“شجرة اليوسفي”
كتبت : منى شاكر
من بين تراكمات غريبة الشكل من المشاعر .. تظهر فجأة مع ثورة من الإنفعالات النسائية المتعارف على حدوثها من آن لآخر.. لا شئ في هذا الكون قادر على أن ينتشلنا نحن بنات حواء من كل هذا الإضطراب سوى شئ مميز كهذا المشهد:
كنت أقف كعادتي كل صباح.. وسط تلك الأصوات المتداخلة .. لا أسمع منها سوى صوت العصافير.. و أنا أنظر الى صف من أشجار اليوسفي .. اراقب أغصانها كل يوم.. و أتأمل كم من ورقه إزداد إخضرارها.. و كم من زهرة تلونت.. و كم من برعم أوشك أن يتفتح.. و كم من ثمرة يوسفي تكبر كل يوم أكثر فأكثر و تزداد بهاءا يوما بعد يوم.. لتصبح مع شبيهاتها كشموس مضيئة.. تخبر كل من يراها أن الربيع آتٍ لا محاله.. و أن الأيام ستزهر و ستتلون بلون الشمس الذهبي البهي و لو بعد حين .. فشجرة اليوسفي هذه كانت منذ شهر فقط جافه لا لون لها.. و هاهي الآن تداعب زرقه السماء بنضارتها و جمالها الأخاذ.. نعم لايزال في صف الاشجار شجرتين او ثلاثة لم تصبهم خضرة الربيع بعد.. و لكن يقيني ان داخلهم نضارة ريانة ستثبت وجودها يوما ما..
و في اللحظه التي رفعت فيها نظري عن خضرة الشجرة و اتجهت لزرقة السماء.. وجدته راكضا نحوي بسرعة البرق.. ظننته جاء مستغيثا بي من شئ.. فبحثت بنظري عن أمه.. لابد من انها موجوده في مكان ما .. ولكنه ربما لم يجدها.. لذلك توجه لي.. و إذا بي و أنا أفكر.. أجده يحتضنني بقوة و يخبرني انه سعيد بنجاحه و انه فخور بنفسه.. و انه لما رآني من بعيد.. قرر انه لابد أن يأتي إلي ليشاركني لحظة سعادته.. ضممته بشده الى قلبي.. و أخبرته انه بطلي الصغير.. رتبت له شعرة تطايرت فوق جبينه.. و عدلت له ياقة قميصه.. و طبعت قبلة على يده.. ثم تبسم كلانا للآخر في لحظة حب لم أشعر بمثلها من قبل.. ثم غادر..
و حينها فقط.. دمعت عيناي.. و تأكدت أن الربيع قد أقبل.. و أن إحدى تلك الأشجار الجافة قد أثبتت وجودها.. و بدأت تزهر.. و أنه لا تزال الحياة بخير طالما فيها ذلك القلب النقي اليوسفي الجمال.. قلب يوسف العاشق الصغير ذو الأعوام التي لاتتعدى أصابع اليدين..
شكرا لله.. على الربيع الأخضر .. على أشجار اليوسفي .. على بسمة أنجبت قلبا صغيرا ينبض بحب غير مشروط..