هل من يسكن في بيت من زجاج يجرؤ على رمي الناس بالحجارة
من سلسلة مقالات "بأخلاقهم اهتدينا" الجزء الأول: مواقف مضيئة من حياة الصحابة .. بقلم ريهام طارق
من سلسلة مقالات بعنوان بأخلاقهم اهتدينا: مواقف مضيئة من حياة الصحابة .. بقلم ريهام طارق
هل من يسكن في بيت من زجاج يجرؤ على رمي الناس بالحجارة إن السخرية من الآخرين ليست سوى مرآة تعكس جهل الإنسان بـ عيوبه.
من يعيب الآخرين قد يكون أكثرهم عيبا، ومن يستهزئ بزلات غيره قد يقع فيما هو أعظم منها، فكيف لمن تملأه العيوب أن ينصب نفسه قاضياً على أخطاء الآخرين، متجاهلا حقيقة ثابتة لا تقبل الجدال: أن كل ابن آدم خطاء؟
الحياة مدرسة وأحداثها دروس لا تنتهي
الحياة مدرسة، وأحداثها دروس لا تنتهي فما تستهين به اليوم قد يصبح ابتلاء عندك غدًا، وقد يكون من تسخر منه اليوم هو من يبتسم القدر له لاحقًا، وقد يظهر عيبا اجتهدت في إخفائه حين لا تملك سترة، والحكمة كل الحكمة في أن ينظر الإنسان إلى الآخرين بعين الرحمة لا الازدراء، وأن يزن أفعالهم بميزان العدل لا بهوى النفس.
كن مرآة صادقة لا تعكس سوى الحقيقة
كن مرآة صادقة لا تعكس سوى الحقيقة ولو تأمل كل إنسان ذاته بإنصاف قبل أن يصدر أحكامه على الآخرين، لاكتشف عيوبه قبل أن ينشغل بعيوب غيره، فما تجاهد عن اخفاءه اليوم عن أعين الناس، فهو في علم الله، وكتب في كتابك وما نحرص على مواراته عن البشر، سيظل شاهدا عليك في صحيفة أعمالك يوم العرض.
كن رحيما
فكن رحيما، و ازرع في قلبك العذر لمن أخطأ، كما تحب أن تجد من يعذرك إذا زللت، فربما يأتي يوم تحتاج فيه إلى مغفرة البشر، قبل أن ترجو مغفرة الله، والله يحب عباده المتسامحين، الذين يعفون عن غيرهم، كما يحبون أن يعفو عنهم.
لا معصوم في هذه الدنيا، فكلنا خطاؤون
لا معصوم في هذه الدنيا، فكلنا نخطئ، و الكمال لله وحده، فما من قلب إلا وقد تاه في زلة، ولا لسان إلا وتعثر في هفوة، واحذر أن تحكم على غيرك فتجد نفسك في موضع من حاكمت، واجعل لسانك شاهد لك لا عليك، فكما تدين تدان، ومن غفر للناس زلاتهم، وجد مغفرة الله ورحمته.
إن الإسلام حذَّر من هذه الصفة الذميمة، وجاءت تعاليمه لتحثّ الإنسان على التواضع والعفو، وعدم التكبر على الناس أو السخرية منهم. وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ” (الحجرات: 11).
يروى أن الصحابي بلال بن رباح رضي الله عنه تعرض للسخرية من بعض الصحابة في أحد المواقف، فقد قال له أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ذات مرة: “يا ابن السوداء!”، في إشارة إلى أصوله الحبشية، فغضب النبي ﷺ غضبا شديدًا، وقال لأبي ذر: “يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية!” (رواه البخاري ومسلم).
فما كان من أبي ذر رضي الله عنه إلا أن أدرك خطأه، فوضع رأسه على الأرض وقال لـ بلال: “والله لا أرفع رأسي حتى تطأه بقدمك تكفيرا عما بدر مني”! ولكن بلال رضي الله عنه، بـ حلمه وتواضعه، عفا عنه وأكرمه.
هذا الموقف العظيم يعكس كيف أن الإنسان قد يسخر من غيره بغير قصد، لكنه حين يدرك خطأه، ينبغي أن يبادر إلى التوبة والاعتذار، وألا يرى نفسه أفضل من غيره، فـ التقوى هي ميزان التفاضل عند الله.
الأيام دول والجزاء من جنس العمل
ما أجمل أن ينشغل المرء بإصلاح نفسه بدلا من محاكمة الآخرين! فكلنا نخطئ، وكلنا بحاجة إلى رحمة الله وعفوه، ومن سخر من غيره اليوم قد يجد نفسه غدًا في نفس الموقف، لأن الأيام دول، والجزاء من جنس العمل.