سَيناء أرض الإختيار .. عرض وتقديم/ فاتن نصر
تابع الملايين في شهر رمضان قصة تعرض جزء طفيف من بطولات جرت على أرض سيناء التي تتم محاولات استعادتها الفعلية منذ أكثر من سبع سنوات، يتم فيها تطهير سيناء مما تجذر فيها من إرهاب. فهي أرض تحقق فيها الإختيار الحقيقي بين أمرين: إما أن تكون مصريًا وتحميها أو خائنًا محتميًا بأعداء بلادك لتدمرها. مِصر …ولن يكون طالما بقي في مِصر شرفاء مثل “منسي و زملائه” من أبطال مِصر شعبًا وجيشًا من قلب الشعب. _ولعل من أهم ما كُتِب عن سَيناء هو كتاب (تاريخ سَيناء القديم والحديث و جغرافيتها مع خلاصة تاريخ مِصر والشام والعراق وجزيرة العرب). لكاتبه/ نعوم بك شقير. وعن سَيناء قال عاشق مِصر الدكتور/ جمال حمدان: سَيناء ليست مجرد صندوق من الرمال كما قد يتوهم البعض إنما هي صندوق من الذهب مجازًا كما هي حقيقية” تلك هي النتيجة التي يقودك إليها وصف الدكتور/ جمال حمدان لشخصية سَيناء، من زاويتي الجغرافيا والتاريخ. وهي من الكلمات الأخيرة للعالم الكبير والتي جمعها في كتاب واحد قبيل وفاته عن بوابة مِصر الشرقية، في محاولة منه للحث على تعمير سَيناء، كحل وحيد لحمايتها من الأطماع الاستعمارية على مر التاريخ. بلغةٍ أقرب إلى الشعرية، يصف حمدان كيف كانت سَيناء على مر التاريخ موقعًا للمعارك الضارية مع الغزاة «حيث كان ماء النيل هو الذى يروي الوادي، كان الدم المِصري الذي يروي رمال سَيناء» ولن تجد ذلك أمرًا غريبًا إذا أدركت أهمية الموقع الإستراتيجي لسَيناء بالنسبة لباقي مِصر بل وللقارة الأفريقية؛ فالمستطيل الشمالي منها، بتضاريسه المعتدلة وبموارده المائية كان طريقًا للحرب وللتجارة على مر التاريخ ومركز الثقل الإستراتيجي لسَيناء كما يصفه حمدان و مع تطور تقنيات الحروب الحديثة أصبح المثلث الجنوبي لسَيناء نقطة إرتكاز للوصول إلى ساحل البحر الأحمر بالسلاح البحري أو الطيران، كذلك لتهديد عمق الصعيد المِصري بالطيران. وتعد شَرم الشيخ بمثابة المِفتاح لهذا المثلث الجنوبي «فهي وحدها التي تتحكم تمامًا في كل خليج العقبة دخولًا وخروجًا عن طريق مضيق تيران»، كما يقول حمدان. بمعنى أبسط، ساهم تطور الحروب على مدار التاريخ في تحويل سَيناء إلى أرض معركة بعد أن كانت طريق معركة ومن جسر حربي إلى ميدان حربي «بالتالي من عازل استراتيجي إلى موصل جيد للخطر» وبعبارات محددة يُلخص حمدان دور سَيناء في نظرية الأمن القومي المِصري في أن «من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سَيناء الأول ومن يسيطر على خط دفاع سَيناء الأوسط يتحكم في سيناء ومن يسيطر على سَيناء يتحكم في خط دفاع مِصر الأخير» وهو الدرس الجيوسياسي الذي دفع حمدان إلى قوله: بأنه ينبغي بعد إنتصار أكتوبر أن يكون إنسحاب يونيو ١٩٦٧م «آخر إنسحاب مِصري من سَيناء في التاريخ كما أن خروج إسرائيل بعد ١٩٧٣م ينبغي أن يكون آخر خروج من مِصر منذ يوسف وموسى». وبالطبع يلعب الفراغ العمراني في سَيناء، التي تمثل ثلاثة أضعاف الدلتا ويعيش فيها نحو نصف مليون مِصرى، دورًا مهمًا في جعلها أراضي جاهزة لمعركة العدوان وملائمة لأغراضه، إلا أن حمدان ينبه أيضًا إلى أن هذا الفراغ يجعل من سيناء نهبًا ومطمعًا للمستعمرين، لذا «كان هناك دائمًا عدو يشكك بطريقة ما في مِصرية سَيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل». _مِصرية سَيناء: ويتتبع حمدان التاريخ الطويل لمحاولات المستعمرين لنزع الهوية المِصرية عن سَيناء حيث حاول الإحتلال البريطاني الترويج إلى أن سكان سَيناء آسيويين لأنها جزء من قارة آسيا وبعد هزيمة يونيو ١٩٦٧م عادت إسرائيل تثير موضوع مِصرية سَيناء. وأثناء حرب أكتوبر ظهرت أصوات في الغرب تدعوا إلى تدويل سَيناء مرة أو تأجيرها أو حتى شرائها كحل لجذور المشكلة، معلقًا على تلك المحاولات الحائرة بلغته الشعرية قائلًا: إنها «قد تكون غالبًا أو دائمًا أرض رعاة ولكنها قط لم تكن أرضًا بلا صاحب منذ فجر التاريخ وسَيناء مِصرية». وبلغة العلم، يسرد ملامح بطاقة الهوية السيناويه، لكي يثبت مِصريتها للأجانب ويكشف عن كنوزها للمِصريين، حيث يقول: إن سَيناء تحمل بصمات مِصر حضارة وثقافة وطابعًا وسكانًا بالقوة نفسها التي يحملها بها أى إقليم مِصري آخر واصفًا إياها بأنها «مِصر الصغرى» لكونها امتداد وتصغير لصحراء مِصر الشرقية. _أما عن السؤال الذي يثار عن سَيناء آسيوية أم أفريقية؟ فلا يعنى شيئًا، يقول حمدان:«ببساطة لأن مِصر نفسها كانت دائمًا في آسيا بالتاريخ كما هي في أفريقيا بالجغرفيا». _الكنوز الطبيعية فى سيناء: كان ذلك هو الرد العلمي لحمدان عن الهوية المِصرية عن سَيناء. أما الر العملي لتلك الأطماع فهو يكمن في كلمة واحدة عل حد قوله هي «التعمير». اذا تتبعت وصف حمدان لسَيناء ستشعر أن غياب العمران عنها حتى الآن ليس هدرًا لإمكانية بقعة من أرض مِصر فقط ولكنه إهمال لقلب مِصر النابض، لما تتمتع به من مميزات طبيعية، فلديها أطول ساحل في البلاد بالنسبة إلى مساحتها في مِصر وهي أقل صحارينا عزلة لكونها مدخل مِصر الشرقي. وفي جيلوجيتها الإقليمية تكاد سَيناء «تختزل جيلوجية مِصر كلها تقريبا»، بالرغم من أن سَيناء منطقة صحراوية أو شبه صحراوية على أفضل الأحوال لكنها أغزر مطرًا من الصحراء الشرقية والغربية. تلك الثروات الطبيعية تنتظر التخطيط الإستراتيجي الواعي الذي يطلق طاقات التعمير، التي تحتاجها مِصر على مستوى الإقتصاد والأمن، فبعد درس العدوان الإسرائيلي في ١٩٦٧م أصبح ربط سَيناء بالوطن الأب أمر بديهي للبقاء، كما يقول حمدان. وفي كتابه الذي أعده قبيل وفاته، رسم حمدان ملامح حلم التعمير السيناوى، حيث تطلع إلى أن يكون الساحل الشمالي غنيا بالزراعة و الغربي نشيطًا في مجال التعدين والشرقي في مجال الرعي وأن تكون قناة السويس مزدوجة ويتجمع العمران الكثيف حول ضفتيها وأن تكون هناك سلسلة من الأنفاق تحت القناة تحمل شرايين المواصلات البرية والحديدية. سَيناء تعود لأحضان مِصر على يد أبطالها بقيادة قائد آمن بضرورة إستعادة مِصر لمكانتها وللسيادة الحقيقية على كامل أراضيها.