دروس مستفادة من هجرة رسول الله ﷺ 1 ▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

دروس مستفادة من هجرة رسول الله ﷺ 1

▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

في فجر الجمعة الموافق 27 من شهر صفر سنة 14 من البعثة النبوية الشريفة الموافق 13 من شهر سبتمبر سنة 622 م .

هاجر رسول الله ﷺ وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، انصياعا لأمر الله تعالى بعد ثلاث وخمسين سنة قضاها رسول الله ﷺ في مكة.

وكان في هذا الحدث العظيم كم هائل من الدروس والعبر التي يجب على كل مسلم ومسلمة استرجاعها في كل احتفال برأس السنة الهجرية حتى تتحقق الفوائد المرجوة من هذا الاحتفال .

?من دروس الهجرة :

أولاً : درس في التأكيد على حتمية الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل:

الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل من ضرورات الحياة الدنيا ، والحق لا ينتصر لمجرد كونه حقا بل يحتاج إلى المؤمنين به الذين يبذلون الغالي والرخيص من أجل الانتصار له، وإعلان كلمته في الأرض .

وللتدليل على ذلك نستعرض واقع مكة المكرمة قبل الهجرة مباشرة.

فقد رأى كفار ومشركو قريش أن انتشار الإسلام في يثرب يشكل خطرا كبيرا عليهم ، فدعوا إلى اجتماع في دار الندوة حضره صناديدهم ليتدارسوا الأمر ، وبعد تداول الأمر تكلم في هذا الاجتماع أبو البحتري بن هشام ، فاقترح حبس رسول الله ﷺ فرفض اقتراحه ، واقترح الأسود بن عمرو نفيه إلى خارج مكة فردوا عليه اقتراحه قائلين :

“ليس هذا برأي ، ألم تروا حسن حديثه ، وقوة منطقه ، فإذا حل عند قوم لا يلبث أن يستولى على نفوسهم ، ويحل في سويداء قلوبهم؟

بعد ذلك تحدث أبو جهل عمرو بن هشام زعيم بني مخزوم من قريش قائلا :

“أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى ، شابا ، جليدا ، نسيبا ، وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ويذهبون حيث محمد ، فيضربونه ضربة رجل واحد ، فيتفرق دمه في القبائل كلها ، فلا يستطيع بنو عبد مناف قتال الجميع ، فرضوا منا بالعقل أي : الدية، فعقلناه لهم”،.

فاستحسن الحضور الرأي ، وقرروا إخراجه إلى حيز التنفيذ .

وعلى الفور أخبر الله تعالى خاتم أنبيائه ورسله ﷺ بتفاصيل المؤامرة التي أنزل بشأنها قرآنا يتلى إلى يوم الدين.

يقول فيه ربنا تبارك وتعالى:

وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.

(الأنفال: 30).

ويقول:
الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُون

(التوبة: 20).

?ثانيا : درس في حسن التخطيط لكل أمر مع التوكل على الله :

أمر الله سبحانه وتعالى خاتم أنبيائه ورسله ﷺ بالهجرة من مكة الى المدينة ، فبدأ بالإعداد لذلك آخذا بكل ما لديه من الأسباب ، فكتم أمره حتى عن صاحبه الذي أخبره الله تعالى أنه سيرافقه في هجرته.

فطلب منه أن يجهز لرحلة الهجرة ، فابتاع راحلتين احتبسهما في داره ، يهيئهما للرحلة الطويلة ، كذلك عهد رسول الله ﷺ إلى ابن عمه علي بن أبي طالب أن يبيت في فراشه ليلة الهجرة ، حتى يرد ما كان عند رسول الله من أمانات لكفار ومشركي قريش ، وأن يتسجى ببرده صرفاً لأفئدة المتربصين.

وتروي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها في حديثها عن الهجرة قائلة :

كان رسول الله ﷺ لا يخطئ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، إما بكرة وإما عشية ، حتى إذا كان ذلك اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله بالهجرة والخروج من مكة من بين ظهراني قومه ، أتانا رسول الله ﷺ بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر قال :

ما جاء رسول الله ﷺ هذه الساعة إلا لأمر حدث .

فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول ﷺ وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء ، فقال رسول الله :

أخرج عني من عندك فقال : إنما هما بنتاي بأبي أنت وأمي ، فقال رسول الله ﷺ :

أن الله قد أذن لي بالخروج والهجرة ، فقال أبو بكر :

“الصحبة يا رسول الله، قال ﷺ: الصحبة”.

فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من شدة الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ، وأعد أبو بكر دليلا ليصحبهما في الرحلة إلى المدينة ، وأمر ابنه عبد الله أن يجمع لهما أخبار أهل مكة ، وأمر خادمه عامر بن فهيرة أن يرعى الغنم في جنوب مكة ليعفو على آثارهما إذا تحركا ، ودرب ابنته أسماء رضي الله عنها على حمل الطعام والشراب وعلى تسلق الجبال لإيصاله إليهما .

?ثالثا : درس في الإيمان برعاية الله تعالى لنبيه :

في العتمة من ليلة الهجرة النبوية الشريفة ، طوق بيت النبي أحد عشر شابا من كفار قريش المتوشحين بالسيوف يرصدون كل حركة فيه.

وعند منتصف الليل قام ﷺ ليخلفه علي بن أبي طالب في فراشه ، وخرج من بينهم دون أن يشعروا به لأن الله تعالى كان قد أغشى أبصارهم .

ثم تحرك للقاء أبي بكر لينطلقا في رحلة الهجرة ، عامدين إلى غار ثور .

?رابعا: درس في حب الأوطان:

قبل مغادرة مكة وقف رسول الله ﷺ على رابية صغيرة في أحد أسواق مكة، واتجه ببصره إلى الكعبة المشرفة يودع أحب بقاع الأرض إلى الله تعالى وإلى قلب خاتم أنبيائه ورسله قائلا:

“والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليّ، وأنك أحب أرض الله إلى الله عز وجل وأكرمها عليه، وإنك خير بقعة على وجه الأرض، وأحبها إلى الله تعالى ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت”.

?خامسا: درس في حب رسول الله ﷺ:

سار رسول الله ﷺ ومعه أبو بكر على الأقدام مسافة تقدر بحوالي عشرة كيلومترات في الاتجاه إلى غار ثور، إلى الجنوب من مكة وقد حمل أبو بكر معه كل ثروته، ولم يترك لأبنائه منها شيئاً، وأبو بكر خائف على رسول الله من أن تلمحه عين من أعين كفار ومشركي قريش، فتارة يمشي أمامه وتارة يأتي خلفه، وثالثة عن يمينه، ورابعة عن يساره، فسأله رسول الله عن ذلك فقال:

“يا رسول الله! أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك، لا آمن عليك”.

وبعد صعود جبل ثور، وهو جبل شامخ الارتفاع، صعب المرتقى، كثير الأحجار الصلدة الناتئة، وصل النبي وصاحبه إلى فم الغار، وهم ﷺ بالدخول إلى جوفه فسبقه أبو بكر قائلا:

“لا تدخل يا رسول الله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء أصابني دونك “.

دخل أبو بكر إلى جوف الغار، ودار على جوانبه يتفحصها، فوجد فيها جحورا كثيرة، فشق ثوبه، ومزقه قطعا دار بها على جحور الغار يسدها بخرق الثوب، وبقى جحران متقاربان لم يجد لديه ما يسدهما به، فاستلقى على أرض الغار مواجها هذين الحجرين اللذين سدهما بقدميه خشية أن يكون بهما من الهوام ما قد يؤذي رسول الله ﷺ ثم نادى عليه فدخل ووضع رأسه على أحد فخذي أبي بكر ونام من شدة الإجهاد.

صدق حدس أبي بكر فقد فوجئ بحية تلدغه من أحد الجحرين اللذين سدهما بقدميه، فتحمل آلام اللدغ ولم يحرك قدمه حتى لاتخرج الحية فتؤذي رسول الله ﷺ، ولكن الألم زاد عليه فبدأ يبكي بكاءً مكتوماً من شدة الألم، وسقط شيئ من دمعه رغما عنه على وجه رسول الله فتنبه مستيقظا سائلا:

“مالك يا أبا بكر؟ فقال: لدغت يا رسول الله فداك أبي وأمي”، فعالج رسول الله مكان اللدغة فشفيت.

ولما جاء وقت الفجر، ووصل نور النهار إلى قلب الغار لاحظ رسول الله أن أبا بكر لا يلبس الثوب الذي كان عليه حين خرجا من مكة، فسأله عنه فأخبر بأنه مزقه ليسد به جحور الغار خوفا من الهوام، فرفع النبي ﷺ يديه إلى السماء قائلا:

“اللهم اجعل أبا بكر في درجتي يوم القيامة”.

مكث رسول الله ﷺ وصاحبه في الغار ثلاث ليال حتى يأمنا الطريق إلى يثرب.

وكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بالأخبار ليلا، ويبيت عندهما حتى السحر، وكانت أسماء تأتيهما بالطعام والشراب لتعود مع أخيها قبل طلوع الفجر، وكان مولى أبي بكر عامر بن فهيرة يرعى خارج مكة ليعفي على آثارهما.

يتبع …

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.