رواية كرامة من زجاج “الحلقة الاولى” … للآديب : عصام قابيل
في حجرتها الواسعة ذات الجدران العالية يتوسطها سرير واسع لها ولأختها وأريكة متواضعة إلي جواره وتسريحة صغيرة بمرآتها المبروزة أمامه
جلست هويدا أمام المرآة ؛ تنظر إلى وجهها وملامحها الجميلة , جبهتها المضيئة وقد إنسابت عليها خصلات من شعرها الشديد النعومة وخدودها التي تتوسطها حمرة خفيفة عينيها اللتان ظهرتا كأنهما مكحولتان بغير كحل و التي امتلأت
بمعانٍ لاتستطيع أن تخفيها ، وهى تدندن بكلمات تستهويها ، وقد لمحت في طرف المرآة ؛ أختها رانيا ؛رائعة الجمال ذات الملامح الملائكية وشعرها الذي يميل إلى الإصفرار ,ينسدل على جبينها كسبيكة من ذهب , وعينيها الخضراوين كما لو كانت من بلاد الفرنجة , وهى تقرأ في
كتاب ، قد غابت معه في عالم آخر وإذا بأخيها قاسم يناديها
أبي يريدك ياهويدا _
سقط المشط من يديها ، مع دخول قاسم إلى الحجرة ، ومبادرتها بصوته العالي نسبياً وقد أصابتها الدهشة لأن والدها إستعان بقاسم ، ولم يكلمها هو أو يأتي إليها ،كما عودها , وهو من كان يدللها ، ويمزحُ معها ، صمتت وهي تحملق فيه بذهول وتكهرب الموقف وألقت رانيا
الكتاب من يدها ، وقالت بشغف , إذاً لدينا
حكاية جديدة ، وهمت بالاستعداد للذهاب معهما ووقفت عند هويدا متأهبة ، إلا أن قاسم إستوقفها بيده برفق .
وقال لها:
– إن أبي يريد هويدا وحدها .
وهنا ازدادت دهشة هويدا وبدأ يصيبها
القلق
وظهر هذا علي ملامحها ووجهها الذي قتم لونه وراحت تفكر .
ومرت بذاكرتها تلك المعاملة الرائعة من أبيها ، وهو من تعامل معهم كصديق
مقرب ، وليس كأب طوال حياتهم ، على
خلاف المألوف ؛ في هذه المنطقة من صعيد مصر في قرية ساقلته – محافظة سوهاج – حيث الجفاء من رب الأسرة سمة أساسية أحياناً وخاصة مع الإناث كما لو كان التعامل معهم برفق جريمة ونقص في الرجولة إلا أن أبي يختلف كثيراً .
وانتبهت على صوت قاسم يستعجلها : هيا – أسرعي
ربنا يستر ياقاسم _
ماذا في الأمر ؟
قال لها بصوت فيه غموض :
– ستعلمين الآن .
أصاب الفضول الرهيب رانيا والتي كانت قد توقفت عن ملاحقتهما فجاءت تهرول ، وتحاول الإلحاح على قاسم أن يُعلمها بالأمر ، فأزاحها مرة أخرى برفق وقال : الوقت ليس وقت مزاح يارانيا ، هيا ياهويدا .
إزداد توتر هويدا ، مع ازدياد غموض الموقف
سارت هويدا وكأنها في موكب جنائزي، ولأول مرة تشعر أن المسافة بين حجرتها هى وأختها وبين حجرة الإستقبال بعيده ،
صحيح أنها كانت في آخر الردهه إلا أنها شعرت وكأنها في شارع آخر, مرت على الحجرات الثلاث في طريقها وكأنهم عشرات الحجرات , وتثاقلت خطواتها ، ولمحت في طريقها ، أخويها ” أشرف ” و” سعد ” اللذان يصغرانها كثيراً ، وهما يقفان هناك أمام حجرة الاستقبال ، وكأنهما يتلصصان ويسترقان السمع من حجرة الإستقبال ، فزادت رهبتها ، وسرت رعشة قوية في جسدها .
إلا أنها قالت في نفسها :
– أنتي قوية ، وتستطيعي التعامل مع كل الظروف والملابسات مهما كانت .
ثم لماذا كل هذا الخوف؟ ، وهذا أبي لم يُسمعني ماأكره مرة واحدة ، لا أنا ، ولا أحد من إخوتي ، حتي حينما أراد أن يزوج
سارة – أختي الكبيرة – ولم تكن ترغب في هذه الزيجة ،عاملها بلطف ، وظل يقنعها حتي أنها بعد زواجها شعرت بقمة السعادة ، ولكم كانت تتمني هذه السعادة فعلا .
كل هذه الأفكار ماجت في رأس هويدا ، وهى تقترب من حجرة الإستقبال ، حيث كان يجلس أبوها ، وهنا قفزت إلي رأسها خاطرة ؟ زادت من قلقها ، وتوترها مرة أخرى :
– لماذا حجرة الاستقبال ؟
هذا ليس مكان أبي المعتاد !
لابد أن هناك أمرُ لا أعلمه ، ولن أعلمه ، إلا أن أرى وأسمع أبي،وكم تمنيت أن
اللحظات القادمة لو لهثت في جوف الزمن
تستحثه علي الإسراع
إنتظرونا الآسبوع القادم بأذن الله والحلقة الثانية من الرواية