ظاهرة التنمر..قنبلة مجتمعية موقوتة بقلم الدكتورة دليلة مختار
ظاهرة التنمر..قنبلة مجتمعية موقوتة بقلم الدكتورة دليلة مختار
ظاهرة التنمر….قنبلة مجتمعية موقوتة بقلم الدكتورة دليلة مختار
ظاهرة التنمر.. منذ بداية القرن الواحد والعشرين إرتفعت معدلات الإنتحار لدى الأشخاص من مختلف الفئات والأعمار في العالم.
وذلك لأسباب نفسية مختلفة،أبرزها شيوعا “ظاهرة التنمر” لما يتركه لدى المتنمر عليه من ندوب عاطفية عميقة تؤثر عليه سلبا في حينها أو على المدى البعيد، حيث أصبحت تلك الظاهرة في كل الطبقات الإجتماعية وفي كل الأماكن التي يتواجد فيها الإنسان أو يتردد عليها مثل المنزل و المدرسة و الشارع و مكان العمل.
أقرأ المزيد:ترتقي المجتمعات برقي فنونها.. الفن وتحضر الشعوب
و يقصد بالتنمر Bullying أنه أحد أشكال الإيذاء المتعمد بغرض الإيذاء النفسي و هو سلوك عدواني على فرد أو مجموعة من الأشخاص غالبا تكون غير قادرة على الدفاع عن نفسها ومواجهة أشخاص سيئين يستغلون سلطتهم أو قوتهم على الأضعف منهم. كما يعني التنمر أيضا “المقاهرة” التي تظهر في شكلي المعايرة او مقارنة الشخص بغيره .
أشكال و أهم أنواع التنمر
يظهر التنمر في شكليه المباشر و غير المباشر.
فالتنمر المباشر: هو ما يصيب الضحية بشكل مباشر لفظيا، مثل الإساءة اللفظية كالشتائم و الإهانة و المعايرة، و جسديا ويمثل الضرب بكل أشكاله.
وتظهر أنواع التنمر في هذا الشكل في:
التنمر اللفظي وهو ما يقع لفظيا للمضايقة دون مراعاة الغير.
التنمر الجسدي يتمثل في كل إيذاء يقع على الجسد كالضرب و الركل و شد الشعر.
التنمر النفسي و الذي يمارس مثلا في شكل نظرات وهمسات من أجل إيذاء الشخص.
التنمر المدرسي وهو تلك الأفعال المؤذية التي يمارسها تلميذ و أكثر لإلحاق أضرار بتلميذ آخر كالشتائم و التهديد بما هو مخيف ومرعب و الإغاظة وغيرها.
التنمر في أماكن العمل وهو الذي يحدث بين زملاء العمل و الرؤساء والمرؤوسين و الذي يؤثر بشكل كبير على إنتاجية العمل بسبب الحالة النفسية والمزاجية التي يصل إليها المتنمر عليه.
التنمر الأسري وهو ذلك الذي يحدث من قبل الأم أو الأب على الأبناء، أو الزوج على زوجته وهو ما يؤثر على جودة الحياة الأسرية برمتها.
أما التنمر غير المباشر فهو التنمر الذي لا يقع بشكل مباشر بحيث لاينتبه إليه الآخرون وإنما يصيب بالأذى .
و من أمثلة هذا الشكل:
التنمر الإلكتروني وهو ذلك التنمر الذي يستخدم المعلومات ووسائل التواصل الإجتماعي من أجل تنفيذ تصرفات هجومية وعدوانية لإيذاء آخرين والتقليل من شأنهم أمام العامة.
التنمر في العلاقات الشخصية والعاطفية وهو التنمر الذي يسعى إلى نشر الشائعات والأكاذيب بهدف تشويه سمعة الأشخاص وفضحهم علنا.
المزيد: محمد أكسم يكتب:حيرة المرء والتفرقة بين الحب والإعجاب
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن أنواع التنمر لا تتوقف عن تلك التي ذكرناها ، وإنما تمتد إلى كل الأشكال و الممارسات التي تسبب الأذى للغير. فلو تعمقنا في المعنى نجد أن ما تتعرض له غزة منذ أكثر من عام و لبنان مؤخرا، من إسرائيل الغاشمة يعد تنمر سياسي مباشر تستخدم فيه الأخيرة قوتها ضد شعوب وحكومات أضعف منها إقتصاديا وعسكريا، من خلال القتل والترهيب والتعذيب واستخدام الأسلحة.
أسباب التنمر:
وفقا للدراسات النفسية التي قام بها العلماء حديثا لتفسير وتحليل الأسباب التي تؤدي إلى التنمر يتمثل بعضها في التفكك الأسري الذي يعيق أحيانا التربية السليمة للطفل ومتابعة وتقييم سلوكه من قبل الأم والأب ، إتساع الفجوة بين طبقات المجتمع من الناحية المادية والإجتماعية مما يولد كرها وغيظا لدى بعض الأشخاص ينفجر في التنمر و الإيذاء النفسي للغير.
الإصابة بالإكتئاب النفسي وبعض الأمراض النفسية، عدم تقدير الذات و الثقة بالنفس، إنتشار الألعاب الإلكترونية والرسوم المتحركة التي تحرض بشكل جلي على العنف و الذي يزرع في عقولهم يقينا أن العنف هو الدليل على القوة التي تؤدي إلى السيطرة و التحكم في الآخرين.
آثار التنمر لاتعد ولاتحصى……
نذكر منها الحالة المزاجية السيئة التي يصل إليها الشخص المتنمر عليه ، إصابته بالإكتئاب، الإنتحار، لجوئه إلى تعاطي المخدرات أو شرب الكحول، إهماله لنفسه وأسرته وعمله، الطلاق، رغبته الدائمة في الإنعزال و الإبتعاد عن المجتمع وعدم التعامل مع الآخرين. كلها آثار مدمرة تؤدي إلى إيذاءات نفسية وبدنية يصعب مداواتها مع مرور الوقت.
لذلك وجب علينا جميعا التصدي لتلك الظاهرة استعدادا لحدوثها أو التعامل معها بدءا من التربية السليمة للأطفال وزرع الثقة في أنفسهم بالتعامل السوي وعدم استخدام التهديد والضرب والمقارنة والمعايرة في تربيتهم، مرورا بالمدارس و الجامعات ودور العبادة و مؤسسات المجتمع المدني الذين يلعبون دورا في غاية الأهمية للتثقيف عن التتنمر و التدريب على طرق علاجه لوقفه في المجتمعات أو الحد من انتشاره.
بالإضافة إلى التوعية بمخاطره على المتنمر عليه، و ما قد يتعرض إليه المتنمر من عقوبات قانونية والتي تصل وفقا لبعض القوانين إلى عقوبات سالبة للحرية مما يجعله يتعظ لأن من سلم العقاب أساء الأدب.
وآخر ما أختم به مقالتي هو أن جبر الخواطر من أقوى ما يمكن أن يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان، فكلمة طيبة كفيلة بإنقاذ روح تحتضر ألما، وأخرى تخترق القلب كرصاصة تقتله.