شاهد تناغم الهندسة والأدب

المهندس الكاتب بكر ابو طريه يهندس حروف اللغة العربية لتتداخل خطوطها وتلامس الواقع له من اعمال “عن البؤساء اتحدث” “الغووول” “الوطن” وغيرها الكثير وعن فئة القصة القصيرة” البحث عن السعادة” و”الضحية” ووافر على ذات النمط
اترك لكم اقتباس جميل
الغووول……….
سأخبركم بشيئ ولن يُخيفني أحداً بقدر ما يُرعبني فراق والدتي،
فعندما كنت صغيراً كان الغُول(العفريت) يُخيفني وكلما أَفّزَعتني به والدتي كي أكف عن إزعاجها، أهرب للإختباء في حضنها وألعن الغول علانية كنت مطمئنا بأنه لن يقدر على خطفي من بين ذراعيها الحنونتين آنذاك
..وحينما كَبرت إكتشفتُ أن ذلك الغول كان وهمياً وبأن الغول الحقيقي يظهرالآن دوما على شاشة التلفاز مُحاط بحاشيته أبتلع لساني ولا أسبه لأني صرت أعلم أن حضن أمي لن يَحميني منه وباستطاعته أخذي وأخذ أمي وأخوتي واصحابي وكل من يعترض طريقه!
..حينما كنت صغيراً كنت أسرق ماكينة حلاقة والدي كي ينبت لي الشارب بسرعة، كنت مستعجلاً أن اكبر تنتابني غيرة من الكبار أجدهم قادرين على فعل أشياء كانت محرمة علينا ونحن في ذاك السن المبكر وظننتُ أنها ممتعة!
..وحينما كبرت نبت لي شارب وودعت أيام الطفولة والشغب، واستوعبت أني كنت بليداً وقتها حين كنت اختبئ مقلداً والدي في حلق شاربه ،ولو فهمت اللعبة من الأول لكسرت الماكينة وخبأت أسناني الصغيرة كي لا تنبتُ أخرى مكانها!
.. حينما كنت صغيرا كنت معجباً بنفسي وكنت ابحث عن ضالتي المنشودة في حب فتاه ما ولكني فشلت مراراً وتكراراً فأدركت الآن اني كنت مخطيء
..وحينما كبرت استوعبتُ أن الحب مجردإشعار
لكن جاء هذا الاستيعاب متأخرا بعد أن لم أعد أجد من أحبه فحتى ابنة الجيران رحلت اختارت من يحبها ويتزوجها بلا خوف وبلا رهبة!
..حينما كنتُ صغيراً كانت فزّاعة الحقول تفزعني كما تفعل مع الطيور المشاكسة ،وما إن انتهي من اقتلاع بعضها حتى أهرب راكضا إلى المنزل ملتفتا خلفي أرى هل الفزّاعة تتبعني أم لازالت منتصبة تراقب السماء
..وحينما كبرت ما عادت الحقول تنبت السنابل، وما عاد للفزّاعة دور تقوم به، وماتت فِراخ الطيور في أعشاشها مُبكراً!
..حينما كنت صغير كانت القرية هي عالمي وتخيلت أن ما ورائها مجرد دخااان وظننت أن خلف شاشة التلفاز حياة أخرى يكفي أن تكسر زجاج الشاشة لتتشاطر تفاصيلها مع من فيها!
..وحينما كبرتُ لم أعد أشاهد التلفاز بنفس الدهشة التي كانت تنتابني زمان، وما عاد العالم ينحصر بين حدود القرية، وأدركت أن خلف التلفاز حياة وهمية وأشخاص يتأنقون كثيرا قبل الظهور فيها وفي حياتهم الطبيعية هم متسخون كثيرا!
ً..حينما كنت صغيراً تعلمت أن أكذب، وتحضرني أمي كل مرة أكذب فيها وتقول أن الكذّاب مصيره جهنم..ولما كبرت تأسفت أني لم أتعلم الكذب على الناس فهو الوحيد الذي كان قادرا على إيصالي للوزارات او للبرلمان وفي أسوأ الاحتمالات كان سيوصلني لرئاسة محليات كانت أمي تكذب عليّ حين أوهمتني بأني أن كذبت سأدخل النار
..حين كنت صغيراً كنت طيبا وحنون ولما كبرت تحولت لشرير

تقرير /ميريام حنون

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.