رائدة التعليم المصري”نبوية موسى ” أول مصرية تحصل على البكالوريا وتطالب بالمساواة
هاجمها الرجال واعتكفت عن الزواج من أجل تحقيق أهدافها
كتبت دعاء سنبل
في ذكرى ميلاد أبرز وأهم رائدات التعليم في مصر هي كاتبة وأديبة ،وتعد من أبرز رائدات العمل الوطني وتحرير المرأة والحركات النسائية والمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة المصرية القرن الماضي ، هي أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا و أول ناظرة مصرية لمدرسة ابتدائية هي “نبوية موسى” أسمه بالكامل نبوية” موسى محمد بدوية ” ولدت في 17 ديسمبر 1889م .
كانت المساواة شعار نبوية موسى ، فلم تقبل أن تأخذ المرأة نصف راتب الرجل، فقررت دخول معركة البكالوريا كما كانت تسمى حينها “الشهادة الجامعية” لتتساوى مع خريجى التعليم العلي، وكانت أول بنت تصل لهذه المرحلة وتتقدم لعذا الإمتحان لذلك أنشأت الحكومة لجنة خاصة لامتحانها ونجحت “نبوية موسى” وحصلت على البكالوريا .
كان لها أخ هو من علمها حروف الهجاء واللغة العربية وكان يقرأ لها القصائد عندما قررت نبوية الإلتحاق بالمدارس ،هاجمها وقال أنه سيقاطعها ، وأصبحت بالفعل علاقتهما في محل العدم لمدة سنة تقريبًا، ورغم تألمها من قراره الذي جاء على عكس ما كانت تنتظره، لكنها أبت أن تظهر حزنها له أو خيبة أمل فيه وقالت له بكل كبرياء “لقد نقص من أقربائي واحد واحد ولا ضير في ذلك.
وكان حينها كلاً من محمود فهمي النقراشي “باشا”، وعباس محمود العقاد كانا بين زملائها في الدفعة، وقد تقدمت نبوية موسى عليهما في مادة اللغة العربية، حيث حصلت على 27 درجة في حين حصل النقراشي على 21.5 درجة، والعقاد حصل على 26 درجة.
“نبوية موسى” تفوقت وكانت من العشرة الأوائل وسط 250 على محافظات مصر جميعاً وطبعاً معظمهم رجال .
ألتحقت “نبوية “بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية، وفي عام 1906م حصلت على دبلوم المعلمات ثم عينت مدرسة لغة عربية في مدرسة عباس الأول الأميرية وكان راتبها 4 جنيهات مصرية.
“نبوية موسى” كان كل ما يشغلها المساواة والتحدث عن الرجل والمرأة في الحياة العامة ، وكانت تؤمن بأن الرجل هو أضعف الجنسين عقلًا وأقصرهما باعًا وأقلهما حيلة ، ومن أدلتها على ذلك من وجهة نظرها أن الرجل والمرأة يأكلان الحلوى معًا، ولكن الرجل هو الذي يؤدي الثمن وحده وهو طائع، فلماذا يصنع ذلك لولا أنه هو المخدوع المغلوب الذي يسخَّر لقضاء مآرب المرأة من قديم العصور؟
كانت تقول نبوية أن أحاديث الرجال وقلة عقولهم ، لأنهم يقعون في حبائل المرأة، ولا يعرفون لها جمالًا غير جمال الأجسام دون جمال العقول.
كانت دائماً منتقدة من الرجال وخصوصاً من يعملون بالتدريس ويرون أرائها هدامة وكانت تكتب ضد الإنجليز وقتها في “مصر الفتاة “بأسم مستعار لأن من كان يعمل بوزارة المعارف كان لا يحق له الكتابة في الصحف لكن زملائها الرجال ،أثبتوا للناظرة حينها أنها هي من تكتب تلك المقالات وكانت على وشك الطرد من عملها إلا أن سعد باشا زغلول كان يثنى على من تكتب تلك المقالات وعلى شجاعتها فتراجعت الناظرة عن القرار .
لكن لم يتركها الرجال ولا المسئولون وشأنها بل شنوا عليها الحرب إلى أن اتخذ وزير المعارف “على ماهر ” بإيقافها وفصلها من العمل ، وكان السبب مقالات نشرتها في مجلة “السياسة” تنتقد فيها برنامج الوزارة وتتطالبها بقصر عمليات التفتيش في مدارس البنات على النساء فقط دون الرجال، ودعمها لحركة شبه جماعية بين المدرسات المصريات تطالب باستبدال ناظرات المدارس الأجنبيات بناظرات مصريات بعد أن أثبتوا كفاءتهم في العمل، وكانت في ذلك الوقت تشغل منصب ناظرة المعلمات الأولية ببولاق، لكن القضاء أنصفها وأعاد لها اعتبارها، وأصدر أمرًا يقضي بأن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيهًا كتعويض لها عن قرار فصلها من الخدمة بدون وجه حق .
أنشأت مدارس خاصة بالفتيات ، للتمرد على المدارس الأميرية وتحقيق أهدافها في تعليم أفضل للفتيات ، ولم تكتفي بهذا لكنها أنشات مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية باسم “الفتاة” في النصف الثاني من عام 1937، وهو نفس الاسم الذي صدرت به أول مجلة نسائية في العالم العربي لـ”هند نوفل” في عام 1892، واستمرت مجلة “الفتاة” لــ”نبوية موسى”، في الصدور لمدة خمس سنوات.
علاوة على ذلك، صدر لها عدد من المؤلفات أبرزها؛ رواية تاريخية باسم “توب حتب” أو “الفضيلة المضطهدة”، وديوان شعري باسمها، وكان لها كتاب مدرسي صدر مبكرًا في عام 1909م بعنوان ” ثمرة الحياة في تعليم الفتاة”، فضلًا عن كتابها عن رؤيتها لعمل المرأة، الذي صدر تحت عنوان “المرأة والعمل”.
رفضت نبوية موسى الزواج، وعاشت راهبة للعلم، ولخدمة قضيته التي آمنت بها منذ الصغر، فكتبت عن الزواج تقول: “أنا أكرهه وأعتبره قذارة، وقد صمّمتُ أنْ لا ألوث نفسي بتلك القذارة”، موضحة أنها انصرفت عن الزواج بتاتًا.
في عام 1946 أوقفت مبنى مدرسة “بنات الأشراف” التي كانت تمتلكها بالإسكندرية، وقفًا خيريا للتعليم، وسلمتها إلى وزارة المعارف التي قامت بإعادة تعيينها في 13 فبراير 1946 في وظيفة مفتشة عامة للتعليم الحر للفتيات براتب 55 جنيها، إلى أن تمت إحالتها للتقاعد في 17 ديسمبر من عام 1946 بمعاش قدره أربعون جنيها، حتى رحلت عن عالمنا في 30 أبريل 1951، عن عمر ناهز 65 عامًا.