حوار نادر بین عالمي التنوير :دکتور محمد حسن کامل والأديب نجيب محفوظ
في ذکری میلاد الأديب العالمي نجيب محفوظ تتشرف جريدةأسرار المشاهير بالحصول علي حوار نادر بين عالمين من التنوير الاستاذ الدکتور محمد حسن کامل رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب والأديب المصري العالمي نجيب محفوظ
”هكذا حاورت صاحب نوبل للآداب عمنا نجيب محفوظ ….!!”
لم أدر كيف كانت مشاعري وأنا في الطريق للحوار مع صاحب نوبل للآداب أديبنا نجيب محفوظ ….؟
وكان اللقاء بيننا الذي منحني فيه فورا لقب (( حرفوش فرنساوي )) من حرافيشه بهذا الحوار فزت بشهادة تاريخية على العصر ولاسيما القرن الماضي .
في الحادي عشر من ديسمبر مرت السنة السادسة بعد المائة علي ميلاد الأديب الكبير نجيب محفوظ الكاتب العربي الوحيد الذي فاز بجائزة نوبل للأداب عام 1988 وُلد نجيب محفوظ في قاهرة المعز في 11 ديسمبر 1911 متاثراً بالبيئة الزمانية والمكانية والتي تظهر خطوطها واضحة في معظم كتاباته , ونجح محفوظ أن يصور بدقة مايدور في الحارة المصرية الضيقة بكل مافيها من أحداث ومعناة من دم ولحم والصراع الأزلي بين الخير والشر والتعريف المطلق للحرية من القهر وتحرير العقل , وبذلك خرج نجيب محفوظ من الحارة المحلية الضيقة ليصل إلي العالمية الرحبة الواسعة. ومما لا شك فيه أن من خصائص الأدب العالمي أن يتجاوز بك حدود اللغة والجغرافية والتاريخ والدين واللون والعنصر ليصل بك الي إنتماء ذو علاقة ودية بينك وبينه سواء إن كان هذا الأدب من أمريكا اللاتينية أو من إفريقيا أو من أي دولة , لقد نجح محفوظ في الوصول للعالمية بعد أن تخطي كل الحواجز المادية ومن المعروف عن معظم رواياته أنها تتسم بالواقعية غير أن له أعمال أخري تلعب الرمزية دوراً مهما فيها بدأ محفوظ في منتصف الثلاثينيات من القرن المنصرم كاتباً للقصص القصيرة في مجلة الرسالة ونشر روايته الأولي عبث الأقدار عام 1939 ثم كفاح طيبة ورادوبيس . وفي عام 1945 كتب القاهرة الجديدة ثم توالت رواياته خان الخليلي وزقاق المدق والسراب وبداية ونهاية والثلاثية المشهورة بين القصرين وقصر الشوق والسكرية وغيرها مثل اللص والكلاب والسمان والخريف وثرثرة فوق النيل والكرنك والحرافيش و ميرامار. ساهم محفوظ في تطويرصناعة السينما بالعديد من الأعمال الأدبية و التي تحولت إلي أعمال فنية في السنيما والتلفزيون فضلا عن ترجمة أعماله للعديد من اللغات الأجنبية وتعتبر رواية أولاد حارتنا من أكثر الروايات التي أثارت جدلاً حاداً في الأوساط الثقافية في مصر بعد البدء في نشر حلقاتها الأولي في الآهرام المصرية عام 1959 والتي توقف نشرها لردود الفعل القوية من بعض المثقفين ورجال الدين والذين اعتبروا محفوظ خارجاً عن الملة . تلك الرواية التي رسمت في حياة نجيب محفوظ مثلثاً هاماً في حياته الضلع الأول فيه رد الفعل ووصف محفوظ بالكفر والزندقة , والضلع الأخر أن تلك الرواية كانت سبباً في حصوله علي جائزة نوبل للاداب عام 1988, والضلع الثالث هو محاولة شاب إغتيال محفوظ في اكتوبر عام 1995 بالقاهرة . أدب نجيب محفوظ واحة نضرة وثرية للحركة الفنية المعاصرة في أدق مرحلة مرّت بمصر علي الصعيد الثقافی والسياسي والإقتصادي ومن ثم فان أدب محفوظ يعتبر بانوراما مصرية لتلك الحقبة .
لقائي بالأديب الكبير نجيب محفوظ بعد حصوله على جائزة نوبل المكان في الإسكندرية في كازينو سان استيفانو القديم
وكان حوراً رائعاً بيننا سجله التاريخ
وكان لي الحظ أن ألتقي بهذا الكاتب الجهبذ في الإسكندرية في مكانه المفضل فندق سان استيفانو القديم قبل هدمه وأجريت معه حوار بعنوان من الجمالية الي نوبل وكان بين الحوار مجموعة من الأسئلة التي قدمت بانوراما عن أدب محفوظ , كان اللقاء علي مرتين مع حرافيشه وكنت ضيف الحرافيش والذين أصبحت منهم بقرار عم نجيب : (( محمد حسن كامل حرفوش فرنساوي )) في حارة نجيب محفوظ وكانت هناك أسئلة شتي ومن أهمها نجيب محفوظ متهم في الحصول علي جائزة نوبل للادب عام 1988 عن عمله الغير عادي أولاد حارتنا الذي يعالج قضية موت الإله ما رأيك في الإتهام الموجه لك ؟ إنزعج الحاضرون من السؤال الصاعق وأبتسم محفوظ قائلاً محمد حسن كامل من أبناء المدرسة الفرنسية للإعلام مدرسة الفيجارو واللوموند ,أسئلتهم صاروخية ومباشرة ثم أستطرد قائلاً لي : هما قالوا كده ؟ فقرأت عليه حيثيات حصوله علي جائزة نوبل من الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة إشارة إلي تلك الرواية فقال لي الإله رمز في الأدب الغربي غير الله لدي ديننا الاسلامي , لقد حدث خطأ في ترجمة وجهة النظر الاجنبية لم أكن مسئولاً عنه . السؤال الثاني : نجيب محفوظ قدم شهادة علي العصر لعصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في رواية الكرنك بكل مافيه من متناقضات ولاسيما زوار الفجر ما تعليقك على هذا ؟ فقال لي : أنا قدمت أحداث واقعية والقارئ له الحق في تحليل الأحداث ولكنني لم أصدر تصوراً أو إنتماءاًّ لعصر دون غيره وكان سؤالي الثالث عن الثلاثية أنت قدمت تحليلاً للشخصية المصرية للرجل بالتناقض في شخصية السيد عبد الجواد فهو رجل تقي ورع ليث في بيته ومن رواد الحانات وشرب الخمر والليالي الحمراء خارج البيت وقدمت المرأةالمصرية في صورة مستسلمة للست أمينة وغانية في زبيدة العالمة ؟ قال : إنما أردت في الثلاثية إبراز تشريح المجتمع المصري في تلك الحقبة بكل مافيها من تناقضات سواء للمرأة أو الرجل . ولعل الأديب الرائع علاء الاسواني خير من خلف محفوظ في تشريح المجتمع في روايته الغير عادية عمارة يعقوبيان . السؤال الرابع سألت محفوظ عن أهم سمات طبيعة النسيج الاجتماعي في رواياته ولاسيما في ثورة 1919؟ أشار الي وحدة النسيج الاجتماعي بين قطبي الأمة من مسيحيين ومسلمين واتحاد الهلال مع الصليب في ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول , وأيضا تلاحم صفوف وعناصر الأمة بكل خيوطها من طلبة وعمال وفلاحين ومثقفين رجال ونساء , وكم كانت ثورة زغلول ثورة شعبية ضمت كل فئات المجتمع . السؤال الخامس : كاتبنا العريق نجيب محفوظ , بحصول الأدب العربي علي جائزة نوبل تعتبرهذا تشريفاً للأدب العربي أم تشريفاً للجائزة ؟ فأجاب قائلاً : أولاً هو تشريف للجائزة وتصحيح إعتبارها بعد أن مرّت بفترة مُنحت الجائزة لأفراد لم يستحقوها وتشريف للأدب العربي لوضعه موضعه الصحيح في قائمة الصدارة للأدب العالمي . السؤال السادس المحلية والعالمية وجهان لعملة واحدة اسمها الإبداع ما تعليقك؟ صمت قليلاً ثم قال : إن الإستغراق في المحلية والإهتمام بالنفس الانسانية بكل متطلباتها يصل بك الي العالمية التي يتمحور إهتمامها أيضا بالإنسان دون التفريق بالعرق واللون والدم واللغة والدين وكل العوائق التي تجعل الأدب محلياً محبوساً السؤال السابع أديبنا الكبير نجيب محفوظ ما سبب تقلص حركة الترجمة من الأدب العربي إلى اللغات الأجنبية ؟ هزّ رأسه قائلاً : عندكم في باريس دار كانت تترجم لي كما ترجمت للعقاد وطه حسين وغيرهم تلك الدار أُغلقت بسبب الديون لم يساندها اياً من الأثرياء العرب لدفع ديونها للضرائب وعند عودتي لباريس تلقيت دعوة إحدى السفارات العربية للإحتفال بالعيد الوطني لها , وسمعت أحد الأثرياء العرب يتحدث عن عزمه فتح مزانية مفتوحة لنقل منتجع ديزني لاند كما هو في باريس لإحدي العواصم العربية بشيكات موقعة علي بياض . تذكرت قول نجيب محفوظ لي عن التقصير في إثراء حركة الترجمة فضلاً أن ثقافتنا العربيه في هذا الوقت لم تجمعها موسوعة عربية واحدة فكتبت مقالة أحدثت ضجة بعنوان مدينة الملاهي ودائرة المعارف والتي ربطت فيها بسؤال طفلتي ذات الآعوام السبعة للتعليق علي معنى التلوث فأشرت الي دائرة المعارف الفرنسية لاروس , ولاسيما وهي تلميذة في مدارس باريس وفتحتَ تلك الموسوعة التي تكتظ بكم هائل من مغالطات ولاسيما عن العرب والمسلمين وناشدت الضالعين في الثقافة العربية في العالم العربي والإسلامي ونداءاً للحكام في الشروع لوضع الموسوعة العربية لحماية أولادنا من مغالطات في الموسوعات الأجنبية وقلت في مقالي مدينة الملاهي ودائرة المعارف رفقاً بأولادنا نحو فكر واع مستنير توفي نجيب محفوظ في القاهرة في 30 اغسطس 2006 بعد رحلة طويلة من الإبداع والعطاء .
د / محمد حسن كامل
رئيس اتحاد الكتاب والمثقفين العرب