المايسترو صالح سليم: بين رياضة الأبطال وفن الأساطير
كتب باهر رجب
مقدمة: رمز يتجاوز الزمن
صالح سليم (1930–2002) ليس مجرد لاعب كرة قدم أو ممثل عابر، بل هو ظاهرة استثنائية جمعت بين الموهبة الرياضية والحضور الفني، ليكون أحد أبرز الرموز التي تركت بصمة لا تمحى في تاريخ مصر. عرف بـ”المايسترو” لقدرته على قيادة الملعب بذكاء تكتيكي نادر، كما حمل في السينما خطابا أصبح الأكثر شهرة في تاريخها.
النشأة والمسار الرياضي: من شوارع الدقي إلى أسطورة الأهلي
ولد صالح سليم في حي الدقي بالجيزة عام 1930، في أسرة علمية حيث كان والده طبيب تخدير مرموق. برزت موهبته الكروية مبكرا، حيث لعب في شوارع الحي قبل أن يكتشفه حسين كامل، أحد لاعبي النادي الأهلي، لينتقل إلى صفوف الناشئين عام 1944.
قائد الأهلي وأمم أفريقيا:
قاد الفريق الأول للأهلي لـ19 موسما، وحقق 11 بطولة دوري و 8 كؤوس مصرية، كما شارك في تتويج منتخب مصر بكأس الأمم الأفريقية عام 1959.
ارقام قياسية:
سجل 7 أهداف في مباراة واحدة، وحقق 9 بطولات متتالية، مما جعله النجم الأكثر شعبية في عصره.
التحول إلى السينما: ثلاثية لا تنسى
رغم نجاحه الكروي، انتقل صالح سليم إلى السينما بدافع التجربة، فشارك في ثلاثة أفلام فقط، لكنها أصبحت من أيقونات السينما المصرية:
1. السبع بنات (1961):
ظهر كضيف شرف بدور “نبيل” لاعب الشيش، وكتب على ملصق الفيلم: “لاعب الكرة صالح سليم” لجذب الجمهور.
2. الشموع السوداء (1962):
جسد شخصية كفيف يعاني من آلام الحب، وتدرب لمدة 3 أشهر على يد المخرج عز الدين ذو الفقار لإتقان الدور.
3. الباب المفتوح (1963):
أمام فاتن حمامة، قدم خطاب الحب الأشهر:
“أحبك وأريد منك أن تحبيني، ولكن لا أريد منك أن تفني كيانك في كياني” .
مقال لويس جريس: الضربة التي أنهت المشوار الفني
بعد نجاح فيلم “الباب المفتوح”، هاجم الكاتب الصحفي لويس جريس أداء صالح سليم في مقال قاسٍ وصفه بـ”الممثل الفاشل”، وذكر أن جمهوره همسوا بأنه لا يصلح للسينما. هذا المقال كان الضربة القاضية التي جعلت صالح سليم يعتزل الفن للأبد، رغم إشادة فنانيين مثل أمينة رزق ونجاة بأدائه.
العودة إلى الرياضة: من اللعب إلى الإدارة
بعد اعتزاله الفن، تفرغ صالح سليم لرياضته الأولى، حيث أصبح رئيسا للنادي الأهلي، وقاد عملية تطويره ليصبح “نادي القرن الأفريقي” عام 2001. عرف بمواقفه الثابتة، مثل تحديه للرئيس حسني مبارك حين رفض الجلوس بعيدا عن الصفوف الأمامية في ملعب نهائي كأس الأندية العربية.
الشخصية والحياة الشخصية: البساطة والوفاء
عاش صالح سليم حياة بسيطة رغم شهرته، حيث سكن في غرفة واحدة بحي الزمالك، ورفض الإسراف مؤمنا بأن “الإنسان لا يحتاج إلى بيت كبير”. اشتهر بوفائه لكلمته، وكان يقول:
“لا يوجد سبب يجعل رجلا حقيقيا يخلف وعده… إلا الموت” .
المرض والرحيل: أسطورة تبقى
في عام 1998، اكتشف إصابته بسرطان الكبد، وتدهورت صحته حتى رحل في 6 مايو 2002 في لندن. شيعت جنازته بآلاف المحبين، ليترك إرثا من الإنجازات والقيم النبيلة.
صالح سليم: القيمة التي لا تقدر بثمن
لم تكن قصة صالح سليم مجرد قصة نجاح رياضية، بل كانت قصة رجلٍ ترك خلفه إرثا من المبادئ والقيم. كان شخصا لا يتحدث كثيرا، لكن أفعاله كانت دائما أعلى صوتا. كان نموذجا للرجل الذي يجمع بين البساطة والرقي، وبين القوة والحكمة.
لقد فارق صالح سليم الحياة في عام 2002، لكن ذكراه ما تزال حاضرة في قلوب محبي النادي الأهلي والرياضة المصرية. سيظل اسمه محفورا كـ”مايسترو” النادي الأهلي، ليس فقط لأنه قاد الفريق للفوز بالألقاب، بل لأنه غرس فيه روحا لن تمحى. روحه التي جعلت الأهلي ليس مجرد نادى رياضي، بل كيانا و قيمة خالدة.
خاتمة: إرث لا ينتهي
صالح سليم لم يكن مجرد لاعب أو ممثل، بل كان مدرسة في الوفاء والانتماء. جمع بين الرياضة والفن ببراعة، حيث أن الشغف الحقيقي يمكن أن يخلق أساطير خالدة. ما يزال يتردد في قلوب المصريين، كرمز للرجولة والتفوق.
“المايسترو الذي علمنا أن الكلمة وعد، والوفاء حياة لا يطفئها الموت” .