حكاية كل بيت مصرى قديم بقلم الكاتبة :: درية شرف الدين
ر الجديدة وقفت فى انتظار نزول صديقتى من بيتها، طالت المدة، لكنها كانت كافية لتفرغى للنظر إلى تلك المبانى القديمة المتجاورة التى يعود تاريخ بنائها إلى ما حول سنوات نشأة حى مصر الجديدة فى بداية القرن الماضى، هالنى جمالها وأناقتها واتساع واجهاتها وتلك الزركشات الدقيقة التى تزين مداخلها وشرفاتها وهذا التوافق فى طراز تلك المبانى
وكما هالنى هذا الجمال، آلمنى هذا التهالك وتلك الشيخوخة الباديان على مكوناتها التى لم تعرف طلاء منذ زمن، وأصبح لونها باهتاً، تساقطت أجزاء من الشرفات والنوافذ وأسوار البلكونات، وأضيفت جدران، وأغلقت فتحات وتهاوت حليات وجفت مداخل الحدائق، ما الذى أحال كل هذا الجمال إلى هذا المصير؟ جاءت صديقتى، وأدركت السؤال، وأحابت: قوانين الإيجارات القديمة التى تم صدورها أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والتى لم يجرؤ أحد على تغييرها منذ ذلك الحين هى التى جعلت مثل تلك المبانى وأمثالها فريسة للانهيار والتآكل وكأنها بلا صاحب.
جنيهات قليلة لا تكفى لمعيشة يوم وحد لمالك العقار، ولا حتى لنصف يوم وعليه أن يحمى عقاره من التشوية والتآكل.. كيف؟
المستأجر أصبح هو المالك الفعلى، والعقار أصبح من بعده لوريثه، وكل منهما ينتظر فناء الآخر، والناتج على مستوى البلد هو هذا الفشل فى صيانة ثروة مصر العقارية وفى الحفاظ على ملامح المدن وتلك المشاعر المريضة المتبادلة بين المواطنين.
منذ أيام فقط، ومن جديد فى مدينة الإسكندرية التى أصبحت للأسف تتصدر كل مدن الجمهورية فى ظاهرة انهيار العقارات وقع حادث جديد فى منطقة مصطفى كامل، انهار منزل مكون من سبعة أدوار وجارٍ- كالعادة- انتشال جثامين الضحايا، العقار عمره الزمنى نسبياً ليس بالطويل، وكان مكوناً من خمسة أدوار، وقام ملاكه ببناء دورين بالمخالفة صدرت لهما قرارات إزالة- وكالعادة أيضاً- لم تنفذ، ومعها قرارات ترميم لباقى الأدوار لم تتم.
وقد لفت انتباهى شهادة واحدة من سكان العقار، قالت: إن حريقاً «عامضاً» لا نعلم أسبابه نشب فى إحدى الشقق، منذ عدة شهور أدى إلى تقوس فى أعمدة العقار، وإن أعمال الإطفاء بالمياه أثرت فى الأساسات، واتهمت ملاك العقار بالتباطؤ فى عمليات الترميم وإجراء الصيانة الواجبة، بهدف التعجيل بانهياره لأنهم يتحصلون من المستأجرين على إيجار لا يتعدى 13 جنيها للشقة الواحدة.
– صورة أليمة لكنها بليغة فى التعبير عن حال العقارات القديمة وأصحابها، وقد يكون هذا التعمد، وتلك النية المبيتة لهدم عقار الإسكندرية من جانب أصحابه مجرد تصور غير حقيقى، لأنه فى النهاية إجرام لا يمكن قبوله وناتجه أرواح بريئة ذهبت هدراً، لكن ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار لما يمكن أن ينتهى إليه أمر تلك العلاقة التاريخية المشوهة بين ملاك العقارات القديمةوالمستأجرين.
نقلا عن المصرى اليوم