دراما الواقع بين سطور الحكاية: من “الهرشة السابعة” إلى “لام شمسية
دراما الواقع بين سطور الحكاية… في خضم ما يُقدّم على الشاشات، تبقى بعض الأعمال الفنية شاهدة على وعي صُنّاعها، ومُعبّرة عن وجع مجتمعٍ صامت، يئنّ تحت وطأة قضاياه المسكوت عنها.
كتبت: ماريان مكاريوس
هنا، لا تكون الدراما ترفًا، بل رسالة، وهذا بالضبط ما قدمته ورشة سرد بقيادة الكاتبة المبدعة مريم نعوم، والتي استطاعت أن تُخرج القضايا الاجتماعية من الهامش إلى صدارة النقاش العام، عبر أعمال تُخاطب وجدان الجمهور بذكاء وبساطة.
الهرشة السابعة… حين تصبح العلاقات مرآة النفس
في مسلسل الهرشة السابعة، نتتبع رحلة العلاقات الزوجية بعد مرور سنوات من الزواج، حيث تفقد المشاعر رونقها الأول، وتبدأ المواجهة بين الواقع والتوقعات. يسلّط المسلسل الضوء على تفاصيل الحياة اليومية الدقيقة، ويطرح تساؤلات حول مدى فهمنا لأنفسنا ولشركائنا. لم يكن النجاح هنا في تقديم دراما تقليدية، بل في قدرة العمل على تقديم الواقع كما هو، دون تزييف أو تجميل، بلغة بصرية راقية وحوار حيّ يعكس نبض الشارع المصري.
خلي بالك من زيزي… الغضب الأنثوي بين الكوميديا والوجع
أما مسلسل خلي بالك من زيزي، فكان طرحًا غير تقليدي لقضية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، في سياق درامي اجتماعي خفيف لكن عميق. زيزي، بطلة العمل، ليست فقط شخصية درامية مثيرة للضحك أو الشفقة، بل مرآة لكل امرأة تخوض صراعًا مع ذاتها ومع من حولها، في بيئة لا تتفهم اختلافها. العمل دمج بين الكوميديا السوداء والواقعية النفسية، مقدّمًا شخصية مركبة وإنسانية بكل ما تحمله من ضعف وقوة.
لام شمسية… كسر الصمت وخلخلة التابوهات
ثم يأتي لام شمسية، أحدث إنتاجات ورشة سرد، والذي اقتحم واحدة من أخطر التابوهات: قضية التحرش بالأطفال، وهي جريمة غالبًا ما يُغطى عليها بالخوف والعار والسكوت. لم يأتِ المسلسل ليعرض مأساة فقط، بل اختار أن يغوص عميقًا في البنية النفسية والاجتماعية التي تُسهّل حدوث الجريمة، وتمنع مواجهتها.
من هنا جاء العنوان الرمزي “لام شمسية”، تلك الحرف الذي يُكتب ولا يُنطق، تمامًا كما يتم تجاهل هذه الجرائم في مجتمع يرفض الاعتراف بها. فكل حلقة حملت اسمًا رمزيًا كـ الشطرنج، حيث تتبدل الأدوار وتُدار المعارك بصمت، أو المساومة، التي تُجبر الضحية على التنازل عن البلاغ للحفاظ على “سمعة العائلة”.
عقدة ستوكهولم… الضحية في حضن الجلاد
في مشهد مؤثر، يلجأ الطفل يوسف – الضحية – إلى الاتصال بالمعتدي وسام، وهو تصرف صدم المتفرجين، لكنه يستند إلى تفسير نفسي دقيق يُعرف بـ عقدة ستوكهولم، وهي حالة يتعاطف فيها الضحية مع الجاني كآلية دفاعية. يُسلط المسلسل الضوء على هذه الظاهرة لتفكيكها، لا لتبريرها، في محاولة جادة لفهم أعمق لمآسي الأطفال وضحايا العنف.
المجتمع كنعامة… نظرية الصمت والانكار
يُسقط العمل أيضًا نظرية النعامة في مواجهة القضايا الصعبة؛ إذ يُفضل البعض دفن رؤوسهم في الرمال بدلاً من التصدي للمشكلة. بهذا الطرح الذكي، يدعو لام شمسية إلى خلع الأقنعة وفتح النوافذ على الواقع، مهما كان مؤلمًا، لأن التغيير يبدأ بالاعتراف.
الدراما ليست تسلية… بل دعوة للفهم
ما تقدمه ورشة سرد ومريم نعوم هو أكثر من سرد درامي؛ هو كشف للطبقات الاجتماعية والنفسية التي تشكّل وعينا الجمعي. هذه الأعمال ليست مجرد مسلسلات تُعرض ثم تُنسى، بلبصمات حقيقية في وجدان الجمهور تعيد صياغة علاقتنا بالدراما كأداة فهم لامجرد وسيلة ترفيه