صرخة ميت

FB_IMG_1600870376378

صرخة ميت

كتب د / حسام الشرقاوى

نحن نسعى دائما وأبدا وبكل قوة أن نبتعد عن ما يؤلمنا أو يؤذينا أو يؤذى أنفسنا أويسبب لنا الضيق ويصل بنا لدرجة الإحباط والتى بدورها تصل بنا لمرحلة اليأس ( الذى هو بوابة الكفر والعياذ بالله ) أعاذنا الله وإياكم من الضيق وكل شئ يعكر علينا صفو حياتنا أو يهدد أمننا الداخلى والسلام النفسى .
فنحن نشعر فى بعض الأحيان بأننا فى خضام معركة كبيرة جدا وجدنا أنفسنا فيها فجأة وبدون أى مقدمات . معركة ليست معركتنا وأطرافها غرباء عنا منهم من نعرفهم ومنهم لم نعرفهم من قبل .
ولزاما علينا المواجهة والتصدى للضربات المتتالية والتى من كثرتها أضعفتنا وأنهكتنا وكادت أن تعصف بنا وتهلكنا لولا رحمة الله تبارك وتعالى بنا والذى يرسل جنوده فى هيئة رحمات لتعطينا القوة وتمدنا بقوة الإيمان لكى نتصدى ونرد هذه الضربات لتخفف عنا الصدمات .
وهكذا تدور المعركة سيجال بين جميع الأطراف فترة من الزمن حتى يأذن الله العلى القدير بالنصر لمن صمد وكافح واستمد قوته من الإيمان بالله .
فهذه المعركة التى نجد أنفسنا فيها بدون سابق إنذار هى معركتك أنت . نعم هى معركتك أنت ودون أن تدرى تجد نفسك فيها .
كيف ذلك ؟ . وكيف أجد نفسى فى معركة ليست معركتى ؟
أقول لك عزيزى القارئ كيف يكون ذلك الأمر وأنت لا تدرى ؟.
أغلبنا يعيش حياته فى الروتين اليومى المعتاد دون التجديد أو حتى محاولة التجديد
يمارس أنشطته اليومية كأنها واجب مدرسى مفروض عليه تأديته حتى ينتهى منه
يفعل نفس الأمور المقررة عليه بلا كلل أو ملل وليس فى نيته التجديد أو حتى مجرد المحاولة
يشغل رأسه دوما بأن يقوم بتنفيذ ما يطلب منه بقدر الإمكان بصورة يرضى عنها الأخرون
ولا يبحث عن إرضاء نفسه على الإطلاق الأهم أن يرضى من حوله فقط من دونه هو
ونسى أن يرضى ربه الذى خلقه والذى يدبر له كل أموره ويسير حياته بالنحو الذى يرضيه
ولكن فى خضام هذه المعارك اليومية بين النفس وإرضاء الأخرين وبين ذاته وما يريده ننسى
أن نراعى الخالق فى أفعالنا وأعمالنا وأقوالنا وأن نسعى لكسب رضائه وأن ننال رحمته .
فنجد انفسنا فى مفترق طرق ولا ندرى هل نسير فى هذا الطريق والذى لا نعلم ما فيه وما هى نهايته . أو نسير فى الطريق الأخر . أم نعود من حيث بدأنا . أم ماذا نفعل فقد ضاقت بنا الدنيا بما رحبت . وسددت كل الطرق أمامنا وغلقت كل أبواب الأمل . ونفدت طاقتنا وإستنفذنا كل الفرص التى أتت إلينا لنغير من أنفسنا . وضاعت هباءا كل محاولاتنا لإرضاء من حولنا والذين تنكروا لنا ونحن فى أصعب حالاتنا الجسدية والنفسية .
وفى هذه اللحظة تصرخ النفس صرخة قوية من الأعماق هزتنى وإرتعدت لها أوصالى وإهتزت جوارحى وتسمرت مكانى من شدة هذه الصرخة لتقول لى نفسى
((( هل أنت راضى للحالة التى أنت عليها والدرجة التى أوصلتنى لها من الضعف والذل والإنكسار والمهانة – هل أنت مستمتع بتضحياتك لإسعادهم على حسابى أنا – هل أنت سعيد لهذه الحالة الذى لم يعترفوا بما فعلته لهم – أنا فعلا كنت أعاندك فى بعض الأمور وأنت كذلك – كنت أغضب منك كثيرا وأنت تهملنى وتتلاشى الحديث معى – كنت فى قمة الزعل منك وأنت تضحى بوقتك ومالك وسعادتك لهم وتنسانى )))
أنا نفسك التى لم ولن تتركك أبدا . فكنت أريد منك أن تتحدث معى حتى ولو قليلا حديثا صادقا ومرحا . كنت أريدك أن تشاركنى أفراحى وأحزانى وتلعب معى ونخرج معا نشم الهواء النقى ونجرى فى الحدائق كما كنا نفعل سابقا . نجرى ونلعب مع الأطفال ونستمتع معهم وكأننا مازلنا أطفالا لنخرج ما بنا من هموم وأوجاع حتى وإن كان ذلك مؤقتا . نجلس أمام البحر ونتابع أمواجه ونشتم رائحته العطرة واليوووود الجميل الذى كان يخرجنى من حالة الحزن والسلبية إلى حالة من الفرح وتجديد الطاقة ونعود معا فى شكل جديد وطاقة متجددة .
ولكنك للأسف أهملتنى وتركتنى وحيدة وأنت لست معى ولا تهتم بى وأنت الأن تندم على ما مضى من عمرك ولم تنجز أى شئ إيجابى فى حياتك ولم تفعل أى شئ يفيدك ويفيدنى طوال عمرك وكنت تعتقد بأنك تحرث فى أرض خصبة وسوف تحصد محصول كبير جدا ووفير
ولكنك وجدت نفسك فى نهاية الأمر تحرث فى البحر .
وهنا إستفقت فجأة من شدة وهول وقسوة هذا الكلام الذى قطع أوصالى وأثار وجدانى وأتى بضربة قوية فى رأسى وأصاب القلب بسهم الإحباط وفى خضام ما أنا فيه أصرخ صرخة قوية جدا صرخة غير كل الصرخات التى نعرفها وإعتدنا عليها .
إنها ((( صرخة الميت ))) الذى عاد للحياة مرة أخرى وإسترد وعيه وتركيزه من جديد من داخل أعماقه والذى إرتعد لها جسدى وكل مافيه خوفا ورعبا من شدتها وقلت لااااااااااااااااااااااااااااا أنتى بالفعل نفسى وأنا أهملتك كثيرا
ولكن كل ما فعلته عند الله وفى خزائن أعمالى ولم ولن يضيع أجره
وأعلم أنى سوف أحاسب على ظلمى لكى . لأنى علمت من حبيبى محمد صلى الله عليه وسلم إن أشد أنواع الظلم هو ظلم الإنسان لنفسه ولكنى أطمع فى رحمة الله تعالى فهو الغفور . الرؤوف الرحيم
ومنذ هذه اللحظة أعدك ومن كل قلبى أن أهتم بكى جيدا وكذلك من حولى ووعد منى لن أهملك مرة أخرى وسوف أكون فى حالة توازن بينك وبينهم بقدر المستطاع .
رجاااااااااااااااااااء لا تهملوا أنفسكم ولا تتركوها تأخذكم لعالمها
مع أطيب الدعاء لكم بالصحة والعافية

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.