سنكبر و ندرك أن السلام و الحب اللذان تحدثت عنهما كتب القراءة في الإبتدائي قصة جميلة تكبر في داخلنا لا في الحقيقة.”
علمتنا المدارس أن الحروب هي عدوة السلام الأولى، و أنه ليس أشد بؤسا من مشردي و يتامى الحرب، تلك البراءة التي أغتصبت وردية أحلامها دون وجه حق، لا فكرة لديهم عن الأمان فحتى سقف البيت المحتمين فيه ليس بذلك القدر من الصلابة أمام قذائف دبابة.
لكن لم تعلمنا قط أننا نحيا في معركة للحفاظ على أنفسنا في هذا العالم الذي كل معالمه تدفع بنا نحو الإنطفاء.
نكبر و تتغير الكثير من المفاهيم التي رسمتها براءة عقولنا، لنواجه واقعا يتنافى تماما مع العالم الجميل الذي بقي مجرد صورة من خيال الطفولة .
حين تراودنا الحاجة إلى شخص يمسك أيدينا، و يأنس وحدتنا، سنبحث في قائمة أرقام الهاتف عن صديق يجاذبنا أطراف الحديث، لن نجد لحظتها أي شخص ضمن تلك القوائم الطويلة التي تشغل مساحة الهاتف هباء ، هناك ندرك مدى زيف علاقاتنا التي لا أساس لها من الصحة، سنتذكر قيم الصداقة في كتاب القراءة و نقنتع أخيرا أنها كانت مجرد نص يساعدنا على تعلم التعبير لا أكثر ، نحن من أسرفنا و رسمنا صورا جملية لأشخاص لم و لن تتماشى مع حقيقتهم يوما.
المزيد من المشاركات
ثم سننزوي فرادى في زاوية مظلمة نمارس الحداد مع أرواحنا المضمحلة، نفرغ أوجاعنا لنفسح المجال لشحن أنفسنا مجددا كبطارية هاتف حتى نكمل المسير، كان ينبغي أن نعيش لحظة الألم بكل معانيها حتى نتخلص منها، فالكبت في النفس كسيجارة النيكوتين التي تحرق نفسها لتحرقك في الأخير.
حين نسعى جاهدين لوصول أحلامنا، و تصر مجموعة حمقى على سحبنا للأسفل، لا لشيء سوى أن الوصول سيجعلنا مميزين عنهم و هذا مضر لعقولهم الجوفاء و أفئدتهم العليلة ، فنتذكر اليوم الذي علمتنا فيه المعلمة أن نحب لأخوتنا ما نحبه لأنفسنا، ها نحن ذا نكتشف العكس، لا قريب لقريب ولا حبيب لحبيب.
هنا تصبح الوحدة جميلة كعروس مشرقة تزف إلى حبيبها بعد طول إنتظار.
ثم نفقد سلام أرواحنا جراء خيبات أحبتنا، صداقاتنا، و أقاربنا ، فيبدو لنا هذا العالم المزدحم أجوفا، فنبتئس ،و ندرك أن الحروب ليست وحدها من تغتصب السلام ليس شرط أن تقصف الصواريخ و يدوي صوت الرشاش… أولئك الذين استنزفوا مشاعرنا و ادركوا نقاط ضعفنا فدعسوا عليها، الذين يدعون حبنا و يأكلون لحومنا نيئة بظهر الغيب، المبتسمين بخبث شاخصين بأبصارهم نحو لحظة إرتطامنا بالأرض ، هؤلاء أيضا أعداء السلام .
أخيرا ستبدو لنا في لحظة شهاداتنا التي حصلناها على طول مسيرة التعليم بسيطة، كان ينبغي على أن نتحصل على شهادة في أسفلها ختم من الحياة.
الحياة هي المدرسة الحقة التي تصنع منا رجالا و نساء من فولاذ، تجعلنا نتعلم بحكم التجربة و توضح نظرتنا حول طبيعة البشر، تحدد أهدافنا، تعلمنا الصلابة للحفاظ على أنفسنا… تعلمنا حب ذواتنا أولا و الإكتفاء بها.
سميرة قويدري
المقال السابق
قد يعجبك ايضآ