رواية الشوك والقرنفل: الغائب الحاضر … قراءة في أدب المقاومة .. بقلم: عبده حسين إمام

رواية الشوك والقرنفل: الغائب الحاضر

قراءة في أدب المقاومة  

بقلم: عبده حسين إمام

رغم مرارة التجربة إلا أن التناول الأدبي كان حاضرا وبقوة ويشغل حيزا كبيرا بين صنوف الأدب العربي سواء كان سردا أو شعرا أو حتى تم صياغته على هيئة سيرة ذاتية والمكتبة المصرية والعربية تحفل بالكثير من الأعمال الأدبية التي أفردت صفحاتها لهذا النوع المتفرد من الأدب.
الرواية كتبت أثناء اعتقال الكاتب الشهيد: يحيي السنوار في سجن بئر السبع وانتهى منها عام 2004م.
ففي أدب السيرة الذاتية أبدع الأستاذ/ محمود السعدني في مجموعة من الكتب التي تصدرها العنوان “الولد الشقي” وما تفرع منها مثل “مذكرات الولد الشقي” و “ملاعيب الولد الشقي” و “الولد الشقي في السجن” والتي يتخلل أسلوبها الساخر عصارة القهر والألم للكاتب وما تبناه من فكر ومبادئ عانى بسببها إلى حد السجن ثم النفي والطرد.
ونموذج آخر يعد مرجعا تاريخيا وانعكاسا إنسانيا للكاتب الصحفي/ مصطف أمين في سلسلته
“سنة أولى سجن” و “سنة ثانية سجن” حتى ” سنة خامسة سجن”.
وللشاعر/ أحمد فؤاد نجم إسهامات نقلت شعوره وتجربته بصدق من داخل أروق المعتقلات في ديوانه صور الحياة والسجن والذي قدمت له د/ سهير القلماوي.
وفي الإطار الروائي نذكر على سبيل المثال “يا صاحبي السجن” أيمن العتوم.
وجميع ما ذكرناه من إصدارات كان عن تجريه حقيقية للكاتب أو الشاعر.
وليس بالضرورة أن يكون العمل الأدبي تسجيلا لحياة السجون بقدر أنه إبداع أنتجته أجواء السجون عن التصور العام للكاتب في الحياة والحرية والرفض.
وفيما يخص أدب المقاومة الفلسطينية فقد ذاعت بين شعرائها المشاهير محمود درويش وسميح القاسم وآخرين ولعلنا نرى في روايتنا إبداعا جديدا في ادب المقاومة في مجال السرد يضاف لإبداعات سابقة مثل تجربة غسان كنفاني وروايته رجال في الشمس
وفي معرض حديثنا عن رواية الشوك والقرنفل للغائب الحاضر
لابد من التأكيد ان المقاومة الفلسطينية في ميدان الكلمة كانت قوية وفعالة وبوقا عالي الصوت والأثر في أن يسمع العالم لمعاناة فلسطين واستلاب الأرض وتزوير التاريخ وانتهاك المقدسات وقبل ذلك ضرب المعايير الإنسانية في قضية اصطف حولها كل إنسان حر يؤمن بالإنسانية والعدالة والسنن الكونية.
وبحسب ما ورد بكتاب. “فضاء السجن في الرواية العربية” للكتابة الأردنية جمانة صوان
يتم استعراض البناء الفني في روايات السجون من خلال المكان: السجن والعالم الخارجي، الزمان: الزمان البيولوجي والنفسي والوجودي للشخصية، السارد والسرد والزمان السردي، الاسترجاعات والاستشرافات داخل ظلمة السجن، الوقفة الزمنية، الحذف، المشاهد الحوارية والبانورامية والمفاجأة، الشخوص، البطل، السجين، بؤرة النص، الشخصيات الثانوية، والحوار “المونولوج والديالوج”، الشخصيات والحلم والحبكة واللغة والتناص والوصفية الحوارية.
•عن الرواية
المقدمة
أكد الكاتب الغائب الحاضر أن الرواية ليست تجربة فردية بل تخص كل فلسطيني عاش النكبة وناضل من أجل العودة والاسترداد.
وأحسن إهداءً عندما شمل الإهداء كل من تعلقت أفئدتهم من المحيط إلى الخليج، بل من المحيط إلى المحيط في إشارة الى عالمية القضية.
•المكان
-المخيم وبالأخص مخيم “جباليا” وما به من مشقة عيش وإعداد صارم للطفل وتأهيله للمقاومة في ذات الوقت كيف صور المخيم كسجن كبير.
-مدن فلسطينية تتدرج فيها سلطة الاحتلال بين التشديد والتخفيف حسب قوة المقاومة والفكر السائد مثل الخليل، غزة، بيت لحم، النقب. وخارج فلسطين في جنوب لبنان والأردن ورفح المصرية.
-المسجد الأقصى: في خشوع مر عليه الكاتب مشيرا لرحلة الاسراء والمعراج والقيمة الروحية للمسجد ولمدينة القدس ولفلسطين عامة كمنطلق لفكره وثباته.
•تصنيف الرواية
الرواية تميل إلى ان تكون سيرة ذاتية في سياق تاريخي تسجيلي كخلفية لتنامي الأحداث وتصاعد الشخصيات.
• اللغة
انعكست دراسة الكاتب للغة العربية على السرد لغة متقنة بدون هفوات نحوية وإملائية مع استخدام مفردات بسيطة وتعبيرات من بيئة العمل مثل البيارات، بسطة الخضروات، دوريات الاحتلال، حظر التجوال، كرت الطعمة، وكالة غوث، فطايس.
•السرد
-يؤكد السرد على تفاهة العدو من منطلق نظرة الكاتب الذي خاض التجربة عن قرب ومن داخل المخيم وكيف أبرز الكاتب ان جنود العدو بلا قضية مما جعلهم في حالة فرار دائم وخوف وترقب بحيث أنهم حقيقة الطرف الأضعف ولولا موازين العدالة الدولية المقلوبة لكان للقضية شأنا آخر.
-وفي مهارة دراماتيكية في ابراز تضاد النوازع وتناقض الأهداف في هامش مظلم من الرواية تم الإشارة الى دور الخونة من بني جلدتنا في الحاق بعد الهزائم الغادرة بالمقاومة وكيف تصاعد دور المخابرات في تجنيد بعض العملاء بمكر وخديعة بعد التغرير بهم وإيقاعهم حيث كان تفتيت القيم الأخلاقية للداخل العربي والفلسطيني هدفا ربما يكون أهما من الهداف الاستراتيجية.
-تم تطعيم السرد بالحدث التاريخي وأثره على الحدث الشخصي ويكاد القارئ من قرب الوصف يشعر بمفاجآت صادمة ربما يكون مر عليها في كتب التاريخ مرورا عابرا
مثل ثورة الكرامة، حركة الطواقي الحمر، أحداث أيلول الأسود، موت جمال عبد الناصر، الحروب 48، 67، 73، عصابات الهاجانا وغيرها.
-البنية الاجتماعية سواء بين الفلسطينيين بعضهم ببعض من جهة سواء من سكان المدن في مقابل سكان المخيمات أو بين الفلسطينيين والاحتلال جنودا وشعبا.
-وصف وسائل التعذيب البشعة في مسلخ العدو لشباب المقاومة وحياة الأسرى داخل السجون في الفورة والسنوكات (أسماء أماكن داخل سجون الأسرى)، والعقابات الجماعية، ومع تنامي الأحداث يستعرض الكاتب تصاعد صلف العدو وقمعه وإسرافه في الرد بقوة مفرطة بالرصاص الحي والمطاطي التي لا تتناسب مع وسائل المقاومة البدائية إلى أن بلغ الإفراط إلى صد المقاومين بالمروحيات والرشاشات الثقيلة.
– إضفاء أجواء الترقب والتوجس على سرد الرواية وخيم القلق مبرزا مشاعر اللاجئين أمام أعمال المطاردة والهدم والتهجير والحصار من كل شيء.
•الشخصيات
محمود: الشاب المقاوم في حركة فتح والذي يعد الشخصية الرئيسية للرواية وفي بؤرة معظم الأحداث رغم إشارة الراوي للعديد من الشخصيات الثانوية والفرعية ومن خلال شخصية محمود تم عرض المجتمع الفلسطيني في المخيمات وفي مدينة رام الله وفي جامعة بيرزيت في الضفة حيث دراسته وإرهاصات إقامة الجامعة الإسلامية في غزة ودور الأزهر الشريف في دعم التعليم في غزة علميا وماديا، وكذلك تفاعله في مجتمع سياسي زاخر بالتيارات مثل اليساري والقومي والديني وما يتبع ذلك من مؤسسات نقابية وجبهات تحررية.
صوت السارد في الرواية: رغم الحياد الشديد في السرد إلا أن المنطلق الروحي كان واضحا وأن فكرة المقاومة لديه ترتبط بالعقيدة والثوابت وأنه مشبع بروح التضحيات الأولى في فجر الدعوة.
إبراهيم: رفيق المقاومة وبوابة السارد لاستكشاف المقاومة وتعميق قيمتها الروحية في نفس الراوي.
حسن الأخ: ذو المرجعية الدينية.
حسن ابن العم: المنسلخ من قيمه العربية المنساق في صفوف العدو متبنيا افكاره وتقاليده.
الجد: الأثر الشاهد على استلاب الأرض والحق.
الأب الغائب: تم الإشارة له في أول الرواية ثم غاب ذكره كأنه معبرا عن الوطن الضائع والذي لم يظهر الا في الفصل السادس عشر بخبر استشهاده.
الأم: هي مركز الأحداث كأنها معادل للأرض في حنانها وأيضا شموخها.
•الحبكة
-رغم أن محتوى الرواية ينحاز الى التسجيل والتوثيق ولكن ذلك في السياق التاريخي وفي ظل الصراع النفسي للسياق العام لشخصيات الرواية فإن التصاعد الدرامي كان موفقا في الإطار التاريخي للأحداث ويتجلى ذلك في قبول بعض المواطنين العمل في مدن الاحتلال كما برز في التنازلات التي يقدمها اللاجئون في مخيمات اللجوء في السكن والغذاء والتعليم، استفحال نفوذ الاحتلال في تعامله مع جميع المقدسات سواء إسلامية أو مسيحية أو حتى يهودية كما في الحرم الإبراهيمي وحائط البراق وكنيسة العذراء.
-الكاتب كان محايدا لأبعد حد في ذكر دعم البلاد العربية وفي المقدمة مصر وأيضا الأردن في دعم القضية الفلسطينية كما ذكر جميع الفصائل المقاومة دون تمييز او انحياز مثل تجمع قوات التحرير الشعبية، حركة فتح، تجمع الجبهة الشعبية والتيار ذي المرجعية الدينية لاحقا.
– السياق التاريخي للأحداث والتحولات في المواقف طبقا للبرجماتية السياسية لأطراف الصراع بالأحداث التالية
•موقف منظمة التحرير والنخبة المصرية لمبادرة السلام وما تبعه من تداعيات على المواطن الفلسطيني في الأساس في التعليم والدعم المعتاد.
•الحرب الأهلية في لبنان ودور المقاومة الفعال فيها ضد الاحتلال والذي أدى الى الهجوم الغادر وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا.
•تنظيم المستوطنين في خلايا سرية منظمة في رد فعل يشير الى قوة المقاومة وأثرها على دولة الاحتلال مثل حركة أمناء الهيكل وبداية دعوات اقتحام المسجد الأقصى والمقاومة الباسلة لحمايته.
•صفقة تبادل الأسرى عام 1985م.
•انتفاضة 1987.
•العدوان العراقي على الكويت وموقف المقاومة من الزعيم العراقي.
•اتفاقية أوسلو وما عرفت إعلاميا غزة – أريحا.
•انتفاضة الأقصى عام 2000م
-وأكدت الرواية القضية الفلسطينية هي القضية التي ساهم في حلها والانتصار لها جميع الفصائل وجميع الاتجاهات وجميع المستويات شعبيا ونخبويا مهما اختلفت الاليات سواء بالمقاومة على الأرض أو بالتفاوض على الطاولات بدون متاجرة وبدون انتقاص أو تهوين من أي عنصر في معادلات القضية المعقدة.
•اقتباسات
-فقد شعر الجميع بالعزة تحت حماية بنادق المقاومة.
-من طين بلادك لط لخدادك.
•في هذه الرواية
-يؤخذ على سرد الرواية بعض الإسهاب في وصف الأحداث ومقدماتها.
-بعض الشخصيات غير نامية وظهورها محل الحدث فقط بدون تصاعد إلا الشخصيات الرئيسية فقط التي تصاعدت وتنامت حتى نهاية الرواية.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.