صباح يصيبها الإعياء أثناء تصوير “المتمردة” بسبب الصيام من دون سحور
صباح يصيبها الإعياء أثناء تصوير “المتمردة” بسبب الصيام من دون سحور
حدث في نهار رمضان: صباح تفشل في تصوير مشهدها وهويدا ابنتها تتسبب في تعطيل الكاميرات وفي السابع من شهر فبراير 1963، المصادف لشهر رمضان المبارك، كانت الفنانة صباح تواصل تصوير فيلمها الجديد المتمردة في استوديو مصر بالهرم، والذي شاركها البطولة فيه الفنانون: أحمد مظهر، فؤاد المهندس، سمير صبري، محمود مرسي، الفنانة سميحة أيوب، والوجه الجديد نادية التقرشي.
كتبت / غادة العليمي
كان التصوير في ذلك اليوم يتم بصعوبة شديدة، حيث سيطر التعب والعصبية على معظم النجوم وطاقم العمل، نظرًا لأن الجميع كانوا صائمين ومرهقين. بدأت الاستعدادات لتصوير المشهد الحادي عشر من الفيلم، وأُغلق باب البلاتوه وأُضيء النور الأحمر.
مشهد لم يكتمل
بقرب الكاميرا، وقفت بطلة الفيلم صباح، وإلى جانبها بطل الفيلم أحمد مظهر. دارت الكاميرا، وانتظر الجميع بدء المشهد، وفجأة أشارت صباح بيدها طالبةً إيقاف التصوير. هرع المخرج محمود ذو الفقار ليسألها عما حدث، فابتسمت صباح قائلة:
“آسفة، لقد نسيت الدور!”
توجّهت الشحرورة إلى مساعد المخرج وبدأت في حفظ الجملة المطلوبة. ثم عادت الكاميرا للدوران، لكنها تعثرت مرة أخرى، وفشل التصوير مجددًا. صاح المخرج محمود ذو الفقار: “ستوب!”
تكرر الأمر أربع مرات، وفي كل مرة كانت صباح تتعثر أو تنسى، مما جعل المخرج يكاد يفقد صوابه، فهذه ليست صباح التي يعرفها جيدًا، فقد عمل معها في أكثر من فيلم، وكان يصور معها في نفس الوقت فيلمًا آخر هو الأيدي الناعمة.
صباح وصيام من دون سحور
جلست الشحرورة متعبة على كرسي، واقترب منها المخرج وسألها: “إيه الحكاية يا مدام صباح؟”
فأجابته صباح: “أعمل إيه يا محمود، أنا صايمة، وصايمة كمان من غير سحور!”
فسألها محمود ذو الفقار: “ليه كده وانتِ عارفة إن عندك تصوير؟”
فقالت له: “أعمل إيه؟ أحمد (فرّاج) اتسحّر لوحده وسابني نايمة! قال إيه صعبت عليه وما حبش يصحيني!”
رفع محمود ذو الفقار يديه قائلًا مازحًا: “منّك لله يا أحمد يا فرّاج!”
ثم جثا المخرج أمام صباح ورفع يديه مستحلفًا إياها بمزاح:
“افطري يا ستّي علشان خاطري.. يا ست الكل، افطري.. وسيغفر الله لكِ، فالعمل عبادة تمامًا مثل الصوم!”
ضحكت صباح ونهضت عن كرسيها قائلة: “اطمئن يا أستاذ، هأصور المشهد من غير ما أعمل بوصيتك!”
عادت الكاميرا للدوران، وأدّت صباح المشهد على أكمل وجه هذه المرة، ليكتمل تصويره بنجاح.
يوم عصيب جدًا
بعد انتهاء المشهد، جلست صباح على مقعدها بإعياء، وأسرع المخرج لتهنئتها، لكنه تفاجأ بدماء تنزف من يدها. هرع أحمد مظهر لمساعدتها، ليكتشف أن سبب الجرح كان مسمارًا كبيرًا مثبتًا خلف مقاعد الصالون التي كانت تقف بجانبها، مما تسبب في إصابة بالغة لها.
هويدا الشقية
لم ينتهِ هذا اليوم العصيب بعد!
فبعد استراحة قصيرة، بدأ الاستعداد لتصوير المشهد التالي، لكن فجأة توقفت الكاميرات عن العمل. هرع مهندس الكهرباء والتقنيون للكشف عن السبب، ليكتشفوا أن الأسلاك الكهربائية التي تربط الكاميرات بمصادر الكهرباء قد نُزعت!
لم يكن الفاعل سوى هويدا، ابنة صباح، التي كانت ترافق والدتها في الاستوديو، وراحت تتسلى خلال فترة الاستراحة بنزع أسلاك الكاميرات.
نظر مهندس الكهرباء إلى هويدا بغيظ، فضحكت الصبوحة، ثم أخذت تؤنّب ابنتها. لكن الفنان فؤاد المهندس تدخل لترطيب الأجواء، وألقى بعض نكاته الطريفة، فضحك الجميع، ما عدا المخرج الذي صاح غاضبًا:
“اسمعوا.. الضحك ممنوع في الاستوديو في رمضان!”
سكت الجميع عن الضحك، ليعاجلهم فؤاد المهندس بقوله مازحًا:
“إيه الحكاية؟ هو أنتم صايمين عن الضحك كمان ولا إيه؟”
فانفجر الجميع ضحكًا من جديد، وانتهى التوتر في هذا اليوم العصيب من التصوير في الشهر الكريم.
صور نادرة من كواليس الفيلم
في الصور النادرة التي لم تُنشر من قبل، والتي تم التقاطها من الكواليس في ذلك اليوم، يبدو التعب واضحًا على وجه الصبوحة وفي عينيها، فيما تحاول هويدا استرضاء والدتها بقبلة بعد أن أنبتها على سحب أسلاك الكاميرات. وفي صورة أخرى، يظهر الفنان فؤاد المهندس وهو يراقب الموقف قبل أن ينهيه بطريقته المعتادة، بإلقاء نكاته الطريفة.
نبذة عن الفنانة صباح
اسمها الحقيقي جانيت جرجس فغالي، وهي مغنية وممثلة لبنانية اشتهرت فنيًا باسم صباح. تُعدّ إحدى أيقونات الفن العربي، وواحدة من رموز لبنان إلى جانب فيروز ووديع الصافي. امتدت مسيرتها الفنية من منتصف الأربعينيات حتى أوائل الألفية، وتركت خلفها إرثًا فنيًا هائلًا في التلفزيون، السينما، والمسرح.
شاركت في السينما المصرية ولها عدد كبير من الأفلام التي تُعدّ من كلاسيكيات الشاشة العربية، بالإضافة إلى عدد ضخم من الأغاني. تُعدّ صباح من أهم رموز الفن العربي، وواحدة من عمالقة لبنان، كما دخلت موسوعة غينيس كصاحبة أكبر إرث فني في التاريخ.
قدّمت 83 فيلمًا بين مصري ولبناني، و27 مسرحية لبنانية، وأكثر من 3000 أغنية باللهجتين المصرية واللبنانية. تُعدّ ثاني فنانة عربية بعد أم كلثوم تغني على مسرح الأولمبيا في باريس مع فرقة روميو لحود الاستعراضية، وذلك في منتصف السبعينيات، كما وقفت على مسارح عالمية أخرى مثل أرناغري في نيويورك، دار الأوبرا في سيدني، قصر الفنون في بلجيكا، قاعة ألبرت هول في لندن، ومسارح لاس فيغاس وغيرها.