رواية “سيدة الزمالك”..تاريخ البلد بعيون جريئة

رواية “سيدة الزمالك”..تاريخ البلد بعيون جريئة

 

بعيدا عن التقريرية النمطية فى روايات كثيرة هذه الايام وبعيدا عن الفانتازيا الفجة المملة وكتابات روائية مستوحاة مباشرة من ثورة يناير بمشاهد حرفية خيالية بعيدا عن أي خيال لدغدغة العواطف وكسب التعاطف فإن الامر هنا مختلف تماما ، ففي رواية سيدة الزمالك الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية للكاتب الروائي اشرف العشماوي نجد أن هذا أدب حقيقي ممتع صادق ، في هذه الرواية البديعة يفاجئنا العشماوي كعادته بشخصيات كثيرة متنوعة الحقيقة لا اعرف كيف يبتدعها من خياله بهذه السهولة والسلاسة والقدرة على الخلق ، الغلاف ومن بعده الاهداء الخادع في بداية الرواية يشي بأن الاحداث مستوحاة من قصة حقيقية لكننا نكتشف بعد نهاية الرواية انه اهداء شخصي بحت لصديقة له توفت من مرض السرطان ولا علاقة له بالاحداث ، فليكن لكنه بالتأكيد ابدع في سردها عبر اصوات خمسة مختلفة تمام الاختلاف وهنا تكمن الصعوبة وتظهر البراعة ، هذا هو الفارق بين روائي واخر ، كلاهما لديه فكرة وكلاهما امامه حدث ومرت امامه حكايات لكن كيفية تقديمها للقارئ باسلوب ادبي هو المحك، لعبة الاصوات والزمن فى الرواية تكشف بحق عن احترافية العشماوي ، ليست حدوتة والسلام فالرواية عميقة فإذا ما كنت قارئ نوعي ستجد بين السطور الكثير الذي يرضى غرورك ويشبعك واذا ما كنت قارئ عادي ستستمتع اكثر بالحدوتة الشيقة ، سترى بعمق كيف هوت بلدا بحجم مصر فى هذا المستنقع الكئيب هنا تظهر براعة العشماوي وهو يقدم لك بين السطور المسرودة بطريقة سلسة للغاية اسباب الانهيار دون ان يقول لك شيئا لا يدافع ولا يهاجم بل بالعكس اختار الحياد من اول كلمة لما هجر اسلوب الرواي العليم وركن الى ضمير الانا المتكلم ليحكي كل بطل من وجهة نظره ما حدث ، فبناء هذه الرواية مختلف تماما عن كل روايات العشماوي ، صحيح سبقه غيره كثيرون فيه لكنه ابدع ايضا مثلهم ، ايضا صحيح هو ابتدع من قبل طريقة رواي عليم مع ضمير الأنا المتكلم ربما لأول مرة فى الروايات العربية بتذكرة وحيدة للقاهرة انما هنا الامر يختلف تماما فهو لا يعتمد على حبكة رئيسية وتصعيدها كما اعتدنا منه ، بل جعل سرده عبارة عن  حبكات صغيرة وحكايات منقوصة تتشابك مع بعضها البعض حتى يكاد القارئ ألا يشعر بالتنقل بينها من كثرة التشويق والجذب الروائي في النقلات من خلال سرد سلس للغاية ، ايضا تمتد خيوط السرد الانثوي بنعومة في ناديا وزينب لتنسج بالرواية خيوطا رومانسية وأنثوية مبهرة اجاد الكاتب فى تقمص شخصياتها على نحو مذهل وكأنه ممثل قدير لا كاتب محترف فحسب، لا يمكن أن تعرف صوت الرواي أبدا فقد تخفى العشماوي ببراعة وراء كل شخصية تقمصها حتى النخاع فى هناتها وحركاتها وايمائتها ومفرداتها  فكان العشماوي هو ناديا وزينب وعباس ومراد وطارق فى ذات الوقت، اللافت فى هذه الرواية هو التقاط مشاهد ذكية للغاية من التاريخ المعاصر للاسقاط على الحالي في هدوء وبراعة فلا يمكن اغفال مشاهد فساد العهد الملكي وكوارث العصر الناصري وايام النكسة التي شعرت معها وكأنني بالفعل فى غرفة قيادة العمليات وايام السادات التي وصفها وكانه عاشها، لتأني النهاية متوقعة بانحدارنا اكثر واكثر ومع ذلك يفاجئنا الكاتب بامر اخر تماما لم يكن فى الحسبان لتكون نهاية مفتوحة فى منتهى القوة والتشويق. بالطبع العشماوي ببراعة وخفة هرب من فخ النمطية لما غير مسار شخصياته كلها نحو ناديا المحلاوي لتكون هي قبلة الابطال تنتهي الاحداث كلها عند قدميها لتركلهم تباعا وتفاجئنا بنهاية غير متوقعة على الاطلاق كما قلت عبر عنها العشماوي بسطور قليلة لكنها تحمل الكثير من المعاني . رواية سيدة الزمالك فى جملة واحدة هي كيف هوت مصر من زمن جميل إلى القاع فى سنوات قليلة وعلى يد من وهذا هو الاهم ،هذه رواية ستكتب اسم العشماوي بأحرف من نور فى تاريخ الروايات العربية فكما نجح فى التشويق والجماهيرية حافظ بذات القدر على أسلوب ادبي راق ولغة سلسة وبناء محكم..

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.