمال ” فى مقابل مبلغ مالى 20 ألف جنيه قبلت به أحلام تحت ضغط الفقر .
عندما دعتنى القناة الفضائية المصرية الأسبوع الماضى من أجل مناقشة الفيلم فى برنامج ” عالم الدراما ” سألنى المذيع أ/وائل شاهبندر فى البداية سؤالا قبل بداية الحوار : متى لا يرى الحب الشمس ؟
تأملت القصة والعقدة وتأملت القضايا التى يعانى منها الأبطال جيدا لكننى قبل أن أجاوب من ذلك المنظور كانت إجابتى بعيدة عن مشكلة الفيلم ثم أجابت الإجابة التى تخص حب هذا الفيلم على وجه التحديد .
بصفة عامة ومع أى ظروف
الحب الذى لا يرى الشمس هو الحب الذى لا يرى النور هو الحب الذى يظل فى الظلام هو الحب الذى لا يرى نظرة الإعجاب فى عيون الناس بهذه العلاقة هو الحب الذى إذا أصر أحد طرفيه أن يظل حبيسا ولا يتم الاعتراف به هو الحب الذى لا يفخر به أحد الطرفين عند هذا يصبح حبا عقيما لا يعول عليه .
أما ” الحب ” فى فيلم ” حب لا يرى الشمس ”
ليس المقصود به فقط تلك العلاقة بين الرجل والمرأة وإنما هو الحب كقضية تفجر إشكاليات قومية مازلت موجودة بقوة داخل المجتمع المصرى فالحب فى الفيلم المقصود به ذلك الجنين الطفل الذى كان نتيجة علاقة تحولت من مقايضة عن طريق الزواج الشرعى إلى علاقة حب كبيرة جمعت بين الزوج الدكتور أحمد والزوجة تلك الفتاة الفقيرة أحلام فكان نتاج هذا الزواج وهذه العلاقة ذلك الجنين الذى كبر فى رحم الأم وبعد تسعة أشهر خرج إلى الدنيا لكن بعد ساعات قليلة مات الطفل قبل أن يرى شمس الدنيا وأخذه جده ملفوفا بعباءة إلى المقابر لكى يدفنه فى مقابر عائلة المنشاوى وقت غروب الشمس وقبل أن تراه أمه التى ولدته فصرخت صرخة وصلت إلى عنان السماء على حبها المتجسد فى الطفل الذى لم يرى الشمس ومدفونا فى تراب العائلة .
فى مشهد واحد: وقفت آمال الزوجة العاقر فى ألم وحسرة على زوجها الذى ضاع منها بسبب أنها عاقر ومشاعره ذهبت لإمرأة أخرى وتحولت مشاعره من الاحتقار إلى الحب الشديد وقالت آمال مخاطبة عمها حسن المنشاوى “أنت أخت منى حبيبى وجبت لى طفل يتكتب باسمى معرفهوش وليس لى أدنى علاقة به “وبرغم ذلك مات الطفل قبل أن يرى الشمس .
على صعيد آخر : أحلام التى لم تحتمل البعد عن وليدها بعد الولادة وتولد لديها بالفطرة عدم التخلى عن طفلها وتراجعت عن الصفقة وقالت لزوجها أريد الطلاق وأعيش بجانبه خادمة .
يقف أحمد حزينا عاجزا أمام كل شىء أمام مشاعره المرهفة وأما رجولته تجاه زوجته الأولى و إحتواءه لمشاعر زوجته .الثانية
ورابعهم : أساس كل المشكلات المنشاوى بك الرجل الذكورى الذى يفكر بتفكير الماضى نتيجة اجتماع المال مع النفوذ مع السلطة وكل الهم العزوة والحفيد واسم العائلة .
هل يترى أى حب هنا رأى الشمس ؟لم ير أى حب الشمس لأسباب مجتمعية بحتة
حب أحمد آمال لم يرى الشمس لأنها إمرأة عاقر
حب أحمد وأحلام لم ير الشمس لأنها فتاة فقيرة
حب المنشاوى لابنه لم يرى الشمس لأن الشمس لا تدخل للقلوب القاسية
عزيزى القارىء أنت أمام حبكة درامية لكنها مرتبطة بواقع معيش
والتساؤل هنا الذى تم طرحه علىَ كناقدة وكإمرأة مصرية :
أنت متعاطفة مع من وضد من ؟
أنا ضد كل هؤلاء :
ضد المبدأ الذى يجعل الإنسان يفعل أى شىء تحت مسمى ومبرر الفقر أو الحاجة ضد أحلام التى قبلت أن تجعل من رحمها ونفسها مجرد وعاء لحمل طفل لا تربطه بينها وبين زوجها أى علاقة عاطفية ولا حميمية ورغم أنه تحت مسمى شرعى وهوالزواج إلا أن هذا من وجهة نظرى ليس زواجا من الناحية الأخلاقية هذا فعل غير أخلاقى وضد الكرامة وضد الاعتزاز بالنفس ولولا الحبكة الدرامية التى جعلت من أحمد رجلا لطيفا ووقع فى حبها وتعاطف معاها لكان مسار الأحداث مؤلما لكل إمرأة ترى هذا
اقرأ أيضا فيلم سهر الصايغ الجديد يتألق في “مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي”
أنا ضد المجتمع الذى يجعل من المرأة العاقر ناقصة وضد آمال التى قبلت خطة عمها المنشاوى فى أن يجعلها تقبل هذا الوضع .
أنا ضد ذكورية المنشاوى الذى يجسد كل رجل يجعل من المرأة وكأنها زكيبة بطاطس فى العلاقة الزوجية وهذا تعبير البطلة فى رواية سلالات الأنوثة للكاتبة الصربية ” ليليانا جورفيتش ” وها نحن فى المجتمع المصرى نقابل العديد من الرجال الذين يجعلون من زوجاتهم ليس إلا زكيبة بطاطس .
أنا ضد الدكتور أحمد الذى خضع فى النهاية لخطة والده رغم مقاومته الشديدة له واعتزازه بزوجته وابنه عمه ورغم رعايته الكاملة لزوجته وأم طفله وأخلاقه لن تسمح له بأن يدخل فى علاقة زوجية دون حب فحول العلاقة إلى علاقة حب وأمان ورحمه لكنه حب لم يرى الشمس .
اقرأ أيضا سمية الخشاب تفتح النار على منتقدي فيلم “أوراق التاروت”
” حب لا يرى شمس ” فيلم من إخراج أحمد يحيى وقصة محمود أبو زيد تم إنتاجه عام 1980
فى عام 1980 تم طرح هذه القضايا الشائكة عن المرأة فى مصر
وها نحن فى 2024 نعالج القضايا نفسها بتفكير نسوى يؤمن بتحرير العقول وتحرير الرجال من ذكوريتهم وتحرير النساء من قبولهم لأوضاع مشينة تقلل من كرامتهم ومن اعتزازهم بنفسهم .
الأمر ليس مرتبطا بالشرعية الأمر مرتبط بتحرير العقول وبتحرير المجتمع من طبقاته الثقافية المعجونة بمياه بالكذب والنفاق والنفعية.
السياسة فى الحب تجعلنا نطرح قضايا نسوية لها أهداف قومية …. وللحديث بقية ..جهاد
كاتبة المقال
أ.د / جهاد محمود عواض
أستاذ الأدب المقارن والنقد الأدبى الحديث بكلية الألسن جامعة عين شمس
عضوة لجنة الفنون والآداب بالمجلس القومى للمرأة