حليم وبليغ قدما أجمل الأغنيات وتسببت وردة وموسيقار الأجيال في خلافاتهم

أرتبط العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ و والملحن المبدع بليغ حمدي بعلاقة متميزة وخاصة، وشكلا معا ثنائية فنية متفردة أسهمت في ظهور أعمال غنائية خالدة في تراث الفن المصري ،وقدما سوياً أعظم وأنجح الأغاني التي قدمها العندليب ولاتزال عالقة في عقول وقلوب المستمعين.

علاقة صداقة ورحلة طويلة من النجاح الفني

بدأت العلاقة الفنية بينهم سنة 1957 بلحن “تخنوه” في “الوسادة الخالية”ثم تتوالي العديد من الأعمال الغنائية المتنوعة “العاطفية والوطنية والشعبية”،لفترة من عام 1965 حتى 1967، تعتبر من أهم الفترات التي جمعت القطبين “بليغ و حليم”، فخلال هذين العامين إجتمعا في تقديم الأغنيات ذات الطابع الشعبي مثل: “أنا كل ما أقول التوبة، على حسب وداد قلبي، سواح”، كما قدما معاً أغنيتين وطنيتين في عام 1967 من كلمات الشاعر “عبد الرحمن الأبنودي”، وهما: “عدى النهار، أحلف بسماها وبترابها”، وهما عملين لمسا وجدان الشعب المصري والعربي بشكل كبير، وتسببا في رفع الحس الوطني لديهم وأدركتهم من حالة اليأس وإحساس الهزيمة إلى حالة التفاؤل والتصميم على النصر.

 

بليغ يعاتب العندليب 

كان حليم يحب مداعبة بليغ لدرجة السخرية والضحك الهستيري، وكانت شخصية “بليغ” مختلفة فهو يميل الي الهدوء ويبعد عن الصوت العالِ، وكان ذو شخصية إنطوائية لا يميل للتعامل مع الكثير من الأشخاص،وكان أقرب أصدقاء بليغ بعد عبد حليم هو “العود” الذي يعزف عليه ألحانه.

ذات مرة ، لم يستطع بليغ تحمل مزاح حليم ومقالبه في حفل خاص، وقرر معاتبة صديقه، فجاء عتابًا رقيقاً مثل شخصيته وعميقاً مثل ألحانه، إذ لم يستطع مواجهة حليم؛ لذلك كتب خطابًا رقيقًا ومهذبًا عاتبه فيه بطريقة هادئة كعادته.

 

بداية الخلافات 

تغيرت العلاقة بين الصديقين”حليم وبليغ”تمامًا بسبب الغيرة الفنية لتعاون بليغ مع مطربين آخرين وتلحين أغاني لهم وهذا لم يعجب حليم ، وفاجأ “حليم” جمهوره ذات مرة حينما ووصف بليغ بـ”الإرهابي الفني”، وكشف بليغ وصفه حليم له بهذا الشكل ، قائلا: “حليم تصور أنني لا أهتم به الاهتمام الكامل كوني أتعاون مع مطربين آخرين، وهذا كان مخالفًا للواقع تمامًا”.

 

كان حليم يعرف جيداً قيمة وقدر بليغ وعبقريته في التلحين وكان يريد احتكار إبداعاته، والاستحواذ على ألحانه لنفسه، وبالطبع كانت تلك صفة أي مطرب ناجح في قيمة العندليب، لأن هذا النوع من النجوم يعشق النجاح والإبداع الدائم.

زواج بليغ ووردة وغيرة العندليب

بعد قصة حب تزوج “بليغ” من المطربة “وردة الجزائرية” وقال بعض الأصدقاء المقربين للطرفين بأن حليم لم يكن سعيدا بهذه الزيجة، وأرجع البعض السبب لخوف حليم أن تحتل وردة الرصيد الأكبر من إبداعات بليغ حمدي نسبة إلى أنه أصبح زوجها، وتتحول الحان بليغ من طريق حليم تجاه وردة بعد أن كان العندليب متربعا على عرش النجاح منفردا.

 

واستشهد أصحاب هذا الطرح بموقف حليم عندما ذهب حفلاً غنائيا لـ”وردة” في دار “سينما قصر النيل”، وكانت تشدو بأجمل أغنياتها منها: “العيون السود وحكايتي مع الزمان”، فقد دخل حليم فجأة إلى مكان الحفل ومعه طوق من الورد، وصعد على خشبة المسرح، وصفق لها وتوجها بطوق الورد وسط صيحات الجمهور، وعلى خشبة المسرح قدم العندليب التحية لها، وللجمهور، وغادر الحفل.

 

وهذا الموقف تسبب في خروج الجمهور باكمله خلف “العندليب”، تاركين الحفل لوردة، وقيل وقتها من بعض النقاد أن حليم كان يقصد ما حدث، وأراد ان يوصل رسالة لبليغ حمدي بهذا الموقف.

غيرة ومنافسة بين بليغ والموسيقار عبد الوهاب

كانت حفلة عيد شم نسيم، من اهم المناسبات الغنائية للعندليب حيث يقدم حفل كبيرًا للجماهير بأسعار مميزة،كما يقدم أغنية جديدة تعرض لأول علي المسرح و لم يسبق عرضها داخل الأفلام التي كان يشترك فيها حليم في ذلك الوقت، وفي إحدي حفلات شم النسيم قدم له موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب لحن الأغنية الشهيرة “فاتت جنبنا”، وهو نفس الوقت الذي كان يستعد فيه العندليب لتقديم لحن أغنية “هو اللي اختار” لـ بليغ حمدي.

 

وخلال بروفات الحفل، ذهب “عبد الوهاب” إلى الاستوديو الذي يقيم فيه حليم بروفات أعماله الفنية مع فرقته الموسيقية، جلس الموسيقار واستمع إلى لحن بليغ حمدي وقارنه بلحن أغنيته “فاتت جنبنا”، فلاحظ أن لحن بليغ متميز للغاية، وله مذاق موسيقي متميز عن لحنه.

 

فغادر “عبد الوهاب” الاستوديو فجأة دون استئذان، وبعد البروفة بعدة ساعات اتصل “عبد الوهاب” بـ”حليم” ليبلغه انه يرفض ان يجمع بين لحنه ولحن بليغ حمدي في حفل واحد، وخيره بين أن يغني لحنه فقط أو لحن بليغ ، وهذا الطلب جعل “العندليب” في حيرة ومأذق كبير، واختار ألا يغضب “موسيقار الأجيال”، وقرر أن يتفاهم مع صديقه “بليغ حمدي” وديا، على أن يغني لحن الموسيقار عبد الوهاب في حفل شم النسيم ، وتأجيل غناء لحن “بليغ” إلى حفل آخر.

 

القطيعة بينهم فـ الفن والصداقة 

وهنا كانت مشكلة كبيرة و حدثت القطيعة الكبرى، فعندما عرض حليم هذا القرار على بليغ وأبلغه بأنه يريد أن يغني لحن عبد الوهاب بدلا من لحنه، فكان رد “بليغ”: “ده أنا شغال على اللحن علشانك بقالي سنة، فعشان ما تزعلش عبد الوهاب تزعلني أنا!”.

استمرت القطيعة الفنية والصداقة بين حليم وبليغ سنوات طويلة، ولم يتم التصالح بينهما إلا عند انتشار خبر مرض عبد الحليم ، والذي أودى بحياته عام 30 مارس 1977، حيث قام بليغ حمدي بإقامة عزاء للراحل عبد الحليم حافظ في منزله الخاص، وذلك يؤكد مدى العلاقة القوية التي جمعت بينهما، وأنه برغم المقاطعة إلا أنه ظل يعشق صاحبه وصديق الكفاح حتى آخر العمر.

✍️ احمد علي

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.