في وداع سيد الخلق: اللحظات الأخيرة في حياة النبي محمد ﷺ ومشهد يبكي القلوب
وداع النبي صلى الله عليه وسلم: اللحظات الأخيرة في حياة خير البشر
في حجة الوداع، وقف النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه يخبرهم بأن رسالة الإسلام قد اكتملت، حين أنزل الله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.
كتبت: ريهام طارق
فرح الصحابة بهذه البشارة، إلا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أدرك أن هذه الآية تحمل في طياتها نعيًا خفيًا للحبيب المصطفى، فانهمرت دموعه حزنًا واستعدادًا لفراق النبي الذي لطالما كان نوره يهدي الأمة.
بداية الوداع واشتياق النبي لأمته:
مرت الأيام، وبدأت علامات التعب تظهر على وجه النبي الكريم. أراد أن يودع شهداء أحد، فذهب إليهم ووقف على قبورهم مخاطبًا إياهم بحنين المشتاق: “السلام عليكم يا شهداء أحد، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون”.
ثم بكى، وعندما سأله أصحابه عن سبب بكائه، قال: “اشتقت إلى إخواني” تعجب الصحابة وسألوه: “أولسنا إخوانك يا رسول الله؟”، فأجابهم: “لا، أنتم أصحابي، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني”.
اشتداد المرض وانتقاله إلى بيت عائشة:
وفي الأيام الأخيرة، اشتد الألم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت السيدة ميمونة، فطلب أن يُنقل إلى بيت السيدة عائشة رضي الله عنها، فأخذ علي بن أبي طالب والفضل بن العباس يحملانه حتى وصل إلى هناك، امتلأ المسجد بالصحابة القلقين على حال النبي، وبدأ العرق يتصبب منه بغزارة، كانت السيدة عائشة تمسح وجهه الشريف بيده الكريمة، وتردد بألم: “لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات”.
اقرأ أيضاً : فضل صيام الأيام البيض في شعبان.. عبادة مضاعفة الأجر ورفعة في الدرجات
آخر خطبة وأعظم وصايا:
استجمع النبي صلى الله عليه وسلم قواه، وطلب أن يُحمل إلى المسجد، فصُب عليه سبع قرب من الماء حتى استعاد وعيه قليلًا، ثم صعد المنبر ليخاطب أمته للمرة الأخيرة.
وقف أمامهم قائلاً بصوت مملوء بالحب والموعظة: “أيها الناس، كأنكم تخافون علي؟”.
فأجابوا: “نعم يا رسول الله”.
فقال: “أيها الناس، موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض، والله لكأني أنظر إليه من مقامي هذا، أيها الناس، والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم”.
ثم أوصى أمته صلي الله عليه وسلم بأغلى وصاياه:
“الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة”، وظل يكررها.. ثم قال: “اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرًا”.
في تلك اللحظة، انفجر أبو بكر الصديق بالبكاء وعلم أن النبي يودع الدنيا، فصاح بحرقة: “فديناك بآبائنا وأمهاتنا وأموالنا”.
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس، وقال: “دعوا أبا بكر، فما منكم أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به، إلا أبا بكر لم أستطع مكافأته، فتركت مكافأته إلى الله عز وجل، كل الأبواب إلى المسجد تُسد إلا باب أبي بكر”.
اللحظات الأخيرة في فراق الحبيب:
عاد النبي إلى حجرته، وفي لحظاته الأخيرة دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك، فتمنى أن يأخذه لكنه لم يستطع طلبه من شدة المرض فهمت السيدة عائشة ذلك، فأخذت السواك وليّنته له وأعطته إياه، فاستاك به قليلاً، وبعدها دخلت عليه ابنته فاطمة رضي الله عنها، فبكت لرؤيته في هذه الحال، فطلب منها أن تقترب، فحدثها سرًا، فبكت أكثر، ثم عاد فحدثها مرة أخرى، فضحكت. وعندما سئلت بعد وفاته عن ذلك، قالت: “أخبرني في المرة الأولى أنه سيموت الليلة فبكيت، ثم أخبرني أنني أول أهله لحاقًا به فضحكت”.
وفي لحظاته الأخيرة، شعر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة، فرفع يده إلى السماء وهو يردد: “بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى”، عندها دخل جبريل عليه السلام وقال: “يا رسول الله، ملك الموت بالباب يستأذن عليك، وما استأذن على أحد من قبلك”.
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ملك الموت: “يا رسول الله، إن الله أرسلني أخيرك، بين البقاء في الدنيا أو أن تلحق بالله”، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم لقاء ربه قائلاً: “بل الرفيق الأعلى”.
إعلان الرحيل وانهيار الصحابة :
سكنت يده، و ثقلت رأسه على صدر السيدة عائشة، وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها. خرجت السيدة عائشة من حجرتها ونادت بأعلى صوتها: “مات رسول الله، مات رسول الله”.
عندها انفجر المسجد بالبكاء، وسقط علي بن أبي طالب من شدة الصدمة، وتملّك الحزن عثمان بن عفان، وأخذ عمر بن الخطاب يلوح بسيفه، رافضًا تصديق الخبر، ويصرخ: “من قال أن محمدًا قد مات، قطعت رأسه، بل هو ذاهب للقاء ربه كما ذهب موسى وسيعود”.
أما أبو بكر الصديق، فكان الأكثر ثباتا، دخل إلى الغرفة، قبل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بصوت مملوء بالحب والوداع: “وا خليلاه، وا صفياه، وا حبيباه، وا نبياه”.
ثم خرج إلى الناس وقال قولته الشهيرة: “أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت”، ثم تلا قوله تعالى: “وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم”.
في تلك اللحظة، أيقن الصحابة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رحل بجسده، لكن رسالته باقية إلى يوم القيامة، تهدي القلوب وتضيء دروب الإنسانية.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا