خيانة وارتداد… نماذج من انحراف الفكر بقلم عبده إمام

بقلم عبده إمام

خيانة وارتداد… نماذج من انحراف الفكر

عبده إمام

بالرغم من ندرة الحوادث التي تتعلق بأصحاب الفكر المنحرف إلا أن تلك الأحداث تحتل حيزا مؤثرا في وعى المجتمعات؛ لما تصنعه من صدمة ودهشة وتساؤلات حائرة، كيف خرج علينا هؤلاء في مجتمع مصري وعربي راسخ له ثوابته الفكرية وبنيانه الاجتماعي المتماسك؟!

لذا فقد كان اختراق المجتمع الآمن وزعزعة سلامه واستقراره هدفا لا يكلُّ لكل من يساروه القلق وتحركه الأحقاد والضغائن تجاه أي انتصار أو تقدم أو رخاء يحققه هذا الوطن في أزمانه المتعاقبة.

فبينما كانت تستعر المعارك التي وقودها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، إذ يتوارى في الظلام طابورٌ خامس من الخونة هانت عليه الأرض والدماء.

ولم يغب عن الذاكرة تلك النماذج الشائهة إبان حرب أكتوبر المجيدة وما رسخته في وجدان العالم من شموخ مصري جعلت منه دستورا خالدا لتكريم هذا الوطن وفرض احترامه على الجميع.

ولعل شخصية “هبة سليم” الفتاة الجامعية التي تم استدراجها جيدا كاختراق لافت لفئة الشباب المثقفة؛ نموذجٌ استحق وقفة وتأمُّل كردة فعل لفكر انحرف عن صوابه فاستخف بأصالة وطنه وتنصل من جذوره وهام ضالا بين إغراءات ووعود براقة لعدوٍّ لا يكنُّ لأوطاننا وأبنائه إلا كل حقدٍ ودسائس.

هبة سليم الفتاة المتعلمة طالبة الجامعة المثقفة التي تم تجنيدها عقب نكسة 1967 ففي وطأة الأزمات يترعرع الخونة ولا يهون الوطن إلا على ضعيفي النفوس؛ ولكن سرعان ما ينقشع الغيم أمام صلابة رجاله ووعى كوادره فسرعان ما تم الكشف عن المخطط الماكر الذي يديرها ويبث سمومها وسيقت الى الإعدام عام 1974م في حدث يثبت جلاء وطنية القاعدة الشعبية والمثقفة.

ولم يكن الوطن في وقت الأزمات فقط مطمعا؛ بل ففي ذروة الانتصار وبعد استرداد الأرض والهيبة، والبدء في إرساء قواعد السلام من القيادة التي أرادت للمنطقة العربية سلاما شامخا فرض قوته وسطوته على الخصوم، والانطلاق إلى عصر من النهضة والبناء بعد أن اكتوينا بويلات الحروب المتتالية وسعيرها، إلا وقد تشكلت قلةٌ معدودة من مدعي الفن والإعلام لبث ادعاءات تقلل من ريادة وطنٍ منتصر وسيادته المُستحقَّة للمِنطقة، ففي عام 1978 تم تدشين إذاعة تدعى ” صوت مصر العروبة” فسرى أثيرها بفكر لم يستقرئ وعىَ مصر ورؤيتها الثاقبة في قراءة مستقبل العروبة والعالم.

إن ما يتم غرسه من أفكار ضالَّة قد يكون أثرُه أشدَّ فتكا من طلقات البنادق في ساحة الحرب، وأنَّ سِلمنا الذي نعيش في كنفه مطمعٌ؛ ببثِّ أفكار التطرف والتي بلغت ذروتها في ثمانينيات القن الفائت، ولا يُرد الفكر عندما تنحرف دفَّته غير الفكر المستنير المعتدل،

وأحسن علماؤنا الأجلاء عندما عُقدت لقاءات ومحاورات لدحض تلك الأفكار المستهجنة والتي تم الزجِّ بها في عقول بعض الشباب لقلة خبرة وحداثة عمر، واصطيادهم لترسيخ مخططات فاسدة، فانتصرت الفكرة واستوى الاعتدال في وسطية بنَّاءة تنهل من ديننا وجذورنا الضاربة في عمق التاريخ منذ أن لاح فجر الضمير.

وبمنتهى الحكمة والسلاسة تم تقويم فكر الشباب واحتواء تلك الزوابع؛ ذلك الاحتواء الذي كفانا ويلات عانى منها بعض أشقائنا العرب من شطط في الفكر عانت منه الشقيقة الجزائر في تسعينيات القرن العشرين، وبلغت جرأته التي فاقت كل الحدود وفاجأت العالم أجمع في حادث اقتحام الحرم المكي الشريف عام 1979 م من مجموعة على تلك الشاكلة وعلى ذاك الفكر، مما خلَّف تحرير البقعة المقدسة من قتلى مدنيين وعسكريين وحادث يشهد على عاقبة انحراف الفكر وعدم توقيره لأهم المقدسات وأطهر البقاع.

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.