“بأخلاقهم اهتدينا”.. في رحاب الاعتكاف تضيء ظلمه القلب (الجزء الخامس)
ثمار الاعتكاف وأثره على القلب
الحمد لله الذي جعل في الطاعات راحة للقلوب، وفي العبادات أنسا للنفوس، والصلاة والسلام على من كان خلقه القرآن، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
كتبت: ريهام طارق
الجزء الخامس من سلسلة مقالات “بأخلاقهم اهتدينا”:
باتت القلوب بحاجةٍ إلى واحةٍ إيمانيةٍ تلتقط فيها أنفاسها، وتعيد صلتها بخالقها ومن بين أعظم العبادات التي تعين المسلم على ذلك “عبادة الاعتكاف”، التي تعد مدرسة روحية يتعلم فيها العبد كيف يسمو بروحه، ويجدد إيمانه، و يصفو قلبه.
في هذا المقال، نسلط الضوء على جنة الاعتكاف و محراب الإيمان، لنتأمل كيف كانت هذه العبادة مقصدا للأنبياء والصالحين، وكيف يمكننا استعادة روحها في زماننا، فنحيا بها قلوبنا، و ننهل من فيوضاتها الربانية.
“مَثَلُ الْمُعْتَكِفِ كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ حَاجَةٌ إلَى عَظِيمٍ فَيَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ، وَيَقُولُ: لا أَبْرَحُ حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتِي، وَالْمُعْتَكِفُ يَجْلِسُ فِي بَيْتِ اللَّهِ وَيَقُولُ: لا أَبْرَحُ حَتَّى يَغْفِرَ لِي فَهُوَ أَشْرَفُ الأَعْمَالِ إِذَا كَانَ عَنْ إخْلاصٍ”.
اقرأ أيضاً: بأخلاقهم اهتدينا “الجزء السادس”: فاطمة وعلي.. حب سماوي خلده التاريخ
ثمار الاعتكاف وأثره على القلب:
الاعتكاف ليس مجرد بقاء في المسجد، بل هو تربية للنفس، و صقل للروح، و تدريب على الزهد، والانقطاع عن ملذات الحياة المادية ففيه يأنس العبد بربه، ويتفرغ لذكره، ويصلح قلبه، ويعيد ترتيب أولوياته، ليخرج من معتكف بروح جديدة، و همة متجددة على الطاعة والاستقامة.
وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذه المعاني العظيمة بقوله في “زاد المعاد”:
“إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في العشر قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرًا يتخلى فيها من الناس”.
نماذج من الصحابة في الاعتكاف:
لقد حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الاعتكاف، و تنافسوا فيه، حبا في القرب من الله فها هو عبدالله بن عمر رضي الله عنه كان شديد الحرص على الاعتكاف، حتى إنه كان يقيم في المسجد طوال العشر الأواخر لا يخرج إلا لحاجة.
أما أبو هريرة رضي الله عنه فقد روي عنه أنه كان يعتكف كل عام، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحرص على أن يكون معتكفه خالصا لله، بعيدًا عن أي مشاغل دنيوية.
اقرأ أيضاً:نجاح باهر لحفل “ليلة في حب الرسول” بحضورالأزهري والمسلماني
اغتنم الفرصة قبل فوات الأوان:
ها قد أقبلت أيام الاعتكاف، فهل نحن مستعدون؟ هل سنكون من أهل الخلوة والصفاء، أم تشغلنا الدنيا عن خير عظيم؟
إن الاعتكاف فرصة قد لا تعوض، فلا تحرم نفسك لذة القرب من الله، فكم من معتكف خرج بروح نقية، و ذنب مغفور، وقلب عامر بالإيمان.
اللهم اجعلنا من أهل الاعتكاف، واكتب لنا لذة القرب منك، ونور قلوبنا بطاعتك… آمين.