«حياتنا مش لايف».. الوجه الخفي لعصر السوشيال ميديا وتأثيره على حياتنا الحقيقية
«حياتنا مش لايف».. الوجه الخفي لعصر السوشيال ميديا وتأثيره على حياتنا الحقيقية
«حياتنا مش لايف».. الوجه الخفي لعصر السوشيال ميديا وتأثيره على حياتنا الحقيقية
في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتسيطر فيه وسائل التواصل الاجتماعي على تفاصيل حياتنا، أصبحت “اللحظة الحقيقية” نادرة الوجود. الجميع اليوم يريد أن يُعرض حياته بأبهى صورة ممكنة، على شاشات الهواتف وأمام ملايين المتابعين. يشارك الناس فرحهم، نجاحاتهم، سفرهم، وحتى تفاصيل يومهم الصغير، لكن الغالبية تُخفي خلف هذه اللقطات المبهرة الواقع الحقيقي الذي يعيشونه بعيدًا عن الكاميرا.
كتب: هاني سليم
تعبير “حياتنا مش لايف” أصبح يعكس حالة مزمنة من التناقض بين ما نعيشه فعلاً وبين ما نعرضه للعالم. الواقع أن الحياة ليست سلسلة متواصلة من اللحظات المثالية، وليست عرضًا مصورًا يُبث مباشرًا للجمهور. هي مزيج معقد من مشاعر متضاربة، تجارب سعيدة وأخرى مؤلمة، نجاحات وأخفاقات. ومع ذلك، يبدو أن العالم الرقمي لا يسمح لنا سوى بعرض الجانب الجذاب فقط.
تأثير الصورة المثالية على نفسية الأفراد
ما نراه على منصات التواصل الاجتماعي غالبًا ما يكون نسخة معدلة ومصححة من الحقيقة. الصور المفلترة، الفيديوهات المنتقاة، والقصص المختارة بعناية، كلها تخلق لدى المتلقي شعورًا بأن “الجميع يعيش حياة أفضل مني”. هذا الشعور يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للكثيرين، ويولد حالة من القلق، الحزن، وأحيانًا الاكتئاب. فالضغط الناتج عن محاولة مطابقة هذه الصور المثالية يصيب الناس بشعور دائم بالنقص وعدم الرضا.
دراسات حديثة أكدت أن الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب خصوصًا بين الفئات الشابة، التي تقارن نفسها دائمًا بحياة “الآخرين” التي تراها على الشاشة، دون أن تدرك أنها مجرد مشاهد مختارة من الواقع، لا تروي القصة كاملة.
“حياتنا مش لايف” والعلاقات الزوجية
تزداد حدة المشكلة داخل العلاقات الزوجية، حيث يتوقع الأزواج من بعضهم حياة تشبه تلك التي يشاهدونها عبر حسابات “الأزواج المثاليين” على إنستغرام وفيسبوك. لكن الواقع يختلف. فالزواج الحقيقي مليء بالتحديات اليومية: مسؤوليات العمل، رعاية الأطفال، الخلافات الصغيرة التي لا تنتهي، التفاوت في المزاج والطموحات.
عندما يبدأ أحد الطرفين في مقارنة حياته الزوجية بتلك المعروضة أمامه على وسائل التواصل، قد يتولد شعور بالخيبة، وربما الاستياء من الشريك. هذه المقارنات تجعل الطرفين يشككان في نجاح علاقتهما، وربما تتصاعد إلى جدالات ومشاحنات قد تؤدي إلى الانفصال. فالضغط النفسي الناتج عن محاولات تقديم صورة مثالية، والقلق من عدم تحقيق المعايير الاجتماعية، يجعل الحياة الزوجية ميدانًا للصراعات غير المعلنة.
القناع الاجتماعي وتأثيره على الهوية الحقيقية
عندما نعيش حياة “معدلة” أمام الآخرين، نخاطر بفقدان الاتصال مع ذاتنا الحقيقية. كثير من الناس يجدون أنفسهم يعيشون أدوارًا تمثيلية ليبدو كل شيء على ما يرام، بينما تعصف بهم مخاوف داخلية وشعور بالعزلة. القناع الذي نرتديه عبر السوشيال ميديا يحرمنا من فرصة التعبير عن مشاعرنا الحقيقية، ويجعل من الصعب بناء علاقات صادقة ومتينة.
كيف نتعامل مع واقعنا بعيدًا عن “اللايف”؟
أول خطوة نحو استعادة الحياة الحقيقية هي الوعي بأن كل ما يُعرض على الإنترنت ليس سوى جزء من الحقيقة، وليس الحقيقة كلها. قبول أن الجميع يمر بلحظات ضعف وخلافات، وأن “الكمال” على الإنترنت وهم.
ثانيًا، يجب أن نعيد بناء علاقتنا مع أنفسنا وشركائنا على أساس الصراحة والصدق، فلا مكان للأقنعة في الحياة الزوجية أو الشخصية. التحدث عن التحديات والضغوط أمر ضروري لبناء تفاهم حقيقي.
ثالثًا، علينا أن نتعلم كيف نضع حدودًا صحية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث لا تتحول إلى مصدر ضغط وإحباط. التوازن في الاستخدام يعني أننا نستطيع الاستفادة من التواصل والاطلاع دون أن نغرق في مقارنات سامة.
في النهاية، يجب أن نتذكر أن “حياتنا مش لايف”. هي ليست عرضًا ترفيهيًا دائمًا أمام الجمهور، بل هي تجربة إنسانية معقدة تتطلب منا التفاهم، التسامح، والصدق مع أنفسنا ومع من نحب. الحياة الواقعية لا تحتاج إلى فلتر، فهي بكل ما فيها من جمال وألم، ضعف وقوة، هي ما تشكل هويتنا الحقيقية.