رواية “كرامة من زجاج” للآديب عصام قابيل “الحلقة الثانية”

تواصل جريدة أسرار المشاهير نشر رواية ” كرامة من زجاج للآديب الكبير عصام قابيل والتى تم نشر الحلقة الآولى منها الآسبوع الماضى واليك عزيزى القارئ ” الحلقة الثانية ” هذا الآسبوع .
ــــــــــــــــــ

ودق قاسم باب الحجرة ليستأذن على أبيه، ومن خلفه هويدا يقتلها الفضول ، حتى توسطا الحجرة , تسير خلف قاسم وهى تركز في وجه أبيها ؛ لعلها تستوضح من الأمر شيئا ، وعندما إقتربا منه تماماً ، تنحي قاسم جانباً ، وأصبحت هويدا في مواجهة أبيها مباشرةً ، ونظرت في عينيه ، ولكنها فوجئت به يهرب بنظراته من عينيها .
سبحان الله ! أبي ؟ من له الرهبة والهيبة ، حتى لايستطيع أحد أن يطيل النظر أمام عيونه القوية الجريئة ، ثم وجدته ينظر خلفها ويحدق، ثم يهرب بنظراته مرة أخرى إلى الأرض، ثم قال لها بصوت فاتر يعتريه حزن عميق ويخنقه التوتر
رواية كرامة من زجاج

_سلمي علي الرجل – وهو ينظر خلفها في خجل شديد – –
ألجمتها العبارة ، وعقدت لسانها المفاجأة ، ونظرت إلى أخيها قاسم ؛ تستطلع الأمر ، والذي قال لها مضيفا :
– إستديري ياهويدا .
فما كان من هويدا إلا ان إرتعدت أوصالها ، وشعرت بقشعريرة شديدة في جسدها ، وهى تحاول أن تنظر خلفها من طرف عينيها ، وهي في ذهول رهيب ، إلا أنها لمحت شكل رجل فعلاً فلم تكن أمعنت النظر تماما ، وشهقت شهقة كادت أن تودي بها ، ولم تلتفت بل جرت مسرعة تخفي وجهها وجسدها خلف أخيها ، وهى لاتريد أن تنظر إلى حيث كان يجلس هناك
علي مقعد خلف الباب ،لم تنتبه له وهي
تسير خلف قاسم أثناء دخولهما ،أصابتها المفاجأة بذهول رهيب ،
أهكذا عارية الشعر بثياب راحتها ؟ ماالذي حدث ؟
وكأنها في كابوس فظيع ، أبوها رجل المثل والمبادئ ؛ والذي تكاد تقتله النخوة , وتفتك به العادات والتقاليد ويحكمه الدين ، وأخوها ذلك الشاب القاسي العبارات ، المتشدد في مبادئه ، والمتمسك بتقاليد قريتهم الصغيرة ؛ والتي تُعتبر ظهور أي إمرأة أمام رجل لاتعرفه ولا يعرفها ، يكاد يكون جريمة حتى ولو كانت في كامل سِترها ، عصفت المفاجأة برأس وعقل هويدا ، كيف ؟ ثم كيف ؟ ماذا حدث ؟ وجاء صوت قاسم إلي مسامعها مرة اخرى
، كأنه صوت في حلم ، يأتي من مكان
سحيق ، هل هي فعلا في حقيقة ؟
لكنه كرر كلامه الذي لم تسمعه من شدة ذهولها وأفاقت علي صوته يشتد قليلاً
وهو يقول لها
-_إستديري ياهويدا
، وأمسك بيدها من خلف ظهره يشدها كي تخرج من خلفه وهو يردد : إظهري حتى يراك الرجل .
تعثرت الكلمات في فم هويدا ، ونظرت إلى أبيها ؛تريد أن تستوضح أي شئ من ملامحه , أين النخوة ؟ أين الهيبة ؟ أين تعليمات ماقبل الخروج ؟ إحذري ، انتبهي لنفسك ، هندمي ثيابك ، وصيحات للأم أن تنتبه لإبنتيها ،أين ذهب كل هذا؟
، وقالت – وهي تصرخ
لن أنظر إلى أحد –
وجاء صوت أبيها ، وكأنه منقذ يخرجها من هذه الضبابية التي عصفت بعقلها ، قال بصوت فيه القوة وقد بدا عليه الغضب :
– استديري ياهويدا ، لتنظري لزوجك ، فقد عقدت قرانك عليه أمس.
وألجمتها المفاجأة ؛عصفت بها فطيرت عقلها ، وانزلق لسانها ، وارتفع صوتها يعبر عن حالة مختلطة ، بين المفاجأة ،والقهر ، والإحساس بالظلم ، والدهشة لتصرف أبيها ،كيف ؟ هذا علي خلاف ما عودهم عليه ورباهم .
كل هذا دفعها الي الرد علي هيئة صراخ:
-أنا لم أتزوج أحد ، هذا ليس زوجي ، كلامك مردود عليك ياأبي
كانت المرة الأولى التي يعلو فيها صوتها
علي أبيها ، ولكن المسألة مصيرية ، لقد
وظلت تصرخ : كيف؟ كيف؟
رسمت لنفسها أحلاما جميلة ، ومواصفات وشروط فيمن ستتزوج ،طموحات بلا حدود , تصورات لجمال هذه الأيام, فرح بالخطوبة , بالهدايا , بدلالها على خطيبها , ولم تكن تتخيل أنها ستتزوج بهذه الطريقة التي عفا عليها الزمن ، وجاء في ذهنها صورة أختها يوم زوَّجوها على غير رغبتها ، تذكرت تلك الأحداث وكيف تزوجت أختها وهي مكممة الفم لاتستطيع أن تنبث ببنت شفة , ولكنهم كلموها قبلها ، وحايلوها ، ورغبوها ولم تكن مفاجأة لها ,لم يحدث مثلما حدث الآن ، وازداد حنق أبيها عليها .
وقال بصوت أجش ليس فيه رحمة:
– أنا زوجتك ، وانتهي الأمر
، وانظري إلى زوجك ، وتطلعي فيه …من حقه أن يراك وأن يشعر بك , من حقه أن يسعد بنظرتك له
, وكأنه كان يقول هذا من وراء قلبه ولم يكن ينظر إليها بل كان ينظر إلي الأرض ثم إسترسل يقول
– إنك حتى لم تنظري إليه ؛ وتحكمي على شكله حتى تثوري كل هذه الثورة .
ظلت هويدا علي صراخها ، وهى تتوارى خلف قاسم ، لاتريد أن يظهر جسدها لهذا الرجل ،فلم تزل تشعر أنها غريبة عنه وهو غريب عنها , وقاسم يشدها ، وأبوها قد بلغ قمة إحراجه , ومن هو ! هو من يهابه أهل قريته ، وله مكانة بينهم ، وكرامة
ويطيعه معظم أهل القرية فيما يحكم به على الناس، ولكن موقفه الآن كان أصعب مالاقاه في حياته وكأنه يسقط من عالي ويهوي على رأسه , كان يشعر وكأنه لوح من الثلج يتحطم
كل هذا الوقت مر وهو يفكر في موقفه الذي أخزته الظروف ولم تهدأ ثورة هويدا ، وهي تصرخ وتقول:
-أنا لن ألتزم بهذا الزواج ، إنهيه ياأبي ..
إلغيه أرجوك.. لاأريده…لاأريد هذا الزواج ياأبي
وتحجرت الدموع في عيني هويدا ، وتحول وجهها من الحمرة إلى اللون البني الداكن ، وكأنه كبد حوت
ثار أبوها ،وقام من مقعده وتقدم نحوها خطوة تمكنه من السيطرة على غضبها
وهي تحملق في وجهه , لم تتنبأ برد فعله…. ولم تعد تعلم كيف تتصرف , وقالت في نفسها.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.