ظاهرة عمالة الأطفال خارج نطاق القانون بقلم الدكتور عادل عامر

 ظاهرة عمالة الأطفال من الظواهر التي تعاني منها كثير من الدول وخاصة دول العالم الثالث ومصر من ضمن هذه الدول التي تواجهها كثير من التحديات الناجمة عن الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية وظروف التحول الاقتصادي وما نتج عنه من اتساع دائرة الفقر حيث بدأت ظاهرة عمالة الأطفال في الانتشار منذ بداية التسعينات التي رافقها كثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة واعترافا بأهمية مواجهة هذه التحديات التي تعوق برامج التنمية في بلادنا فقد صادقت على العديد من الاتفاقيات الدولية ومنها الاتـفاقية الدولية لحقوق الطفل في عام 1991م التي تنـص في المادة رقم (32) منها بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي

ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطرا أو يمثل إعاقة لتعليم الطفل أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي وتدعو المادة الدول الأطراف اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة وبوجه خاص

ان مصر تحفظت على بعض بنود الإعلان العالمي لحقوق العمال الذي طرحته الدول الصناعية الكبرى ورفضت التوقيع عليه في صورته الأولى, لأنه كان يهدف إلى الربط بين حرية التجارة ومعايير ومستويات العمل الدولية.

ميزة تنافسية إن بعض الدول الصناعية هددت خلال مؤتمر العمل الدولي باتخاذ اجراءات عقابية ضد الدول النامية التي تعتمد على عمالة الأطفال بشكل رئيسي في بعض الصناعات بحجة ان هذا يتنافى مع معايير ومستويات العمل الدولية, لان استخدام الأطفال في العمل يؤدي إلى رخص أسعار بعض منتجات الدول النامية مقارنة بأسعار نفس السلع التي تنتجها الدول الصناعية المتقدمة وهو الأمر الذي يعطي الدول النامية ميزة تنافسية أفضل.

ان مصر وقعت على ست اتفاقيات خاصة بعمالة الأطفال, وبصدد التوقيع على الاتفاقية السابعة في مؤتمر العمل الدولي الذي سيعقد في جنيف في يونيو المقبل, حيث يتم التصويت عليها للمرة الثالثة لإقرارها في صورتها النهائية.

وأوجه التعارض بين الاتفاقية الدولية, وهذه القوانين المصرية, بأن الأولى حددت سن الحدث في مادتها الثانية بأنه أقل عن 18 سنة, بينما القوانين المصرية تحدده بأقل من 16 سنة, ولذلك اشترطت المنظمة الدولية على الحكومة أن ترفع سن الحدث إلى 18 سنة من خلال تعديل البنود الخاصة بها بتلك القوانين, ولأسف تم رفع سن الحدث فيما بعد بسبب هذه الضغوط الدولية واصبح سن الحدث الان في مصر 18 سنة

تتواجد ظاهرة عمالة الأطفال بوضوح في مصر شأنها شأن معظم البلدان التي لها نفس الظروف الاقتصادية والاجتماعية. ويوضح الحديث عن حجم مشكلة عمالة الأطفال في مصر مدى صعوبة المشكلة التي نتصدى لمواجهتها ؛ فالتباينات بين الإحصاءات والتقديرات واضحة، كما أن تتبعها من فترة زمنية لأخرى ومن إحصاء لآخر يعد أمرا مثيرا للجدل. وتقدم لنا الدراسات التي أجريت في هذا الصدد نتائج متضاربة.

ويرجع ذلك، في حقيقة الأمر إلى الاختلاف في بعض المتغيرات الأساسية، مثل: بداية سن العمل ونهايته، وطبيعة العمل الذي يقوم به الطفل، سواء كان دائما أو مؤقتا أو موسميا، فضلا عن إخفاء بعض أصحاب الأعمال للأطفال الذين يعملون لديهم؛ لكونهم يقومون بعمل يحظره القانون.

وحظر القانون بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر عام‏1996تشغيل الطفل في أي من أنواع الأعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو ظروف القيام بها أن تعرض صحة أو سلامة أو أخلاق الطفل للخطر‏.

وتنص المادة “68” من مشروع القانون علي أنه يجب علي صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل طفل أو أكثر مراعاة التالي: أن يعلق في مكان ظاهر من محل العمل نسخة تحتوي علي الأحكام التي يتضمنها هذا الفصل.

وأن يحرر أولاً بأول كشفاً بالبيانات الأساسية المتعلقة بكل طفل من المشتغلين لديه. وأن يبلغ الجهة الإدارية المختصة بأسماء الأطفال الجاري تشغيلهم وأسماء الأشخاص المنوب بهم في مراقبة أعمالهم.

وأن يقوم بتوفير سكن منفصل للعمال من الأطفال عن غيرهم من البالغين إذا اقتضت ظروف العمل مبيتهم. وأن يحتفظ بمقر العمل بالوثائق الرسمية التي تبين سن جميع العاملين لديه من الأطفال.

ولكن يلاحظ أن القانون في تعامله مع قضية عمالة الأطفال ركز فقط علي حظر عملهم في المحاجر والمسابك والمهن الخطيرة لمن هم دون الخامسة عشرة وأغفل تشغيلهم في التراحيل كما يحدث في الأرياف حيث يمثل الأطفال 77% من حجم العمالة في هذا المجال، كذلك لم يتطرق لاستخدام الأطفال كخدم في المنازل.

والمشكلة الأخرى الأكثر حدة المرتبطة الواجب مواجهتها وتحديدها والاعتراف بها هي حقيقة أن مشكلة الأطفال العاملين في مكان العمل ممن يتعرضون إلى إساءة المعاملة والعنف اللفظي أو الجسمي والجنسي وغيرها من صور العنف، تعد مشكلة غير مرئية بسهولة ويصعب حصرها وضبطها وأنها غالباً ما تنطبق على الأطفال العاملين في المناطق الريفية والقروية، أن مثل هذه النزاعات وأوضاع عدم الاستقرار أدت إلى دخول أعداد من الأطفال لسوق العمل سواء من يمتهنون مهن طبيعية مثل الزراعة والصناعة

وهى حرف ليست مجرمة دوليا أو تلك المهن المجرمة دوليا مثل عمل الأطفال في المواقع الخطرة في عدد من دول المنطقة. أن المصداقية تفرض علينا في الوقت الراهن ضرورة الإسراع بتعديل بعض مواد قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 بما يتوافق مع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 129 لسنة 1969 والخاصة بالتفتيش على عمل الأطفال في قطاع الزراعة التي لم تكن مصر قد صدقت عليها وقت صدور القانون لأن القانون في هذه الحالة يعتبر مخالفاً للاتفاقية التي تلزم بالتفتيش على العمل في الزراعة بينما ينص القانون في مادته 103 على أنه يستثنى من تطبيق أحكام القانون الأطفال العاملون في مجال الزراعة والنظافة. إن فقدان الغطاء القانوني للتصرفات يؤدي بطبيعة الحال لمخالفة القانون مما يؤثر على الحقوق المكتسبة بموجب القوانين التي انتهكت، وبما أن عمالة الأطفال مخالفة صريحة للقانون فإنها ستؤثر على الحقوق التي يحميها القانون بالمعنى الواسع للكلمة، وفيما يلي عرض لأهم الحقوق التي المنتهكة بسبب عمالة الأطفال:

يحظر تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميا ، ويجب أن تخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة ، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يشتغل الطفل أكثر من أربع ساعات متصلة ، ويحظر تشغيل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية .

وفي جميع الأحوال يحظر تشغيل الطفل فيما بين الساعة الثامنة مساء والسابعة صباحا . يعتبر طفلا- في تطبيق أحكام القانون – كل من بلغ الرابعة عشرة سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يبلغ سبع عشرة سنة كاملة . ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلا دون سن السادسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوي العاملة المختص .

ويمثل الأطفال في المنشآت الصناعية والخدمية الصغيرة عمالة رخيصة بالإضافة إلى أنهم أكفأ في القيام بالأعمال اليدوية والنظام وخدمة العاملين، كما أن صاحب العمل يفضل الطفل العامل كي يتهرب من الشروط والالتزامات المتمثلة في التأمين الاجتماعي والضرائب، وهذه الأعمال تمثل خطورة كبيرة على الأطفال خاصة الصناعات التي تتطلب درجات عالية من الحرارة كصناعة الزجاج والمواسير والصناعات الكيماوية، وهناك فئة من الأطفال تعمل في جمع القمامة، ولذا يشعر الطفل بالدونية الاجتماعية والنفسية، ويتعرض لأمراض الحساسية، ومن المؤسف في هذا الصدد أنه لا يوجد نصّ صريح في القانون يمنع عمالة الأطفال في هذا المجال.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.