دمعة على وسادة باردة بقلم الكاتبة انتصار احمد رجب
كتبت / انتصار أحمد رجب
في زاوية من هذا العالم، حديث تتلاشى الألوان و تحبو الأنوار، تجلس ” عبير “، لا يرافقها سوى صدى الأمس دمعة لا تجف، ليست دمعة حزن عابر، بل هي نهر من الأسى يروي قصة قلب فقد نصفه، قصة امرأة أصبحت وحيدة في ازدحام الحياة، بعد أن غادرها سندها وزوجها ” عماد ” إلى عالم آخر، تاركاً وراءه فراغاً بحجم الكون.
كل صباح يحمل معه املأ جديداً
قبل بضع سنوات، كانت حياة عبير مزهرة بـ الضحكات والوعود، كانت كل صباح يحمل معه املأ جديداً، و كل مساء يختم يومها بدفء حضن حنون كان ” عماد ” ليس مجرد زوج، بل كان رفيق الدرب، و شريك الأحلام، و الميناء الذي ترسو فيه كل مخاوفها.
كان صوتها كفيلاً بأن يمحو كل هم، و ضحكته تعيد للحياة ألوانها، لكن، في لحظة خاطفة، انقلب كل شيء، تبادلت الضحكات إلى نحيب، و الوعود إلى ذكريات مؤلمة، أصبحت أيقظها كل صباح على فراغ موجع، لتمد يدها فلا تجد سوى وسادة باردة، غرفتهما التي كانت تعج بالحياة، أصبحت الآن مقبرة للذكريات، كل ركن فيها يصرخ باسمه، وكل قطعة من أثاثها تحمل بصمات أيامهما معاً.
تتجاهل عبير العالم من حولها، فملامح الناس لا تعني لها شيئاً، و أصواتهم مجرد ضجيج لا يسمعه قلبها، وحدها دموعها التي تفهم لغتها، تسقط الدمعة تلو الأخرى على وجنتيها، كأنها تحاول أن تغسل آثار الفراق، أو ربما هي محاولة يائسة لإعادة الحياة إلى ما ماتَ داخلها.
الليالي هي أشد الأوقات قسوة، حديث يشتد الألم و يتضاعف الشعور بالوحدة، تتسلل الذكريات إلى رأسها، صورته، صوته، نظراته، كل تفاصيله صغيرة تعيد إليها الألم من جديد، تتشبث بملابسه التي ما زالت تحتفظ برائحته، تضغطها على صدرها وكأنها تحاول أن تستمد منها قوة لمواجهة الغد.
لكن، لا أحد يدرك حجم المعاناة التي تعيشها، يظن البعض أن الحزن يتبدد مع مرور الوقت، و أن الجرح يندمل مع الأيام، لكن، الحزن في قلب عبير ليس جرحاً، بل هو بصمة عميقة، لا يمكن محوها، إنه رفيق دربها، الذي لا يغادرها حتى في أحلامها.
تستمر الحياة في طريقها، لكنها بالنسبة لـ عبير توقفت في اللحظة التي توقف فيها قلب “عماد” عن النبض، وما بقي لها هو هذه الدموع التي تسرد قصة وفاء لا ينتهي، وحب لم يمت ابداً.
دموع على وسادة باردة، تنتظر بصيصاً من الأمل يعيد إليها ما ضاعَ منها، أو ربما تنتظر فقط أن تأتي الغد لتبكي من جديد.
