نحن مطالبون بالسير لا بالوصول بقلم د. رحاب أبو العزم
حن مطالبون بالسير لا بالوصول بقلم د. رحاب أبو العزم
أهمية قراءة السيرة النبوية
إن التأمل في أحداث السيرة النبوية، وسير الصالحين ينقي القلب من ضعفه، وينقذ العقل من جهله، وينشط البدن من كسله؛ فلنتأمل أحداثها.
السير
بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة إلى المدينة لم يتبقى في مكة إلا عدد قليل من المسلمين؛ بعضهم لم يهاجر لمرضه، وكبر سنه، وكان من بين هؤلاء الصحابة الذين حبسهم المرض وكبر السن الصحابي الجليل ”
ضمرة بن جندب ”. لم يستطع أن يتحمل مشقة السفر، وحرارة الصحراء؛ فظل في مكة مرغمًا، ولكنه رضي الله عنه لم يتحمل البقاء بين ظهراني المشركين فقرر أن يتحامل على نفسه، ويتجاهل مرضه وسنه، وبالفعل خرج ضمرة بن جندب رحمه الله، وتوجه إلى المدينة بعزيمة وإيمان، وأثناء سيره في الطريق اشتد عليه المرض فأدرك أنه الموت، وأنه لن يستطيع الوصول فوقف رحمه الله وضرب كف على كف، وقال وهو يضرب الكف الأولى: اللهم هذه بيعتي لك. الله أكبر من منا بايع الله في شدته، وفي رخائه، وفي مرضه، وفي شفائه، وفي سفره، وفي حضره؛ ثم قال وهو يضرب الثانية: وهذه بيعتي لنبيك ثم سقط ميتا ..سقط ضمرة بن جندب ميتًا.
فأنزل الله فيه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة فأي شرف هذا لمن بايع الله تعالى؛ فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بما حدث لضمرة ثم نزل قول الله تعالى:
” ﻭَﻣَﻦ ﻳَﺨْﺮُﺝْ ﻣِﻦ ﺑَﻴْﺘِﻪِ ﻣُﻬَﺎﺟِﺮًﺍ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟﻠّﻪِ ﻭَﺭَﺳُﻮﻟِﻪِ ﺛُﻢَّ ﻳُﺪْﺭِﻛْﻪُ ﺍﻟْﻤَﻮْﺕُ ﻓَﻘَﺪْ ﻭَﻗَﻊَ ﺃَﺟْﺮُﻩُ ﻋَﻠﻰ ﺍﻟﻠّﻪِ ﻭَﻛَﺎﻥَ ﺍﻟﻠّﻪُ ﻏَﻔُﻮﺭًﺍ ﺭَّﺣِﻴﻤًﺎ ”
وقيلت بسببه السنة النبوية الشريفة فأي تكريم هذا لمن بايع المصطفى صلى الله عليه وسلم بصدق وإخلاص فجمع النبي أصحابه وأخبرهم بشأن ضمرة وقال حديثه الشهير: ( إنما الأعمال بالنيات،…الخ)
فحاز ضمرة شرفًا لم يحزه غيره بأن نزل فيه قرآن وسنة
العمل مع الله
إن العمل مع الله لا يشترط فيه أن تصل للهدف، ولكن يكفيك أن تموت وأنت تعمل، وتسير في الطريق إليه مادامت نيتك لله …فنحن مطالبون بالسير لا بالوصول. ولقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: سيروا إلي الله عرجًا أو مكاسيرًا.. نعم نحتاج جميعنا أن نسير إلى الله وإن كنا على عكاز؛ فإن انتظرنا الصحة كأننا ننتظر عمرًا يفنى؛ فلنحافظ على مسيرتنا إلى الله فالقلوب ضعيفة، والفتن خطافة، وأقوى من أن يحتملها العقل والقلب، وبلا توفيق من الله على الثبات لمالت القلوب ميلة لا استقامة لها، ولسقطت العقول سقطة لا قيام لها.