شبح القتيلة.. بقلم/ مصطفى حسن محمد سليم.

“الواقع هو ماتراه يحدث أمامك من احداث حقيقية، أما ماعدا ذلك فكل مايحدث دون وجود تفسير واضح له، يعتبر مجرد وهم”.
في مساء ذلك اليوم، مر الوقت بطيء جداً، مع تزايد الارتفاع في درجات الحرارة المستمر، في حين رن جرس الهاتف الخاص بي، وكان على الجانب الآخر صديقتي نرمين، التي لم أقابلها منذ ثلاث سنوات على الأقل، وكانت مفاجأة لي كيف حصلت على رقمي الجديد الذي قمت بشراءه أمس؟ حتى أنا لم أحفظ الرقم بعد! وانساب من خلال الهاتف صوت نرمين، والتي كانت تتحدث في سرعة وعصبية شديدة، لم أستطيع فهم منها أي جملة واضحة، ثم انقطع الاتصال فجأة، ونظرت في شاشة الهاتف للبحث عن رقمها، كي أعاود الاتصال بها مرة أخرى، ولكني لم أجد أي رقم ظاهر عليها، وأخذ النعاس يتملكني من شدة الإرهاق، من الساعات الكثيرة التي قضيتها في العمل اليوم، لقد ضاعت أوراق مهمة من درج مكتبي، مما جعلني أبحث عنها في جميع أنحاء المكتب بدقة بالغة، ثم وجدتها علي سطح المكتب ظاهرة مرة واحدة، كيف حدث ذلك؟ لاأعرف! لقد أرجعت ذلك إلي الأرهاق الذي مررت به في الأيام الماضية، وعدم أخذي قسط كافي من النوم، وهاهي مكالمة غريبة تحدث لي، ربما لم تحدث قط، فمن غير المعقول أتصال نرمين بي على رقم جديد غير معروف، حتي الآن لم أحفظ الرقم، وحتي لوحدث ذلك اين ذهب رقمها، كل هذه الأسئلة أخذت تجول في رأسي بسرعة شديدة، وانا اسقط فريسة بين انياب النوم، وبدأ الخدر يسري في جميع أنحاء جسدي دون مقاومة مني، وأنا بين مراحل النوم والأستيقاظ، شاهدت وجه نرمين وهي تقف امامي فجأة، تبحلق في وجهي بعيونها الواسعة، التي تقارب عيون الموتي، لم أستطيع تمييز أي شيء آخر غير ذلك من أحداث، فقد سقطت بين أنياب النوم دون مقاومة، وفي هذه الحالة تشعر وكأنك مخدر الأعصاب، لاتستطيع أي مقاومة، وليذهب وقتها العالم كله إلى الجحيم.. استيقظت من النوم مفزوعة، لقد كان كابوس مرعب بحق، لقد حلمت أني أقف على حافة جبل، ويد تدفعني إلى السقوط من فوق تلك الحافة، وعندما نظرت خلفي، وجدت صاحبة اليد نرمين، ياإلهي لقد كان ذلك الكابوس أشبه بالحقيقة، حتى أن دقات قلبي مازالت تتعالى في سرعة جنونية، بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي من ظهور نرمين المفاجئ في حياتي، وازدادت نبضات قلبي عندما تذكرت ذلك، وحبات العرق الغزير، بدأت تسيل على وجهي من احتمال ورد في عقلي سريعاً، حاولت طرده بسرعة، هل ممكن أن تكون نرمين قد تم قتلها؟! وأن مايظهر لي من آن لآخر شبح لنرمين، يحاول أيصال شيئا ما لي، ربما، وطردت ذلك الخاطر من عقلي، وأنا اذهب إلى الحمام لآخذ دش ساخن، ربما يجعلني أشعر ببعض الانتعاش، ومحاولة التفكير جيداً فيما يحدث لي من أحداث، وأثناء وجودي في الحمام، شعرت بحركة غريبة لشخص ما معي في الحمام، بدأت دقات قلبي تتسارع وانا أشاهد الماء المتساقط من الدش قد تلون بلون الدماء، وقد وجدت علامات لوقع أقدام مليئة بالدماء على الأرض، ثم وجدت شيء مكوم على الأرض لجسد فتاة تسيل منه الدماء في غزارة، وهو ينتفض في عنف، لم تستطيع أعصابي تحمل كل ذلك، وانا انزلق فجأة من مكاني، وقد أرتطم رأسي في الحائط بقوة سقطت في غيبوبة عميقة.. أستيقظت فجأة من الغيبوبة العميقة، التي سقطت فيها على صوت مجموعة من البشر يتجولون خارج الحمام الذي أنزلقت قدمي فيه، حاولت التماسك للوقوف والخروج من ذلك المكان، ونسيت كل مامر بي منذ قليل، لم أتذكر منه شيء غير ذلك الجسد القابع في آخر الحمام، والدماء مازالت تسيل منه في غزارة، أقتربت منه في خوف شديد، وأنا أحاول التعرف على ملامح القتيلة، وتلك الأصوات في الخارج تزداد في الأرتفاع الشديد، والأقتراب من مكاني، وأنفتح باب الحمام، وزاد الضوء بداخل المكان مرة واحدة، لقد كان جسد القتيلة يماثل نفس هيئة جسدي، يا إلهي، أنا صاحبة ذلك الجسد، تراجعت خطوة للخلف من شدة الرعب، عندما وقعت عيني على ذلك الوجه، وامتلأ الحمام برجال يرتدون زي الشرطة، وبدأ رجال آخرون معهم في الإنحناء على الجثة للمعاينة، يبدو من هيتئهم أنهم من رجال البحث الجنائي، الذين بدؤوا في جمع بعض المتعلقات التي وجدت بجوار القتيلة، وأخذ البصمات من المكان، حاولت لمس أحدهم، ولكن أخترقت يدي جسده، حاولت الصراخ بصوت عالي، ولكن لم يسمعني أحد، اذن من الواضح أنه أنا القتيلة، لا ،لا، أنا لاأصدق ذلك، انتهى رجال البحث الجنائي من رفع البصمات، ثم تم رفع الجثة، وبدأ الهدوء يسود المكان بالتدريج بعد خروجهم، والظلام التام ساد المكان بعد أن أطفئوا الأنوار، وخرجت إلى صالة الشقة، وبدأ صوت الهاتف يتعالى، وأقتربت منه بخطوات مرتجفة، وشاشة الهاتف تضيء من آن لآخر، مددت يدي المرتعشة نحو الهاتف، وبدأ صوت من الطرف الآخر ينساب بوضوح عبر الهاتف، لقد كان صوت نرمين، قذفت الهاتف من يدي في سرعة، وأنا أقترب من المرآة الكبيرة الموضوعة في صالة المكان، وعلى الضوء الشاحب الذي ينساب من نافذة الشقة، بدأت ملامح وجهي تظهر بوضوح لقد كان وجه نرمين.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.