رواية “كرامة من زجاج” للآديب عصام قابيل “الحلقة الثالثة”
ثار أبوها ،وقام من مقعده وتقدم نحوها خطوة تمكنه من السيطرة على غضبها
وهي تحملق في وجهه , لم تتنبأ برد فعله…. ولم تعد تعلم كيف تتصرف , وقالت في نفسها:
أين أنتي ياأمي ، أريد أن أرتمي في أحضانك ، وأدفن رأسي في صدرك ،وفكرت بسرعة وهمت بالخروج مسرعة من الحجرة ،إلا أن قاسم منعها،وأمسك بيدها بشدة،وصاح أبوها وقد تفجر بركان غضبه:
– بنت بنت
لم تكن هويدا في حالتها الطبيعية ، وقد سيطرت عليها ثورة أخرجت أسوأ ماعندها من سلوكيات ، ولم تكن تشعر بما تفعله ،
قالت وهي لازالت تصيح بأعلى صوتها :
– – لن أتزوج أحد ، لن أتزوج أحد ،
قالت هويدا مسترسلة
-لن أتزوج بهذه الطريقة أبداً ياأبي ,
وفي أثناء ذلك لمحت الرجل ، وهو جالس علي مقعده .
كان أنيقاً في ملبسه ، عليه مظاهر الرجولة ، وتقاسيم وجهه ترسم جمالاً رجولياً ؛ مع وضوح صرامة الملامح ، كل هذا لاحظته في تلك اللمحة ، ولِم لا ، فهى ذات الفكر الواعد ، والخيال الخصيب ، وهي من تقضي وقتها في تخيل فارس أحلامها ، وتكتب في ملاحظتها كيف سيكون ؟،وماذا سيقول لها ؟،وماذا ستقول له؟ ،وبلبلت تلك النظرة السريعة -وما أتبعها من أثر في نفس هويدا- فكرهاولكن لم تكد تغوص في هذا التأمل السريع والمشاعر المختلجة المختاطة حتى تقدم أبوها وقد اشتعل غضباً ، ورفع يده وصفعها صفعة قوية .
فنزلت يده على خدها كالصاعقة القوية
الشديدة ، واجترفتها الآلام , كل ألم منهم أشد من الآخر ، ألم الصفعة الشديدة على وجه امرأة ضعيفة رقيقة ، فقد كادت يُغشى عليها من شدتها , وألم شعرت به هويدا في قلبها ، وهي التي لم تُضرب من قبل ، بل كانت مدللة إلى أكبر حد ، وألم إهانتها أمام الرجل وهي المرة الأولى التي يراها فيها وتراه ولكن في نهاية الأمر فقد سكن الألم حدتها ، وكأنها استفاقت ، إنها تقف أمام أبوها الذي تهابه ،ولم تكن تعتقد أنها سترفع صوتها عليه يوما ، وهنا قام الرجل منتفضاً من مكانه ، وقال:
– – على رسلك ياحاج وهيب ، عفواً لاتنسى أنها أصبحت امرأتي ، ولن يسعدني ضربك لها .
كان الحاج وهيب لايزال في عنفوان ثورته
فأراد أن يرفع يده ويصفعها صفعة أخرى؛ فهمّ أن ينزلها علي صدغها الآخر ، وهنا أمسك الرجل يد الحاج وهيب ، وقال :
_ياأبو قاسم –عفواً- لن أسمح لك بضربها مرة أخرى ، فإنها زوجتي الآن .
هنا انطلقت صيحة قوية ، أشعلها ألم الصفعة مع الآم هويدا القلبية ، وقالت : لست زوجة أحد ! لاتقل زوجتي ! ولا تزايد علي, أليس لديك إحساس ؟
ثار أبوها ، وانتفخت أوداجه ، وهمّ أن يقع بها ضارباً بكلام الرجل عرض الحائط ، رغم أنه ارتبكت مشاعره بين رد فعل الرجل وهو من لم يعترض عليه أحد بهذا الشكل وبين ثورة هويدا وخروجها عن أدب الحوار وتضييع هيبته أمام الرجل
وكيف يسيطر عليها وهو يصيح : –
إحترمي الرجل ، ولا تقللي من شأنه
كانت هويدا لاتستطيع أن توقف ثورتها العارمة ؛وكان هذا دون إرادتها تماما … ولكنها تشعر بالحرج ؛ أنها ضيعت هيبة أبيها بثورتها ، وظهرت وكأنها عديمة التربية ، وفي نفس التوقيت ، قال الرجل وهو يحاول ان يهدئ الأجواء من حوله
– إهدأ ياحاج وهيب ، هي معذورة ، ولابد أن نرفق بها ، فالموضوع غريب ومباغت ولابد أن نراعي مشاعرها وننزل لإحساسها
قالت هويدا ،بسرعة وفي لهفة كبيرة وكأنها لاتريد أن تُضيع فرصة ، تُظهر فيها إعتراضها وتذمرها مما حدث ، فهي لا تتصنع الود والتعقل:
– – لو كانت لديك ذرة عقل أو بصيص من حكمة مارضيت أبداً أن تتزوج بهذه
حكمة مارضيت أبداً أن تتزوج بهذه
الطريقة
قال الرجل وهو يوجه كلامه للحاج وهيب
_هل من الممكن أن تتركنا وحدنا ياحاج
… نظر إليه الحاج وهيب شذراً ؛ فليس من عاداتهم أن تكون هناك خلوة قبل البناء ، وكيف يتنازل عن العادات والتقاليد ؛ وهو من يحكم بها بين الناس ؟ وكأنما أدرك الرجل مايدورفي رأس الحاج وهيب ، فقال
_هي عشر دقائق ياحاج وهيب ،واترك الباب شبه مفتوح ، فأنا أحترم التقاليد ولكني أريد أن أكلمها وحدها
إنتابت هويدا حالة هياج إثر سماعها هذه الكلمات .
وجرت تريد أن تخرج من الحجرة ، فأمسكها الرجل من يدها
في رفق شديد يريد أن يتودد إليها
أردف الحاج وهيب الحاج وهيب الباب قليلاً ،وخرج وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ، ورضخت هويداو قررت أن تجلس وتسمع ، وماذا يضيرها السماع؟
إن الامر لن يتغير كثيرا ، وماحدث حدث , وأن أجلس فأسمع ، فلن يغير من الأمر شيئاً ، جلس الرجل أمام هويدا ، وكانت تلك هي المرة الأولى ؛ التي تملي عينيها منه ، وتنظر إلى ملامحه ، كان وجهه عليه تعبيرات أضفت علي ملامحه جمالا رغم صرامة الخطوط المحددة لهذا الوجه ،أعجبت هويدا وأراد أن يدخل لها من باب احترام إرادتها فقال لها
– _أولاً :
،لن يكون إلا مايرضيكي ! ولن يحدث شيئاً