شهر رمضان في ذاكرة الشعر والشعراء.. بقلم عبده إمام

شهر رمضان في ذاكرة الشعر والشعراء

بقلم/ عبده إمام

لشهر رمضان الكريم بما يحمله مِن قيم دينيَّة ورُوحيَّة ومعانٍ إنسانية واجتماعية بالحدث الذي يمر على الشعراءُ والأدباء بدون أن يطلقوا أقلامهم ترحيبا واحتفالا بقدومه، لذا زخرت كُتُب الأدب، ودواوين الشِّعر، بالاحتفاء بهذا الشهر الكريم، ما بين ترحيبٍ وتوديع والتعمق في قيمة الصوم والمظاهر والعادات المتعلقة به، مع الاعتبار أنه مناسبة للتذكرة والتجدد الروحي وإحياء القيم الاجتماعية الإيجابية مثل الجُود، والبِرِّ، وصِّلة الرحم.
ولأن شهر رمضان له طابع خاص لدى الشعراء كنسيج خاص في المجتمع له حِسه ورؤاه، فإننا نجد الكثير قد عبر عن روحانية هذا الشهر الكريم بقصائد متفردة حفظتها كتب الأدب عبر التاريخ بداية منذ عصر صدر الإسلام، نستشرف فيها مدى الحبِّ والتقدير، الذي أَوْلاه الأُدَباءُ والشُّعَراء لهذا الشهر؛
حيث تذْكُر كتب التاريخ أنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -جَمَع المصلِّين لأوَّل مرة في صلاة التراويح خلف إمام واحد، في السنة الثانية من خلافته الراشدة، فقال أحد الشعراء:
جَاءَ الصِّيَامُ فَجَاءَ الخَيْرُ أَجْمَعُهُ          تَرْتِيلُ ذِكْرٍ وَتَحْمِيدٌ وَتَسْبِيحُ
فَالنَّفْسُ تَدْأَبُ فِي قَوْلٍ وَفِي عَمَلٍ  صَوْمُ النَّهَارِ وَبِالليْلِ التَّرَاوِيحُ
وتعددت صور الاحتفاء بالشهر الكريم خاصة في قدومه وما يبثه في النفوس من بشر وسعادة فتبارت أقلام الشعراء في الترحيب والاستقبال
فيقول الأديب مصطفى صادق الرافعي في استقبال الشهر الكريم:
فديتك زائراً في كل عام            تحيا بالسلامة والسلام
وتقبل كالغمام يفيض حيناً        ويبقى بعده أثر الغمام
وكم في الناس من كلف مشوق إليك وكم شجي مستهام
وفي قصيدته: “رمضان يا عرس الهداية”، يقول الشاعر “رفعت المرصفي” مرحِّبًا مبتهجا؛
رَمَضَانُ يَا عُرْسَ الهِدَايَةِ مَرْحَبًا    يَا نَبْعَ خَيْرٍ فِي الوُجُودِ تَدَفَّقَا
مَا أَنْتَ إِلاَّ رَحْمَةٌ عُلْوِيَّةٌ                خَصَّ الإِلَهُ بِهَا الوَرَى وَتَرَفَّقَا
ولم يقتصر الترحيب الشهر كمناجاة ذاتية للشاعر بل كانت القصائد بمثابة تهنئة عامة بين الشاعر ومجتمعه الذي لا ينفصل عن سعادته وبهجته؛
فيلوح لنا الشاعر العبَّاسي البحتريُّ يُهنِّئ الخليفةَ المتوكِّل بن المعتصِم بنِ هارون الرَّشيد: لصيام شهْر رمضان ولِحلول عيد الفِطر:
بِالبِرِّ صُمْتَ وَأَنْتَ أَفْضَلُ صَائِمٍ     وَبِسُنَّةِ اللَّهِ الرَّضِيَّةِ تُفْطِرُ
فَانْعَمْ بِعِيدِ الفِطْرِ عِيدًا إِنَّهُ           يَوْمٌ أَغَرُّ مِنَ الزَّمَانِ مُشَهَّرُ.
وإعلاء للقيم الأخلاقية السامية للشهر والمعنى المطلق والأعم للصوم بصيام الجوارح عن كلِّ السلوكيات السلبية، فتصوم العَين عن النَّظَر المحرَّم، ويصوم اللّسان عن الكذِب والغيبة والنَّميمة، وتصوم الأذُن عن الإصْغاء إلى ما نَهى الله عنه، وفي ذلك يقول أبو بكر عطية الأندلسي:
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السَّمْعِ مِنِّي تَصَامُمٌ      وَفِي مُقْلَتِي غَضٌّ، وَفِي مَنْطِقِي صَمْتُ
فَحَظِّي إِذًا مِنْ صَوْمِيَ الجُوعُ وَالظَّمَا    وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي صُمْتُ يَوْمًا فَمَا صُمْتُ
ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول:
يَا مُدِيمَ الصَّوْمِ فِي الشَّهْرِ الكَرِيمِ   صُمْ عَنِ الغِيبَةِ يَوْمًا وَالنَّمِيمِ
ويقول أيضًا:
وَصَلِّ صَلاةَ مَنْ يَرْجُو وَيَخْشَى     وَقَبْلَ الصَّوْمِ صُمْ عَنْ كُلِّ فَحْشَا
بما في ذلك الدعوة الى الاعتدال ونبذ الاسراف والتبذير الذي يسلكه بعض الصائمين
، كما صوره الشَّاعر العراقي معروف الرّصافي:
وَأَغْبَى العَالَمِينَ فَتًى أَكُولٌ   لِفِطْنَتِهِ بِبِطْنَتِهِ انْهِزَامُ
إِذَا رَمَضَانُ جَاءَهُمُ أَعَدُّوا    مَطَاعِمَ لَيْسَ يُدْرِكُهَا انْهِضَامُ
وَلَوْ أَنِّي اسْتَطَعْتُ صِيَامَ دَهْرِي  لَصُمْتُ فَكَانَ دَيْدَنِيَ الصِّيَامُ
وَلَكِنْ لا أَصُومُ صِيَامَ قَوْمٍ     تَكَاثَرَ فِي فُطُورِهِمُ الطَّعَامُ
ولم تغب ليلة القدر بفضلها وقيمتها عن مخيلة الشعراء
فيقول الشاعر العراقي بدر شاكر السياب بِمناسبة ليلة القدْر، منطلقا من قيمة دينية روحية إلى قيمة وطنية قومية عليا
يَا لَيْلَةً تَفْضُلُ الأَعْوَامَ وَالحِقَبَا     هَيَّجْتِ لِلقَلْبِ ذِكْرَى فَاغْتَدَى لَهَبَا
يَا لَيْلَةَ القَدْرِ يَا ظِلاًّ نَلُوذُ بِهِ         إِنْ مَسَّنَا جَاحِمُ الرَّمْضَاءِ مُلْتَهِبَا
ذِكْرَاكِ فِي كُلِّ عَامٍ صَيْحَةٌ عَبَرَتْ  مِنْ عَالَمِ الغَيْبِ تَدْعُو الفِتْيَةَ العُرُبَا
يَا لَيْلَةَ القَدْرِ يَا نُورًا أَضَاءَ لَنَا      قَاعَ السَّمَاءِ فَأَبْصَرْنَا مَدًى عَجَبَا
تَنَزَّلُ الرُّوحُ رَفَّافًا بِأَجْنِحَةٍ         بِيضٍ عَلَى الكَوْنِ أَرْخَاهُنَّ أَوْ سَحَبَا
وَلِلمَلائِكِ تَسْبِيحٌ وَزَغْرَدَةٌ             تَكَادُ رَنَّاتُهَا أَنْ تُذْهِلَ الشُّهُبَا
ختاما نسأل الله أن يبلغنا رمضان، أن يُعيننا على صيامه وقيامه، وأن نستحضر فيه الأمة العربية والإسلامية شموخها وسموقها بين الشعوب والأمم.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.