شمال إجباري بقلم الكاتبة انتصار احمد

تم النشر بصحيفة اليوم الدولى عدد شهر مايو

شمال إجباري بقلم الكاتبة انتصار احمد 

شمال إجباري {لعنة الميراث القاتل}

في زوايا معتمة من عالمنا، حيث تتشابك خيوط الفقر والجريمة، يولد أطفال ليجدوا أنفسهم ورثةً قسراً لواقع مرير.

شمال إجباري، آخر يفرض نفسه عليهم، ليس كبوصلة جغرافية، بل كإرث ثقيل من الانحراف و الضياع.

تجار الموت

إنهم أولئك الذين تفتح أعينهم على أباء يتاجرون بـ الموت، أو يدمنون السموم، أو يسلكون دروباً مظلمة تقودهم حتماً إلى الهاوية.

هؤلاء الأطفال، الذين لم يملكوا رفاهية الإختيار، يجدون أنفسهم مدفوعين بقوة قاهرة نحو نفس المسارات المدمرة.

إنها لعنة الميراث القاتل، حيث يصبح الانحراف نمطاً مألوفاً، و الجريمة مهنة متوارثة، و الضياع قدراً محتوماً.

الطفولة البريئة تتلوث

ترى الطفولة البريئة تتلوث بدخان السجائر الذي يطلقه الأب في وجهه ابنائه، أو تتعثر بـ أكياس المخدرات المخبأة في زوايا المنزل، تسمع آذانهم كلمات سوقية وعنيفة، وتشاهد عيونهم مشاهد قاسية ومؤلمة.

كيف يمكن لبرعم صغير أن ينمو بشكل سليم في ظل هذا المناخ المليء بـ اليأس و الإنحلال؟

كيف يمكن لقلب نقي أن لا يتشوه بفظائع الواقع المحيط به؟❗

شمال إجباري

إن “الشمال الإجباري” هنا ليس مجرد تأثير سلبي، بل هو قيد حديدي يكبّل الأرواح و يمنعها من الانعتاق، يتربى هؤلاء الأطفال على فكرة أن هذا هو “الطبيعي”، أن هذه هي “الحياة”.

يصبح الانحراف جزءاً من هويتهم، والخروج عنه خروجاً عن “القبيلة” وعن كل ما يعرفونه، المأساة تتفاقم عندما يصبح هؤلاء الأبناء، بدورهم، آباءً يسيرون على نفس الخطى، ناقلين اللعنة إلى جيل جديد.

تستمر الدائرة المفرغة من الضياع و الانحدار، وتضيع معها فرص ثمينة لحياة كريمة و مستقبل أفضل.

لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ظاهره الشمال الإجباري الذي يلتهم أرواح الأبرياء.

علاج حالات الشمال الإجباري

باختصار، يتطلب علاج حالات “الشمال الإجباري” اتباع نهج شامل ومتكامل يركز على حماية الطفل، وتقديم العلاج النفسي المتخصص، ودعم إعادة التأهيل والتعليم. يجب أن نمد لهم يد العون ونوفر لهم بيئة بديلة تحتضنهم و توجههم نحو مستقبل أفضل.

كما يتعين تفعيل دور المجتمع، لأنه يمثل استثماراً طويل الأمد في مستقبل هؤلاء الأطفال و المجتمع بشكل عام.

ينبغي أيضًا إعطاء اهتمام خاص للوالدين و معالجة قضاياهم عند الإمكان، من خلال توفير علاج للإدمان و تقديم برامج توعية و دعم نفسي، سيساهم ذلك في كسر حلقة الانحراف و منح الأطفال فرصة لـ حياة أفضل و مستقبل مختلف.

يجب علينا أن نضع حداً لهذه السلسلة الموروثة من الانحراف، وأن نمنحهم فرصة حقيقية نحو حياة صحية وكريمة ومليئة بالأمل.

لذالك علينا جميعاً أن نتكاتف لمواجهة هذا “الشمال الإجباري” بكل طاقتنا، ونسعى لبناء مجتمعات أكثر عدلاً و رحمة، تتيح لكل طفل، بغض النظر عن ظروف ولادته، فرصة حقيقية للنمو و الازدهار بعيداً عن لعنة الميراث القاتل.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.