راحلة تحت المطر !!.. قصة قصيرة للاديب الكبير العميد ا.ح رءوف جنيدى
راحلة تحت المطر : _
على شفير البعد ولوعة الفراق . خطت أولى خطواتها بأقدام ترتعد حسرة وندما . فاقدة وحى الخطى وبوصلة القلب ولهفة الروح التى دوما ما كانت تشير الى قبلة حبها وعشقها الذى كان . راحت سيقانها تطوى الارض طيا . كأن قطارا يبتلع قضبانه . على طريق الهجران قبل أن يرق القلب أو تلين الكبرياء . تاركة من خلفها بقايا احاسيس ومشاعر كانت يوما صرحا من الوجد الأصيل ….
شيدته له بكل خفقة قلب نطقت بحبه . وبكل هدهدة روح ربتت يوما على كتفه . وبكل ضمة بالعين قبل الجوارح . شيدت له قصرا كانت لبناته من دفقات حنانها . وملاطه دفء لقاءات عديدة . كم انصهرت فى قلبيهما حرارة الشوق تزكيها نسمات الود والغرام . قصر عاش فيه على رحب العيون وسعة الروح والفؤاد . عاش فيه ملكا متوجا على عرش قلبها . تسوق على وجهه نسمات لطيفات تلطف حرارة من فوق وجنتيه . وتدثره بلفائف الدفء كلما انتفض قلبه بردا ..
افترشت له بهو قلبها بسندس المشاعر الحانية والأحاسيس الرقراقة . يلهو فيه طفلا مدللا . نما على جدران قلبها صباه . وترعرعت حول خصرها رجولته . فكان نبتها الذى زرعته ريا بماء الحب والعطاء . وحصادها الذى جنته من دنيا الشوق . الى ان جاءها يوم احست فيه أنه كان صرحا من خيال بدأ يهوى …
اجتاحت قلبها رياح لم تعد تحمل الدفء كما كانت . زلزلت اركان عشقها أعاصير باردة برودة الجحود والنكران . تبددت باقات الامل والسعادة من جنبات قلبها . تاركة خلفها قطعا من ليل مظلم خلت من كل ما يؤنس وحشة الروح ويروى عطش القلوب ..
شعرت أن زائرة جديدة بدأت تزاحمها قلبه الذى لم يعد ملكا لها وحدها . تصدعت جدران قصرها الذى كانت حانية عليه . شروخ اعتلت حوائط وجدانها . تشققات اصابت مشاعرها واحاسيسها فسقط من فوق قمتها ومن عينيها . هذا الذى ما استهواه تربعه على قمه قلبها . ولا أسعده اعتلاءه سدرة منتهاها …
بكت حبا لطالما أمدته بوقود الحياة ليبقى متقدا فتيا . بكت أياما وليالى بات القلب فيها يعطى والروح تحنو . بكت قلبا ما دق الا له ولا خفق الا على طيب ذكره . بكت روحا ما رفرفت بجناحيها الا لتسقط على عينيه دقائق النغم لتكحلها . بكت ثمارا أينعت على أغصان عودها ما دنا وقت قطافها الا له . وما اعطبها اليوم ايضا …. الا هو …
خفق القلب حزنا وقلقا وريبة . يناشدها قلبها العفو . وتجلدها كبرياء أنوثتها بسياط العزة والكرامة . قتلها حديث قلبها الذى أقض مضجعها واستعبده شكا . وعذبها صوت عقلها الذى كثيرا ما كان يقطع شكها باليقين . حارت الروح وتعذبت فى لهيب القلق . بين القلب والعقل . بين الشك واليقين . فكانت ثورة عارمة اعتملت بداخلها . ثورة أضرمت النار بكل جوانحنا . ثورة أتت على الأخضر منها واليابس …..
نادته يوما الى غرفتها . أوقفته أمامها . أمسكت يديه بيديها . دموعها تنهمر على خديها . تناشده القسم بكل غال عنده . تستحلفه بالله . أجبنى إذ سألتك هل صحيح حديث قلبى . خنت ام لم تخنى ؟ … صمت . طأطأ رأسه خجلا . فأجهشت بالبكاء . فقد صدق فيه حديث قلبها . تركت يديه تسقطان …
غادرت غرفتها تسبقها همهمات الحزن . راحت تلملم أشلاء حب تمزق . أشلاء مشاعر داستها طعنات الغدر . أشلاء عرفان ومودة تبعثرت تحت اقدام الكبرياء . جمعت ما تبقى منها ومن قلبها . غادرت فى يوم كانت ملامحه باردة برود قلبه . فلعل امطاره التى تساقطت فوقها تطفئ لهيب قلب استعر حرقة وانكسارا . رحلت تحت وقع حبات المطر التى كانت تنعى بنقرها الحزين قلبا انفطر . وخطوات بلا عودة على طريق الهجران . وانثى كسيرة القلب . مهيضة الروح …… راحلة تحت المطر ….