خالد فؤاد يكتب : أنا ومحمود بكرى وسنوات الشقاء وغلق الصحف ومسلسل الفساد ؟!

خالد فؤاد يكتب : أنا ومحمود بكرى وسنوات الشقاء وغلق الصحف ومسلسل الفساد ؟!

بقلم / خالد فؤاد

بدأت مشوارى الصحفي بصحيفة الأحرار عام ١٩٩٣ وجاء عملى بها بعد عدة تجارب سريعة بمجموعة من الصحف مثل المساء ومصر الفتاة والنيل والعروبة .

وغيرهم من الصحف التى كانت تصدر في نهاية الثمانينات ومطلعةالتسعينات من القرن الماضى.
فقد عملت بها جميعا بحب وحماس للمهنة وكنت أتفانى في عملي لأقصى درجة رغم عدم الحصول علي مكافأت تذكر .

ممارسة مهن متواضعة
وأذكر إننى كنت أنفق من جيبى ومن ممارستى لمهن أخرى متواضعه علي تنقلاتى ومقابلة المصادر هنا وهناك .
فكل ماكان يشغلنى هو الرغبة في النجاح وإثبات ذاتى وكلما كان ينشر لي خبر أو موضوع صغير أطير فرحا ولا أطيق الإنتظار للذهاب لمقر الصحيفة لكى أحصل على نسخ من العدد بل أتوجه علي الفور للباعة بالشوارع والميادين لكى أشتريها وأمسك بها فرحا ؛ وأطلع كل من أقابله بفرحة كبيرة علي ماتم نشره لي مدفوعا بحب وحماس شباب العشرين .

وحيد غازى ومدحت أبوبكر

وكانت الأحرار وقت إلتحاقي بها تصدر يوم الأثنين من كل أسبوع وتعد واحدة من أهم وأكبر الصحف المعارضة في مصر وكان يتولي رئاسة تحريرها الأستاذ / وحيد غازى رحمة الله عليه وكان يعرفني بحكم عملي معه قبلها لفترة قصيرة في مجلته الخاصة ” البلاغ” التى كان يصدرها بصفة شهرية .


وكان أول راتب وأول مكافأة حقيقية أحصل عليها في حياتى المهنية من هذه الصحيفة ” الأحرار” بعد أن قدرها لي هذا الرجل وحيد غازى.
وكانت بحق فترة ذهبية وثرية للغاية علي صعيد مهنتنا العظيمة ولهذا موضوع أخر .
فقد استفدت وتعلمت الكثير خلال هذه الفترة ونجحت في إثبات وجودى لدرجة أن الأستاذ وحيد غازى أصبح يفرد لي موضوعات بالصفحات وكنت القي تشجيعا كبيرا منه ومن الدكتور مدحت أبوبكر رحمة الله عليه .
والتقيت وتعرفت بزملاء في قمة النقاء والروعه وكان العمل يسير بحب وبشكل هادئ تماما .

مصطفي بكرى وتجارب مؤلمه

وبعد مضى نحو عامين علي عملي بتلك الصحيفة “الأحرار” قرر المناضل الراحل مصطفي كامل مراد والذى كان أحد الضباط الأحرار ويتولي ” رئاسة حزب الأحرار الذى تصدر عنه الصحيفة ” تحويلها لصحيفة يومية .


وقام بترشيح الأستاذ مصطفي بكرى لتولى رئاسة تحريرها وبصدق لم أكن سعيدا وقتها بحضوره بحكم إننى عملت معه قبلها لفترات بسيطة بصحف أخرى تم إغلاقها بسبب معارضته الشديدة وتجاوزه لكافة الخطوط الحمراء مثل “مصر الفتاة”

ومن قبلها صحيفة كانت تحمل عنوان ” مصر اليوم” كانت تصدر عن حزب الأمة وبعدهما مكتب لإحدى الصحف والمحطات العربية في مصر فقد تسبب بسبب طريقته في المعارضة والمنشتات الحمراء القاسية في إغلاقها تماما.
وهو مادفعنى للتشاؤم وقتها من توليه مقاليد صحيفة ” الأحرار” العريقة .

غريب في بيتى

وكما يقولون لم يكن باليد حيلة فقد حضر مصطفي بكرى لمقر الصحيفة ومعه فريق عمل كامل من معارفه واصدقاءة فيما يشبه الغزو للمكان.
وكان غالبيتهم من أبناء صعيد مصر وكانوا بالعشرات فأصيب الكثير من الزملاء بحالة من القلق والإحباط وأستشعروا إنه لامكان لهم وسط مايحدث فأنصرفوا وكدت أفعل مثلهم بعد أن اصابنى إحساس بالغربة في المكان الذى جلست فيه عامين كاملين وأصبحت أستشعر إنه منى وأنا منه فقد كانا من أجمل سنوات العمر لدرجة إننى احيانا كنت اجلس لمنتصف الليل دون أن يكون هناك عمل يذكر أقوم به .
ومن شدة حبي للصحيفة وخوفي عليها قررت الصبر والتحمل والإنتظار لكى أرى ومعى بعض الزملاء مايخبئة لنا القدر في الغد .

عزل وإتهام بالفساد

وبدأت أذهب للصحيفة وأنا في حالة توهان وغربة ولايتم إسناد أى عمل لى بل لا أجد مكتب أجلس عليه بعد أن تم تغيير الشكل من قبل الفريق الجديد وبالطبع سيطروا علي كل المقاعد والمكاتب فكنت اقف في الطرقات لا أعرف ما افعل ولا أجد من اشكو له أو أبث له همومى ومتاعبي وبدأت افكر فعليا في الإنصراف، فلا أتحدث مع أحد ولايهتم بوجودى أحد .
وهكذا حتى حدث صدام بينى وبين مسئول قسم الفن الجديد والذى لم أكن أعرف علي أسس تم ترشيحه للجلوس علي نفس مقعد الكاتب والناقد المحترم د. مدحت أبوبكر .
فقد كان هذا الشخص وبالمناسبة هو مؤلف مسلسلات لم يحقق عمل واحد من تأليفه نجاح يذكر وقام بتقديم برامج ببعض القنوات ولا يحقق أيضا نجاحات تذكر .
ومع حدوث هذا الصدام بينى وبينه وقتها ابلغنى صراحة إنه غير مرغوبا في وجودى بالصحيفة بل ونصحنى بالبحث عن مهنة أخرى غير الصحافة لكونى لن أحقق اى نجاحا فيها .
وكان أقصى شئ فعله معى وأصابنى به في مقتل إتهامه لي بالفساد المهنى وهى نفس التهمه التى كان ولايزال هو متهما بها .
فأنصرفت وأنا لا أكاد أرى الطريق أمامى والدموع تتساقط من عينى وجلست في المنزل أياما طويلة محبط ويائس وتوجهت لأطباء أمراض نفسية وأبتعدت تماما عن ممارسة المهنة .

عودة قوية ورأس مرفوعه

وهكذا مضت الأيام بي حتى تلقيت مكالمة تليفونية علمت منها أن هذا الشخص الذى تسبب لي في كل هذه المعاناة خرج من الجريدة بفضيحة مدوية.
وأنصرف معه كل من كان قد أتى بهم وابلغنى الزميل هشام لاشين الذى تولي رئاسة القسم بعده إنه يريد منى العودة ونسيان ماحدث وقال لي أن الأستاذ مصطفي بكرى سأل عنى أكثر من مرة .
فعدت للصحيفة مرفوع الرأس وقد أصبح المناخ أكثر هدوء وراحة حيث أنصرف عدد كبير ممن كانوا حضروا مع بداية الإصدار اليومى وعاد عدد كبير من أبناء الصحيفة الأصليين.


والحق يقال أن مصطفي بكرى أمر أكثر من مرة بصرف مكافأت خاصة لي عن خبطات وإنفرادات قمت بها
ودافع عنى في أكثر من موقف وحينما إتصلت به فنانة كبيرة جدا وقتها طلبت منه أن يقوم بفصلي بدعوى إننى نشرت معلومات خطأ عن عمرها الحقيقي ومؤهلها الدراسي وتأكد من كذبها وصدقي أنا أمر بصرف مكافأة كبيرة لي .

محمود بكرى كما عرفته

ومابين هذا وذاك تعرفت بشقيقه الأستاذ محمود بكرى وتوطدت علاقتنا بشكل هادئ محترم وأشهد إننى أحببته فقد كان إنسان مهذب وخجول لأقصى درجة .
لم اراه يوما يغضب أحد منه ؛ ولم أستمع له يغتاب أحد ولم يكن يتدخل فيما لايعنيه .
كان هادئا لأقصى درجه وسمح الوجه وبشوش وعف اللسان لدرجة يصعب وصفها .
ولصفاته الطيبة والحميدة كنت أسعى انا دائما لمجالسته والتحاور معه ووصلت علاقتى به لأقصى درجاتها في الأيام الأخيرة لتولي شقيقه رئاسة تحرير الصحيفة نهاية عام ١٩٩٧ علي ما أذكر .
حيث تقرر عزله من قبل رئيس الحزب بناء علي أوامر من الرئيس مبارك بعد الأزمة الكبيرة التى أحدثها وقتها وفوجئنا بقوات الأمن تحيط بمقر الحزب لمدة ثلاثة أيام متتالية وكان بكرى يرفض الخروج أو ترك الصحيفة حتى إستسلم للأمر بعد معاناة.

تجارب صحفية أخرى

وتولي رئاسة التحرير استاذ أخر بعده هو صلاح قبضايا رحمة الله ولم يكن مقدرا لي البقاء بالصحيفة في عهده سوى لوقت قصير جدا حيث أنصرفت لخوض تجارب أخرى كان أهمها مجلة ” روزاليوسف” في العام الأخير لتولي عادل حمودة رئاسة تحريرها قبل أن يتم عزله بسبب الضجة الكبيرة التى أحدثها وقتها واقامت الدنيا ولم تقعدها. لتتوالي التجارب الأخرى بعدها بالنسبة لي .

بينما ذهب مصطفي بكرى ليؤسس صحيفته ” الأسبوع” وقد تغير بشكل كامل وأصبح شى أخر تماما غير الذى كان!!!!
وهذا أيضا ليس موضوعنا ولسنا في صدد الحديث عنه.

دار الهلال ومعشوقتى الكواكب

وأذكر إننى إعتذرت وقتها عن العمل بها في بداية إصدارها مفضلا خوض تجارب أخرى عديدة ومختلفة بصحف ومجلات مصرية وعربية كبيرة حتى الإستقرار الكامل في مؤسسة دار الهلال ومعشوقتى الكبرى مجلة ” الكواكب” .

لقد مر كل هذا الشريط الطويل أمام عينى عقب نشر خبر وفاة الأستاذ محمود بكرى المهذب عف اللسان صاحب الوجه البشوش .
ولا نملك في النهاية سوى الدعاء له بالرحمة والمغفرة.

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.