لقد جبلت النفوس علي حب من أحسن إليها وعلي التعلق بمن يشكر صنيعها ولا ينكر جميلها ولا أحد يستغني عن الشكر والثناء ابدأ قال الشاعر:
ولو كان يستغنى عن الشكر ماجد لعزة ملك او علو مكان لما أمر الله العباد بشكره وقال اشكروا لي أيها الثقلان
وشكر الناس والثناء عليهم من أوسع الأبواب للدخول الى قلوبهم حيث يؤدي إلي التآلف ويزرع الحب وما سمع الناس لحنا أعذب من نغمة شكر اوثناء وكانت عائشة رضي الله عنها تتمثل بقول الشاعر: يجزيك أو يثني عليك وإن مـن أثنى عليك بما فعلت كمن جزي
ومن أروع فنون العلاقات الإنسانية أن تُقَدِّم الشكر لمن أسدى إليك معروفًا، فالذي يساعد الناس يبذل جهدًا لذلك، وقد يفعل هذا الجهد في مرَّة، ويفتر عنه في مرَّات أخرى، وتقديم الشكر له يساعده على استمرار بذل الجهد في هذا المجال، وليس في انتظاره للشكر شيء؛ لأن الفطرة الإنسانية مجبولة على ذلك، وقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشكر الناس عندما يفعلون خيرًا لنا، فقد روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللهَ”. بل وعلَّمنا كيفية هذا الشكر وطريقته، فقد روى الترمذي عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا. فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ”. فلنحرص على شكر الناس، ولنحفظ هذا الدعاء النبوي الجميل: “جزاك الله خيراً وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: – (من أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له ) – (من أعطى شيئا فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن به، فإن أثنى به فقد شكره وإن كتمه فقد كفره، ومن تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوبي زور ) – (من أٌولي معروفا فليذكره، فمن ذكره فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره) – (من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء) – وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم ولقد كفونا المؤنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: ( أليس تثنون عليهم به، وتدعون لهم، قالوا بلى قال فذاك بذاك ) أي ما دمتم تدعون لهم بخير فإن دعاءكم يقوم بحسناتهم إليكم، قال أبو الفتح البستي:- علامَةُ شُكرِ المَرءِ إعلانُ حَمدِهِ فَمنْ كتَمَ المعروفَ مِنهُمْ فَما شَكَرْ
ومن القصص الرائعة في شكر الجميل والمكافئة علي المعروف أن سعيد بن العاص مر بدار رجل بالمدينة فاستسقى فسقوه، ثم مر بعد ذلك بالدار ومناد ينادي عليها فيمن يزيد قال لمولاه: سل لم تباع هذه؟ فرجع إليه فقال: على صاحبها دين، قال: ارجع إلى الدار فرجع فوجد صاحبها جالسا وغريمه معه، فقال: لم تبيع دارك ؟ قال: لهذا على أربعة آلاف دينار، فنزل وتحدث معهما وبعث غلامه فأتاه ببدرة فدفع إلى الغريم أربعة آلاف ودفع الباقي إلى صاحب الدار وركب ومضى.
وأقبل سعيد بن العاص يوما يمشي وحده من المسجد، فقام إليه رجل من قريش فمشى عن يمينه، فلما بلغا دار سعيد التفت إليه سعيد فقال: ما حاجتك؟ قال: لا حاجة لي، رأيتك تمشي وحدك فوصلتك، فقال سعيد: لغلامه ماذا لنا عندك؟ قال: ثلاثون ألفا، قال: ادفعها إليه. وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : الشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ . وَقَيل : مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْإِنْعَامَ فَاعْدُدْهُ مِنْ الْأَنْعَامِ . وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ قِيمَةُ كُلِّ نِعْمَةٍ شُكْرُهَا . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : كُفْرُ النِّعَمِ مِنْ أَمَارَاتِ الْبَطَرِ وَأَسْبَابِ الْغِيَرِ . وَقَالَ بَعْضُ الْفُصَحَاءِ : الْكَرِيمُ شَكُورٌ أَوْ مَشْكُورٌ ، وَاللَّئِيمُ كَفُورٌ أَوْ مَكْفُورٌ . وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : لَا زَوَالَ لِلنِّعْمَةِ مَعَ الشُّكْرِ ، وَلَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ الْكُفْرِ . وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ : شُكْرُ الْإِلَهِ بِطُولِ الثَّنَاءِ وَشُكْرُ الْوُلَاةِ بِصِدْقِ الْوَلَاءِ وَشُكْرُ النَّظِيرِ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ وَشُكْرُك الدُّونَ بِحُسْنِ الْعَطَاءِ ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في رد الجميل وشكر من أسدي إليه معروفا فما ذكر خديجة إلا وأثنى عليها ومدحها (والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء)رواه البخاري كما حفظ جميل الأنصار فدعا لهم وأثنى عليهم (لَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الأَنْصَارِ ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً أَوْ شِعْباً لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا ، الأَنْصَارُ شِعَارٌ , وَالنَّاسُ دِثَارٌ ) كما حفظ جميل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومدحه علي منبره الشريف (إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) كما حفظ الجميل للمطعم بن عدي وكان قد دخل النبي صلى الله عليه وسلم في جواره بعد رحلة الطائف فقال صلي الله عليه وسلم في أسري بدر (لوْ كَانَ المطعم بن عدي حياً، ثم كلمني في هؤلاء النتنى لَتركتهم له) ومن أبشع الأخلاق المرذولة بين الناس نكران الجميل الذي ينسف جسور التواصل ويهدم بنيان الود ويقتل شجر الحب في القلوب، واللئيم إذا وجد البديل أنكر الجميل و إذا أيس من خيرك مال إلي غيرك وقد رأيت أحدهم لما شبع بصق في الطبق الذي أكل منه ،ورايت أحدهم بال في البئر التي شرب منها ،ورأيت بعضهم لما عبر النهر احرق مركبه الذي عبر عليه،ورايت شخصاً زرع الشوك في طريق من استقبله بالورود والرياحين، ورأيت شخصاً كان اعمي فلما أبصر كسر عكازه الذي كان يتوكأ عليه ،رأيت صديقا عدوا ورأيت عدوا صديقا رأيت الكلب لعشرة لصاحبه قد صان ورأيت الصديق لخليله قد خان..ورأيت شخصاً غادرا نام تحت شجرة و استظل بظلها الوارف الظليل فلما فلما قضي حاجته من الظل قطعها. لله أشكو غادرا علمته رمي السهام فكنت أول من رمي وقد صدق صاحبنا ابو الطيب
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
كم من كلمة شكر أحيت حبا قد مات ووصلت عري المحبة بين الناس وأقامت جسور التواصل وحفظ الجميل جميل ولا يحفظ الجميل ويشكر علي القليل إلا كل ذو خلق جميل