حكايات إيسوب اليوناني كنز لكل معلم فهل من مغتنم ؟!

 حكايات إيسوب اليوناني كنز لكل معلم فهل من مغتنم ؟!

بقلم / حمادة سعد
في حقل هام كالتعليم يبحث كل معلم عن السبل والطرق التي تمكنه من توصيل فكرته إلى طلابه بطريقة سلسة وممتعة تثير فضول المتعلمين ، وتشحذ هممهم ، وتبث في أرواحهم الدافعية إلى التعلم دون ملل .
وهذا ما جعلني أكتب تلك السطور المتواضعة ؛ لأقدمها بين يدي زملائي وأخواني المعلمين ، أهل المهنة السامية ، التي نشرف أن يكون رائدنا و قدوتنا فيها هو النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث كان يضرب لنا أروع الأمثلة في استثارة وجذب انتباه جلسائه من الصحابة رضوان الله عليهم مستخدما الأساليب البلاغية في التصوير، والتشبيه ، والتمثيل ؛ ليقرب لهم الصورة ، ويصل بذلك إلى الهدف من الحديث في زمن قياسي دون إسهاب ممل ينفر منه المتلقي ولا تتحقق معه الاستفادة الكاملة .
وقد تناول هذا الأمر العديد من الكتب والمقالات بالتفصيل في أكثر من موضع ؛ لذا وجدت أنه من باب التنوع علينا أن نتطرق إلى أمور أخرى تساعدنا -كمعلمين – في تعزيز وإثراء المواضيع التي نقدمها لطلابنا في مدارسنا خاصة إذا كنا نتعامل مع مرحلة عمرية يصعب معها التوجيه المباشر كرياض الأطفال ، والصفوف الأولية فكان موضوع هذا المقال .
و ” إيسوب ” الذي سوف نتحدث عنه اليوم هو كاتب إغريقي عاش في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد ، واشتهر بحكاياته الخرافية المسماة ” خرافات إيسوب ” وكانت له فلسفته الخاصة التي يضمنها في قصصه مستعينا بالحِكم والوعظ والحث على مكارم الأخلاق .
ولكن من هو ” إيسوب ” ؟ هل هو شخصية حقيقية أم أسطورية ؟
اختلفت الأقوال في تحديد الإجابة على هذا السؤال:
فبعض الباحثين أكد أنه شخصية يونانية أسطورية وهمية ، وكعادة اليونان عندما تكثر عندهم الأساطير ينسبونها إلى شخصية من وحي الخيال ولا وجود لها ، بينما يرى الفريق الثاني من الباحثين ومنهم ” هيرودوت ” أنه شخصية حقيقية عاش في مطلع القرن السادس قبل الميلاد ، بل أضاف ” هيرودوت” معلومات تثبت صحة ما ذهب إليه مبينا أنه كان عبدًا عند رجل يدعى ” زانثوس” ثم تم بيعه ليصبح عبدًا مرة أخرى لرجل يدعى ” يادمون”.

وسواء كان شخصية أسطورية أو حقيقية فهذا لا يهمنا كثيرا ، وما يهمنا الآن هو المحتوى القصصي الرائع الذي كتبه ، أو نسب إليه ذلك الكنز الثمين لكل معلم .
ولعلك – عزيزي المعلم – قد قمت بقراءة بعض هذه القصص دون أن تعلم من هو صاحبها الذي أخرجها للنور تحت ناظريك .
هذه القصص مثل :
1- ” الثعلب والعنب “ وفي هذه القصة حاول ” إيسوب ” أن يوضح أن الإنسان العاجز لا يلوم نفسه ، بل دائمًا يضع نتيجة فشله على الظروف المحيطة به كما فعل الثعلب الجائع عندما عجز عن الوصول إلى عناقيد العنب المرتفعة مقنعًا نفسه قائلًا : لعل العنب لم ينضج بعد إنه حصرم !

وله أيضا قصة شهيرة لعلنا جميعًا نعرفها جيدًّا وهي:
2- قصة ” الثعلب والأسد المريض ” في هذه القصة ادعى الأسد المرض ؛ لأنه كان عجوزًا لا يقوى على الصيد ، وأراد أن ينشر خبر مرضه حتى تتعاطف معه الحيوانات وتزوره لعله يصطاد منها شيئًا يسد به رمقه ، وبالفعل زارت مجموعة من الحيوانات الأسد في عرينه فانقض عليها واحدة تلو الأخرى حتى جاء دور الثعلب في الزيارة المرتقبة ، لكنه كان ذكيًّا وقال للأسد : “أرى آثار أقدام تدخل العرين ولا أرى أي أثرِ لقدم تخرج منه ” والحكمة من هذه القصة تكمن في أن الإنسان عليه أن يعتبر بمصائر الآخرين ، وأن الدخول إلى بيوت الملوك لا يشبه الخروج منها على الإطلاق .

وتأتي الآن القصة الأشهر على الإطلاق وهي :
3- قصة ” الأسد والفأر ” ربما لا تحتاجون حتى التعريف بها كونها من أكثر القصص شيوعًا وفيها ذكر ” إيسوب ” أن الفأر كان يسير بجوار الأسد ويزعجه حتى كاد الأسد أن يفتك به فتوسل إليه الفأر أن يتركه لعله يساعده في يوم من الأيام .
هنا سخر الأسد من الفأر ، وأخذ يضحك بقوة ، ثم ترك الفأر يمضي إلى حال سبيله ، وفي يوم من الأيام يقع الأسد في شراك صياد ماهر، ويراه ذاك الفأر ويقدم له المساعدة بالفعل ويخرجه سالمًا بعد تقطيع الشبكة بأسنانه الحادة.
وفي هذه القصة يوضح ” إيسوب ” أن الجزاء من جنس العمل ، وأنه لا ينبغي أبدًا أن تحتقر من هو دونك معتقدًا أنك أفضل منه .

4- قصة ” حمار في جلد أسد ” وفيها جاء أن حمارًا وجد جلد أسد فارتداه ، وأخذ يرفع صوته حتى فزعت منه الحيوانات هربًا في كل اتجاه إلى أن رآه ثعلب ، لكنه لم يتحرك من مكانه ، وظل واقفا بثبات ، فسأله الحمار : لِم َلمْ تهرب مثلهم ؟ فرد عليه الثعلب قائلًا : إذا أردت حقًّا إخافتي كان عليك إخفاء نهيقك .
وهنا إشارة وحكمة مغزاها أن الحمقى قد تسترهم ملابسهم لكن أقوالهم تفضحهم

5- قصة ” الطحان وابنه والحمار ” كلنا نعلم هذه الحكاية ، وقد نقلت هذه القصة فيما بعد لتكون في ” نوادر جحا ” ، لكن أصل الحكاية كان عند ” إيسوب ” والذي ذكر في هذه القصة أنه في قديم الزمان أراد الطحان أن يبيع حماره فاصطحبه معه إلى السوق برفقة ابنه الصغير ، لكنهما لم يركبا الحمار مما أثار دهشة الناس الذين طلبوا منهم ركوب الحمار قائلين أن الله ما خلقه إلا لهذا الغرض.
اقتنع الطحان بكلامهم لكونه كلامًا مقنعًا فأركب ابنه على ظهر الحمار وسار هو إلى جواره حتى مر بهم قوم آخرون وقالوا ما هكذا تعلم ابنك توقير الأب وطلبوا منه أن يركب هو الحمار وبالفعل استجاب لهم وركب حماره وجعل ابنه يمشي خلفه ممسكًا بالحمار .
وهنا يراه الناس فيقولون ما لهذا الرجل القاسي ؟ أيركب هو ويترك ابنه الصغير؟
فحمل الطحان ابنه وركبا سويا الحمار ، وإذ بجماعة أخرى من الناس تحثهم على الرفق بالحمار الضعيف الذي لن يرضى به أحد في السوق ؛ لأنه سيصل متعبًا منهكًا بعد السير في كل هذا الطريق الطويل ، وبهذا الحمل الثقيل.
فسألهم الطحان : ماذا أفعل ؟ فقالوا له عليكما أن تحملا الحمار .
حمل الطحان وولده الحمار ، ومر بهم جماعة من الناس ، وأخذوا يضحكون متهمين الطحان ، و ولده بالجنون ، وهنا يخاف الحمار من أصوات ضحكاتهم ويفك القيد مذعورًا ليسقط من فوق الجسر ، ويموت غرقًا .
وفي هذه القصة يؤكد ” إيسوب ” على أن الإنسان عليه أن يتخذ قراراته بقناعاته الشخصية ولا ينبغي أن يكون إمعة يتاثر بأقوال الناس .
وفي الختام أخي المعلم فقد وضعت امامك المفتاح وعليك أن تدخل بستان
” إيسوب ” وتقطف منه أجمل الثمار ، فأطفالنا يستحقون منا أن نملأ أسماعهم و وجدانهم بالقصص التي نبث فيها القيم ، ونعزز فيها السلوكيات الإيجابية في عصر طغت فيه المادة ، وانتشرت فيه السلوكيات السلبية الخاطئة وانهارت معه المثل والقيم فكن أنت كما أراد لك الله أن تكون سفير المعرفة ومصدر الإلهام .

قد يعجبك ايضآ

التعليقات مغلقة.