حب تحت الأنقاض

الكاتبة: سليمة بن العمودي

أيام قلائل ستطوى من عمر الزمن ليحل عيد الفطر المبارك ويكون العيد عيدين.

أقترب ذلك اليوم الموعود وأصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم،

وامتطاء صهوة الفرح ليزفّ الأميران شيماء وأنس كأحلى عريسين يعد خطبة دامت

لأكثر من سنتين ريثما يتم تخرج شيماء طبيبة أسنان.

غارات همجية تقصف بصواريخها على الأحياء والمباني السكنية في حي الرمال غرب مدينة غزة،

غبار كثيف يخنق الأنفاس ويحجب الرؤيا، بيوت تنهار.. صرخات تنبعث من هنا وهناك..

أنس على الواتس: كيف حالك؟

شيماء: بخير و الحمد لله، بس خايفة

أنس: اختبئي في مكان آمن

كان القدر أسبق، انهار البيت و تهاوت أحجاره .. طوي أنس الأرض طيًّا بحثًا عن جرعة أمل كمن يطارد

خيط دخان .. مضت عشر ساعات، عشر ساعات كاملة تدفعه اللهفة والحنين بحثًا عن بصيص نور

في العتمة عن نبض في جثة..

عن حقيقةٍ اندثرت وراء السراب، بحث و بحث كثيرا في الركام عن حلمه الضائع وتوأم روحه.

تدفعه قوافل الأمل عند رفع كلّ حجر وعند سماع أي أنين تحت الأنقاض يدلّ على وجود حياة.

آه ما أصعب الوقوف على محطة الانتظار لغائب قد لا يأتي!

أخيرا رجال الدفاع المدني تمكنوا من انتشال شيماء لكن يا حسرتاه فقد لفظت أنفاسها الأخيرة

و آلت إلى مصيرها المحتوم جثة هامدة..

أنس بحالة هستيرية.. لقيتها لقيتها تضحك و صارت من الشهداء والله أنتِ أحسن مني.

كتب أنس:

حسنًا شيماء أحبك جدًّا و بعد: أنا الآن تحت القصف كما دائما من اللحظة التي أغلقنا فيها الهاتف،

منذ ثلاثة أيام وخمسة صواريخٍ على بيت عائلتك، منذ آخر بروفا لفستان العرس و معجون الحناء،

منذ آخر الكلام وطيب المقام منذ عيد وزغاريد

وجارات وصديقات ومواعيد لحفل الزفاف، منذ أول أولادنا المؤجّلين و أوّل عنادك

أقول: أريد طفلاً واحدًا

و تقولين لا / بل عشيرة.

أحبك جدًّا و بعد: أنا الآن تحت القصف كما دائما

يدي في جيبي وعقلي في مكانه

أقول : يا شيماء

مرت طائرة، سقط الجرسُ والمئذنة

وتقولين: لا بأس الصلاة صاعدة

أقول: يا شيماء دمروا الأبراج

وتقولين: لا بأس/ بقي الحمام

أقول : حطموا النافذة

وتقولين: أحسن بهذا أصبح الضوءُ حرًّا أحبك جدًّا وحيث أنني الآن تحت القصف

كما دائمًا وتحت الدمار سيأتي التُّجار والفُجار وتبدأ المؤتمرات ويفتَح المزاد على البلاد

وعلى ما تبقى من عباد، سيشكلون لجنة لإعادة الإعمار وإعادة الأبراج والبيوتِ المهدمة

وبيتنا يا حبيبتي..

بيتنا الصغير الذي سوّيناه حجرًا على حجر، ثم غرقنا في الدّيون والأقساط وغرقنا في الشجار

على لون الكنب ولون الحيطان..

وفي أي مكان من حديقة بيتنا سنزرع شتلةَ العنب

ستُعاد لنا الشوارع والمآذن والحدائق والكهرباء وخطوط الماء..

أقول وقد توقّف القصف الآن، من يُعيد لشيماء الدماء؟؟

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.