زمن المسرح الجميل إنتهى وأصبحنا في زمن العبث “مسرح ولامسرح”
بقلم / الناقد العربي لعرج “المغرب”
دراسة مقارنة لما بعد الربيع العربي.
أي مسرح هذا الذي ينتظرون اليوم؟ ويتساءلون ويهمسون عن أسباب الغياب، مسرح المثقف الهادف والجاد بمفهومه القديم والحديث، أم أن غيابه وتيهانه مرده إلى تدني الوعي بأهمية قيمته الفكرية والرمزية والمرجعية.فلست هنا أتوسل ضرورة وجوده لفك القطيعة الابستيمولوجية بين قديمه وحديثه، ولكن كل المؤشرات تروم كونه أصبح غير ذا نفع لدى المسؤولين القيمين على المشهد الثقافي ويعزون ذلك الى تنامي المد الشبابي الذي يجد في المسرح مضيعة للوقت ورجوع إلى الماضي المثقل بالأفكار الايديولوجية والشعبوية.
زحمة الحياة والفراغ القاتل
ولكن الحاجة أكثر إليه من أي وقت مضى، فزحمة الحياة وتعمم الكآبة وازدياد وقت الفراغ لدى طبقات اجتماعية عديدة، أضحت تتساءل عن فحوى غياب هذا الموروت الفكري واللامادي والرمزي الذي اعتبر متنفسا أولا للمثقفين. غياب مسرح تتلاقح فيه جميع الفنون على اعتبار أنه أبوهم الروحي، يتجلى فيه الإبداع الحقيقي ويبرز فيه الشخص المثقف وغير المثقف والتجسيد المعبر المكتمل المحاكي للظواهر المعاشة، وتطرب فيه النفوس، وتتبدد فيه اللحظات الكئيبة، وتبرز فيه الرموز وتزول فيه القتامة، وتتحرر الأفكار وتفرش اجنحتها ولو بعد حين.
ولكنه الغريب أن تتلاشى هذه الفرجة الطبيعية وتلوح محلها مظاهر مسرح جديد بلا هوية ولا معنى،توغل نحو الضبابية في المعنى والإرتجال في الأداء ،وغابت القصدية والفرجة، وانتهى بنا المطاف صوب مفترق طرق وهكذا عدنا إلى العبث بالعقول والدقون،ليس بمسرح حتى ولاشبهه.
شباب يبحثون عن ذواتهم، انزلقوا من الفن الحقيقي نحو الراب، ومن المسرح الحقيقي إلى اللامسرح، حيث الكلمة الغوغائية الشريدة التائهة والعنترية الفارغة.
نهاية البرنامج والحصار الإجتماعى
مستعينين بما انجزوه من تفاهة تداع كسلسلات هزلية تداع خلال شهر رمضان المبارك، وتحضر فيها شخصيات ميكانيكية، آلية بلاحس ولا تعبير وبلا أفكار ولا هوية، تنتظر نهاية البرنامج بمقابل لفكها حصارها الإجتماعي ،ويتلوها البكاء والتحسر على مستقبل الممثل الأسير لمهنة واحدة.
إنه زمن التدوير والإنتقال من مرحلة التأسيس المشعة القوية بشخصياتها وافكارها ومواقفها، إلى مرحلة الضعف واللامعنى.
انتهى زمن المسرح المثقف المقصود، وهذا زمن الخواء الرداءة والعبث.
فبالرغم من وجود مسارح ومعاهد حديثة تفرخ العديد من الشهادات العليا والنوعية، لا يزال العنوان العريض هو غياب الأهداف المسطرة لوجود مسرح انتقاءي للمواضيع فقد تدحرجت القضايا العربية الراهنة وخصوصا قضيتنا الأم فلسطين التي كانت تحرك الوجدان العربي، والأنانية المفرطة فغابت الأفكار الولادة الخلاقة مما أتر في تراجع الكتاب المأهلين المتأدبين الملهمين بمسرح أرسطوا وشكسبير وستانسلافسكي وآخرين برعوا في تقعيد المسرح القوي، ومن والاهم من العرب أمثال يوسف وهبي وثريا جبران إلى فئة تنثر الهزال في الشاشات الصغيرة والكبيرة،بأغراض مادية صرفة،لا يهمها الأدب ولا الأخلاق ولا الحفاظ على الموروت الثقافي الهادف والملتزم والحقيقي يفي بالأغراض كلها.
إنها أزمة بنية العقل العربي- على لسان محمد عابد الجابري الأديب والناقدالعربي وأزمة الإنسان العربي باتفاق العروي ومحمد أمين العالم وفيصل دراج- أرخت بسيولها على جميع الفنون التعبيرية، ولم يسلم منها المسرح فحسب إذ تغيرت هويته بعد العشرية الأخيرة وتأتر بأحداث الربيع العربي وأخذ ثوبا محتشما ينذر أن السقف العربي في مجال الأدب والفكر والإصلاح والتغيير قد بلغ دروته مع استمرار أزمة المثقف العربي، الذي كان يطمح ويأمل بالتغيير في البنى الإجتماعية والنخب الفكرية، وهاج وماج في ساحات التحرير وفي الأخير وجد نفسه محصورا مطوقا لأنظمة حاصرت الفن والأدب نحو العبث والمجهول.