“امتداح الخالة فردوس”.. خصوصية المرأة في رواية محمد البساطي.. بقلم.. عبده حسين إمام

“امتداح الخالة فردوس”  

خصوصية المرأة في رواية محمد البساطي

بقلم/ عبده حسين إمام

يصر بعض النقاد على أنه ثمة مقاربة ما بين رواية (فردوس) للأديب المصري محمد البساطي وبين رواية (امتداح الخالة) للأديب البيروفي (ماريو بارغاس يوسا) لا لشيء سوى رابط وحيد من عاطفة غريبة الأطوار، ولكل كاتب عالمه الذي يبحر فيه بقلمه ويبدع في تصوير تفاصيله، فبينما رواية يوسا بأحداثها المخملية في القصور وردهات الحدائق الغناء وهدير المسابح المعطرة، تدور (فردوس) في عالمها الريفي الفقير المحدود الذي طالما أبدع في عرضه البساطي وانساقت مخيلتنا خلف قلمه إلى قرى نائية بعيدة، نكتشف فيها كنها جديدا للنفس البشرية ومشاعرها وتطلعاتها، حيث تدور معظم أعماله في جو الريف من خلال التفاصيل الدقيقة لحياة أبطالها المهمشين في الحياة الذين لا تهمهم سطوة السلطة أو تغيرات العالم من حولهم، حتى لقب ب”راوي القرية المصرية”
الكاتب محمد البساطي، أديب مصري معاصر، ولد عام 1937 في بلدة الجمالية المطلة على بحيرة المنزلة بمحافظه الدقهلية، حصل على بكالوريوس التجارة عام 1960، وعمل رئيسا لتحرير سلسلة ”أصوات” الأدبية التي تصدر في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2012 وهو نفس عام وفاته؛ تكريمًا لمنجزه الإبداعي في القصة والرواية.
إن براعة الكاتب في تسليط الضوء على تلك المساحة القاتمة للمرأة ذات المقومات الأنثوية مفرطة العطاء في منظومة اجتماعية شديدة العوز والحاجة لأمر شاق يرسمه قلم ناضج على صنع الحدث من بين عمق المفارقة، إن شخصية (فردوس) تمثل المرأة التي داعبت خيال الكتاب والشعراء بعفويتها وأنوثتها البكر ذات السجية النقية، طالعناها ربما في شخصية (فاطمة) لدى يوسف إدريس في روايته (حادثة شرف) وربما تشابهت (فردوس) وصفيا ونفسيا مع (انشراح) للكاتب مكاوي سعيد.
بدت أزمة الحدث وجلاء العقدة في علاقة تكاثرت ونمت بمهارة الكاتب في تهيئة محيلة القارئ في وصف عاطفة الصبي المختلسة في الخفاء من زوجة الأب الغارقة في عالمها المبحر في سماوات الحلم وكيف غضت طرفها في قناعة كاذبة عن كل ما يحوطها من حماقات؛ الصبي، أبيه، ضرتها، الفتية الطائشين، عائلتها في العزبة البعيدة، كان الحوار أداة من أدوات الابداع بالرواية حيث نفاجأ بالحوار الأحادي للصبي (سعد) ابن الزوج المتيم بها، وتربطه بها علاقة غير مفهومة بطول الرواية لم يتم التصريح أو الجزم بمقصد تلك العلاقة وذروة تلك العاطفة المتهورة. عندما يتحول (ديالوج) الصبي إلى (مونولوج) يحدث به زوجة الأب فلا تجيبه سوى بإيماءات صامتة غامضة واستعراض صامت مكتوم لجمالها ورغباتها التي تم قمعها فقرا وقهرا، فيخال للقارئ عظمة الغموض الذي يبثه الكاتب بين جنبات الرواية، ملقيا بظلال الحلم وتداعيات اللاوعي بكثافة في سرد القصة وبناء عنصري المكان والزمان ومزج شخصية الصبي سعد ورفاقه ككائنات أثيرية في هذا العالم.
محمد البساطي
محمد البساطي
ماريو بارجاس يوسا
ماريو برجاس يوسا
في المقابل رواية (امتداح الخالة)،
(ماريو بارغاس يوسا) ولد عام 1936، حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 2010 والعديد من الجوائز العالمية.
تصنف رواية (امتداح الخالة) أنها رواية إيروتيكية (نسبة إلى أسطورة الحب والرغبة والجنس في الميثولوجيا اليونانية).
لذا غلب على الرواية المشاهد الوصفية دون الولوج بعمق لخبايا النفس البشرية وتأرجحها بين النوازع المتناقضة للنفس، بل سارت جميع شخصيات الرواية في سياق واحد من وصفية المشاعر الحسية، دون إبراز أي عاطفة يحركها الصدق، بدءا من (ديانا لوكريثيا) كمعادل لشخصية فردوس؛ شخصية هشة يقبع في لا وعيها مركبات شوفينية بالافتتان بنفسها واسترغابها من الآخرين بلا استثناء أو تقييد،
الزوج يتوارى قليلا في المساحة والتأثير خلف ديانا، جاء وصف (يوسا) للزوج مبالغا في معادلة بعض سلوكياته الغريزية بقيم عليا من التطهير ربما لا تتسق إلا من خلال القناعات الروحية له، والتي قد لا تتفق مع بعض الثقافات والمجتمعات فتبدو أمرا مقززا.
الفتى (ألفونسو) لم تتنامى شخصيته في الرواية مثلما ترعرعت شخصية سعد في رواية (فردوس) وتصاعدات شيئا فشيئا حتى كدنا نلمسها ونرى أهداب شاربه الخضراء على وجهه، كان مرور الفتى خاطفا مأسورا في سطوة زوجة الأب ونفوذها وتسلطها وافتتانها المغتر بذاتها.
والوقفة مع الترجمة الراقية الصادقة الأمينة للمحتوى الأصلي من العظيم (صالح علماني)؛ ولد في سورية عام 1949، أمضى أكثر من ربع قرن في خدمة الأدب اللاتيني ليُعرّف القرّاء العرب على هذا النوع من الأدب، يعمل صالح علماني منذ ربع قرن على ترجمة أدب أميركا اللاتينية والآداب المكتوبة بالإسبانية عموماً، في إضافة ثرية للمكتبة العربية بصياغاته المبدعة التي تصطنع للنص قالبا أدبيا جيدا لفت أنظار الكتاب والقراء.
صورة
صورة
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.