رسالة إلى وزير الصحة: هل يُحاسب القائد على خطأ الطبيب؟

بقلم/ حماد الرمحي

لم أكتب يومًا تقريرًا صحفيًا أمدح فيه مسؤولًا، فـالأداء الوظيفي عندي “تكليفٌ” و”واجب”، أما الإخفاق فهو “خيانة وطنية” تستوجب المساءلة. لكن حين تتجسّد الكفاءةُ في شخصيةٍ وطنيةٍ تُلهم الشباب وتُطمئن الناس، وتسد ثغرات الحكومة، كما في حالة الدكتور أحمد عطا، يغدو الاستثناءُ ضرورةَ إنصافٍ وكسرَ للقاعدة احترامًا للحق والحقيقة، وانتصارًا لقواعد ومبادئ الجمهورية الجديدة التي يرسيها الرئيس عبد الفتاح السيسي.

عطاء “كورونا”.. شهادة في القيادة والإدارة

أكتب اليوم تقديرًا لقيادةٍ أثبتت في الملمّات والأزمات القومية أنَّ الإدارة علمٌ وميزان، وأنَّ الطب رسالةٌ ومسؤولية، وأنَّ السياسة الصحية عقدُ ثقةٍ مع المواطن لا بيانُ دعايةٍ. هذه شهادةُ كفاءةٍ تُقاسُ بما أُنجز لا بما قيل، وبما ثُبِّتَ من نظمٍ ورقابةٍ وعدالةٍ في اتخاذ القرار.

ومنذ الأيام الأولى لـجائحة “كوفيد-19″، تحرّك الدكتور أحمد عطا، مدير مستشفى التأمين الصحي بمدينة نصر وقتها، بمنطق الإدارة العلمية لا بانفعالات اللحظة. لقد شمل عمله إعادة توزيع طاقة المستشفيات وفق خرائط العدوى، وتوسيع أسرة الرعاية والتنفس الصناعي، وإنشاء غرف فرز وعزل بمداراتٍ آمنة، بالإضافة إلى تشديد سياسات مكافحة العدوى والتدريب الميداني عليها. كانت هناك لوحات متابعة لحظية لاستهلاك الأكسجين والأدوية، ورقابة صارمة، ومراجعات دورية لبروتوكولات العلاج.

ما قام به الدكتور عطا في نطاق عمله، خلال أزمة كورونا، كانت إجراءات جبارة أغلقت “فجوات التنفيذ” وقلّصت زمن الاستجابة، فصار القرار السريري مسنودًا بقرارٍ إداريٍ مُحكمٍ، لا مجال فيه للارتجال أو تضارب التعليمات. هذا الأداء يؤسس لـقيادة مستقبلية حكيمة جمعت الطب والإدارة والسياسة العامة في معادلة واحدة.

دكتور أحمد عطا
دكتور أحمد عطا

العدالة المؤسسية.. حدود المسؤولية والمساءلة

هنا يكمن جوهر القضية: العدالة المؤسسية هي التي تُفرقُ بين من يضع الخرائط ويُحصّن الحوكمة في منظومة الصحة، ومن يُخِلُّ ببروتوكول داخل غرفة العمليات. إن ما حدث مؤخرًا في مستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحي بالجيزة، من خطأ فادح تسبب في فقدان أربعة مواطنين بصرهم نتيجة تجاهل «بروتوكولات العدوى»، هو جريمة لا تهاونَ فيها تستوجب المحاسبة الصارمة لجميع المتورطين.

ولكن، لا يمكن مساءلة الدكتور أحمد عطا، رئيس الإدارة المركزية للشئون الطبية بالتأمين الصحي، على خطأ طبيب داخل غرفة عمليات مغلقة في محافظة الجيزة. لا يعقل أن يُحاسَب على خطيئة تنفيذية لم يكن طرفًا فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، وإلا كان بنفس المبدأ محاسبة الحكومة برمتها. إن تحويل القيادة التنظيمية العليا إلى “كبش فداء” عند كل حادثة تشغيلية هو مجرد “مصيدة للأخطاء” تُصيب هيبة المؤسسة وتبعث برسالةٍ بائسةٍ للكفاءات الشابة مفادها: “لا تُبادر ولا تبتكر… لأن نجاحك سيُعاد تأويله عند أول عاصفة.”

مناشدة وطنية: تثبيت المعيار العادل

جدير بالذكر أن الدفاع عن استمرار الدكتور أحمد عطا في مكانته ليس دفاعًا عن شخص، بل عن منطق دولةٍ تريد أن تُدار بالمؤشرات لا بالمزايدات، وبالخبرة لا بالفرقعات. الإقصاء السهل يربح عناوينَ يومٍ واحد، لكنه يخسر سنواتٍ من بناء الثقة والأنظمة.

إنها رسالةٌ صادقةٌ إلى معالي الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، مناشدة لضميره الوطني بمراجعة هذا القرار المؤلم. تصحيح هذا القرار ليس مجاملةً لأشخاص، بل تثبيتٌ لمعيار الدولة العادل: مساءلةٌ دقيقةٌ تُحمِّلُ المقصِّرَ تقصيرَه، وحمايةٌ كاملةٌ لمن أدَّى أمانته. بهذا تُصان ثقةُ المرضى وتستقرُّ المؤسسة، ويُحفَّزُ جيلُ الأطباء على المبادرة والالتزام، وتسير قافلة الصحة في مسارها الصحيح.

أشهد الله أن شهادتي خالصة لله، فهو مجرد مسؤولٍ لا تربطني به أيُّ صلةٍ شخصية، سوى ما رأيته من جهدٍ وطنيٍّ مخلص وقيادةٍ صادقةٍ تستحقُّ الدعم والإنصاف، لا الإقصاء.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.