حرب رمضان الأكتوبرية بقلم د. رحاب أبو العزم

حرب رمضان الأكتوبرية
بقلم د. رحاب أبو العزم

صبيحة يونيو ٦٧
لقد تاهت وضاعت حروف الكلمات، واندثرت مقاييس المسافات، واستلهم الكثير أخبار الوطن من الشائعات، لقد فقد الجميع الآمال، وبسطت على قلبه الكآبات، وسجل التاريخ هزيمة ضيعت الأراضي والمقدسات؛ في صبيحة الخامس من شهر يونيو عام ٦٧ خرج المصريون والعرب والمسلمون على فاجعة النكسة، وقد باتوا في أحضان اليأس والتشتت الذهني، والتدمير النفسي، والذهول العقلي الذي كاد أن يعصف بالجميع إلى دروب الجنون.
الاستنزاف وصناعة الأمل
وتتردد الآية الكريمة: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) بعد فاجعة النكسة لتنير الأمل من جديد، وتبعث الروح للجسد والنبض للقلوب… لتدق حرب الاستنزاف مسامع العالم، وتذهل كتلتيه الشرقية والغربية، وتتوالى البطولات من معركة رأس العش مرورًا بتدمير ميناء إيلات؛ واستمرت الهجمات بقوة وبأس حتى كبدت إسرائيل خسائر عظيمة جعلتها تطالب بوقف إطلاق النار؛ ليرفع المصري هامته بعد خذلان ٦٧، وترسم القوات المسلحة وجهاز المخابرات صفحة جديدة في تاريخ الخطط العسكرية العالمية قبل المصرية إيذانا لحرب رمضان الأكتوبورية.
لا انتصار بلا وحدة حقيقية
وليست السطور لتسرد أحداث الاستنزاف والنصر فالتاريخ تحدث كثيرًا وسيظل يروي لنا الأسرار العظيمة بيد أنني أكتب لأسجل تلك الآية الكريمة التي بها ردد الجميع تكبيرًا هز الموانع الحصينة وزلزل مواقع العدو وأسلحته، لم يفرق تدمير العدو بين تكبير المسلم وتكبير غير المسلم فالجميع عاش في خندق الهزيمة، وأقسم على الخروج منه إلى حياة النصر. وإن لم يكن لحرب 73 أي إنجاز فيكفي أنها أكدت على الوحدة الوطنية بين جموع الشعب المصري؛ فالغم واحد مشترك، والعار قد أصاب الجميع، وإن لم يكن لحرب أكتوبر أي انجاز فيكفي أنها وحدت العالم العربي والإسلامي؛ تارة بالمد العسكري، وتارة بقطع البترول، وتارة بالمد البشري، وتارة بالصلاة والدعاء في جميع دور العبادة مساجد وكنائس. وقد جسد انتصار أكتوبر فكرة: لا انتصار بلا وحدة حقيقية، والهزيمة دائمًا ليست إلا نتاج من التشرذم والتفرق.
أقوال الغير عن الحرب الأكتوبورية
من أقوى الكلام الذي قرأته من الغير عن حرب أكتوبر هو قول جولدا مائير؛ فقد صرحت بعد انتصار مصر في حرب أكتوبر أنهم لم يتلقون إنذارًا للحرب في الوقت المناسب وأنه قاتلوا أعداء أقوياء وكأنهم كانوا يعدون أنفسهم للهجوم علينا منذ عدة سنين. إنها السرية التامة وخديعة الحرب وتميز التجهيز والتخطيط التي أثبتت جدارتها في النصر منذ العهد النبوي.
إن حرب رمضان الأكتوبورية مازلنا نتعلم منها كبشر مدنييين، وجنود عسكريين؛ في ضبط أنفسنا وقت الغضب لنحلل ونخطط وتقرر وننفذ فلا نندم من هزيمة إنما نفتخر بنصر.

قد يعجبك ايضآ

التعليقات مغلقة.