دويلات صغيرة بلا ضابط
وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد وسيلة للتواصل فحسب ،بل صارت وسيلة لصنع دويلات صغيرة يحكمها قادة ،ويسمون أنفسهم بالأدمن ،وفي الفترة الأخيرة المنقضية والتي لا تتجاوز خمس أو ست سنوات أصبح هناك خيار أن تبني صفحة على الفيسبوك ،وتضم إليها مجموعات كبيرة من الأصدقاء وكذلك على تطبيق الواتس آب .وهذا من الأمور الحياتية التي أصبحنا لا نستطيع أن نغض النظر عنها فإن كنت ممن لا يحبذونها أو يشاركون فيها إ لإ أن زوجك أو زوجتك أبناؤك أصدقاؤك وكل المحيطين أصبحوا جزئا لا يتجزأ منها ،و ربما تجد نفسك فجأة قد زج بك فيها (دون قحم ولا دستور )وتبدأ تنهال عليك التقارير والدعوات للمشاركة في النشاطات المختلفة ،والتي تدعم بالتأكيد فكر وهدف الجروب أيا ما كان ،وربما يسعدك الحظ وتصلك دعوة مهذبة من احدى الصفحات التي تكون مخيرا بالإنضمام إليها إن أردت .ذلك وأحيانا يكون أدمن الصفحة من الذين ينتقون زبائنهم أقصد أعضاء الجروب فيدخل من خلال المسنجر ويبدأ بعرض الأمر عليك ولأنك لا تريد إحراجه أو لكونك ممتن لأدبه معك تجد نفسك (وبصنعة لطافة ) صرت عضواً ،ونستطيع ساعتها أن نقول لك ألف ألف مبروك.
وفي غالب الأمر الأدمن لا يكون شخصا بمفرده بل مجموعة من الأصدقاء ذو الإهتمامات المشتركة ،وبعد تفكير قرروا إنشاء مثل هذه الصفحة ،وبالتالي يصبحون هم المتحكمون في التقارير التي ترفع عليها إلا أن بعض الصفحات قد تتيح لكل الأعضاء النشر من خلالها دون الرجوع إليه ،وأخرى بالعكس وبالرغم من كوني متأكدة أن ما أقوله ليس بالجديد إلا أن من المحتم هذه الوقفة التمهيدية لما هو آت .
فمن خلال متابعتي للكثير من الصفحات الفيسبوكية بالأخص والمنتشرة بشكل عام على السوشيال ميديا ،والتي حققت في غضون فترات ليست بالطويلة إكتساحا ًحيث صار عدد المتابعين لها ربما يصل للآلاف فأصبحت أشبه بدويلات صغيرة لا يحكمها الزمان ولا المكان وإنما الإنتماء للصفحة ،حيث بدأت العلاقات بين الأعضاء تتوطد ،والصداقات تقام ،وميول وهدف بعض الصفحات بدأ يتطور _ربما مع طول الوقت والتفاعل_ إلى أهداف وغايات جديدة وربما ساعد في ذلك تحول العلاقات فيه من الوهمية إلى علاقات حقيقية ربما تملأ المقاهي والفنادق والمطاعم وربما الحدائق….وكل هذا ليس بعيب في المطلق وإنما هي أساليب حديثة لتشكيل العلاقات والتي تبدو في ظاهرها أمراً مختلفا ،ولكن للأسف قد ينقلب الأمر لصور جديدة من الضغوط الاجتماعية والنفسية على الأسر وأفرادها ومصدر غير متوقع للمزيد من المشكلات الحياتية..
أكبرها من وجهة نظري ( الأدمن) الذي شعر وبعد فترة من استقطابه للجمهور من خلال نشاطه المفعم بالطاقة ،والهدف النبيل والتوجه السامي الذي أنشأ من أجله الصفحة (إن أحسنا به الظن) والذي قد يتمثل في دعم المواهب أو التنفيس الاجتماعي ومناقشة موضوعات مفيدة حيوية تهم الجميع ،أو لدعم الثقافة و القراءة وما شابه ..وبعد أن صار له متابعين كثر قد انتابه حالة من الزهو والخيلاء ..وكأنه جلس على كرسي العرش ومردود ذلك كثير: فربما يفكر بالإستيلاء على الأدمنة ليكون الحاكم بأمره ،وربما يزداد سطوة في تقاريره والتحكم بالنشر على الصفحة وأحيانا يلغي عضوية هذا ويرفض دخول ذاك ولمجرد عدم الاتفاق في الآراء وربما خوفا من قوة شخصيته أن تطغى وتحوّل عنه دائرة الاهتمام ..كفانا وإياكم زهوة اعتلاء عرش جروبات الفيس بوك والواتس آب.
هذا من جهة ومن جهة أخرى وهي جليّة في جميع الجروبات والتي يعمد إليها الفنانون والموهوبون من أجل تفريغ شحنتهم الفنية و مشاركة أعمالهم للجمهور وربما هروبا من جو العمل التقليدي وممارسة ما يحب بحرية من خلال هذه الجمعة ..وإذ به بعد فترة من النشاط والعمل الدئوب أن يتفاجأ بكونه مستغل وتسويق عمله يكون في حدود النفع الخاصة بالجروب والذي يحاول الأدمن السيطرة على أعضاءه وحجبهم عن الجروبات الأخرى والجمهور وذلك بنسب كل ما يقدمون لإسم المجموعة دون الإشارة لشخصه وكأنه يعمل بمؤسسة وليس حرا مما يمثل ضغطا كبيرا عليه وربما يكون أضعف من أن يتجرأ وينفصل عنهم وكأنهم صاروا من أهله والإنتماء للصفحة صار واجب وطني والحياد عنه خيانة.
حلقتنا الأولى من هذا التقرير إنتهت ولكن موضوعنا لم يحسم بعد ولكي لا نطيل عليكم تابعونا بتقريرنا الجديد والقريب على الجريدة عن دويلات صغيرة بلا ضابط.
بقلم نيروز الطنبولي