الإسراء والمعراج: ليله غسلت فيها أحزان النبي ﷺ بعد عام الحزن

الصبر هو اهم دروس في ليلة الإسراء والمعراج

أكدت دار الإفتاء أن ليلة السابع والعشرين من رجب تبدأ من مغرب يوم الأحد الموافق 26 يناير 2025م، وتنتهي فجر يوم الاثنين 27 يناير 2025م، وهي الليلة التي غسلت فيها أحزان النبي بعد عام الحزن.

الرياض: ريهام طارق

رحلة الإسراء والمعراج: رساله الطمأنينة في وقت المحن

شهدت الأيام التي سبقت تلك الرحلة العديد من الابتلاءات، كان أبرزها وفاة زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت أعظم عون له في دعوته، ثم توالت المحن بعد وفاته، ففقد عمه أبو طالب الذي كان يوفر له الحماية، مما جعل قريشا تجرؤ على إيذائه والنيل منه، تزايدت المصاعب بعد أن رفض أهل الطائف الاستماع إليه، وقاموا بشتمه وطرده، بل وأغروا السفهاء برميه بالحجارة، مما جعله يعود إلى مكة حزيناً وكسر النفس.  

ومع ازدياد المحن وتراكم الأحزان، كان النبي صلى الله عليه وسلم في أمس الحاجة لما يعيد له الطمأنينة ويقوي عزيمته، فكانت رحلة الإسراء والمعراج، حيث أسرى به إلى بيت المقدس، ثم عُرج به إلى السماوات العلى، ثم عاد في نفس الليلة.

جاء جبريل عليه السلام بالبراق، وهي دابة غريبة تضع حافرها عند نهاية بصرها، ركبها النبي صلى الله عليه وسلم وانطلاقا معاً إلى بيت المقدس، وفي هذه المدينة المباركة، كان للنبي صلى الله عليه وسلم موعد للقاء إخوانه من الأنبياء عليهم السلام.

اصطحبه جبريل إلى المسجد الأقصى، وعند الباب ربط البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء جميعاً،ثم دخلا إلى المسجد، حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً، وكانت صلاته تلك دليلاً على الارتباط الوثيق بين دعوات الأنبياء و أفضليته عليهم. 

ثم بدأ الجزء الثاني من الرحلة، وهو الصعود عبر السماوات السبع، كان جبريل يطلب الإذن بالدخول عند كل سماء، يسمح له وسط ترحيب عظيم من الملائكة.

في السماء الدنيا، التقى النبي صلى الله عليه وسلم بسيدنا آدم عليه السلام، تبادلا التحية، ثم دعا آدم له بخير، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم جالساً، وعن يمينه وشماله أرواح ذريته. فإذا التفت عن يمينه ضحك، وإذا التفت عن شماله بكى. فسأل النبي جبريل عن تفسير ما رأى، فأجابه أن الذين على يمينه هم أهل الجنة من ذريته يفرح بـ رؤيتهم، أما الذين على شماله فهم أهل النار يحزن لـ رؤيتهم.

ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية ليلتقي بعيسى ويحيى عليهما السلام، فاستقبلاه أحسن استقبال، وقالا له: “مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح”. 

وفي السماء الثالثة، التقى بالنبي يوسف عليه السلام، الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه “أعطي شطر الحسن”. 

ثم التقى بالنبي إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، وبعدها بالنبي هارون عليه السلام في السماء الخامسة.

وفي السماء السادسة، التقى بالنبي موسى عليه السلام، وبعد أن سلم عليه، بكى موسى، وعندما سئل عن سبب بكائه، قال: “أبكي لأن غلاماً يبعث بعدي، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي”. 

سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر مفتاح الجنه :

وأخيراً، كان اللقاء مع خليل الله إبراهيم عليه السلام في السماء السابعة، حيث رآه مُسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وهو كعبة أهل السماء، الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة لا يعودون إليه أبداً.

استقبل إبراهيم عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له، ثم قال: “يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”.

“لقاء الله والتخفيف: رحلة الإسراء والمعراج وأثرها في فرض الصلاة”

بعد سلسلة اللقاءات المباركة، صعد جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، وهي شجرة عظيمة القدر كبيرة الحجم، ثمارها تشبه الجرار الكبيرة، وأوراقها كآذان الفيلة، ومن تحتها تجري الأنهار، هناك، رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في صورته الملائكية وله ستمائة جناح، يتساقط منها الدر والياقوت. 

ثم جاءت أسعد اللحظات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، حينما تشرّف بلقاء الله والوقوف بين يديه، لتتلاشى أمامه كل الأهوال التي مرّ بها وكل الصعاب التي عايشها، وفي تلك اللحظة، أوحى الله إلى عبده بما أوحى، وكان من بين ما أعطاه خواتيم سورة البقرة، وغفران كبائر الذنوب لأهل التوحيد الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك، كما فرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة في اليوم والليلة. 

عندما انتهى صلى الله عليه وسلم من اللقاء الإلهي، مرّ بموسى عليه السلام في طريقه. فلما رآه سأله: “بم أمرك؟”، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “بخمسين صلاة كل يوم”. فقال موسى عليه السلام: “أمتك لا تستطيع خمسين صلاة، وقد جربت الناس قبلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف”. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه يستأذنه في التخفيف، فأسقط عنه بعض الصلوات، وعاد إلى موسى عليه السلام ليخبره بذلك، فأشار عليه بالعودة مرة أخرى وطلب التخفيف، تكرر المشهد عدة مرات حتى وصل العدد إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، وفي تلك اللحظة، استحى النبي صلى الله عليه وسلم من أن يسأل ربه أكثر من ذلك، وأمضى الله عز وجل الأمر بهذه الصلوات وجعل أجرها كأجر خمسين صلاة.

مشاهد الإسراء والمعراج: من نعيم الجنة إلى عذاب النار:

شهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الجنة ونعيمها، وأراه جبريل عليه السلام نهر الكوثر، وهو نهر خصه الله لنبيه تكريماً له، حافّتا النهر والحصى في قعره من اللؤلؤ، و تربته من المسك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما مرّ يملأ من الملائكة يقولون له: “يا محمد، مر أمتك بالحجامة“.

وفي المقابل، شاهد النبي صلى الله عليه وسلم أحوال الذين يعذبون في نار جهنم، فرأى أقواماً لهم أظفار من نحاس يجرحون بها وجوههم وصدورهم، فسأل جبريل عنهم، فقال له: “هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم“. كما رأى أقواماً تقطع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار، فقال له جبريل عليه السلام: “هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟”.

ثم رأى شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى في القرآن، حيث قال: {والشجرة الملعونة في القرآن} (الإسراء: 60)، وقال: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم، طلعها كأنه رءوس الشياطين} (الصافات: 64-65).

كما رأى مالكاً خازن النار، واطلع على حال المرأة المؤمنة التي كانت تمشط شعر ابنة فرعون، والتي رفضت أن تكفر بالله فأحرقها فرعون بالنار، كذلك، رأى النبي صلى الله عليه وسلم الدجال في صورته، أجعد الشعر، أعور العين، عظيم الجثة، أحمر البشرة، وكان مكتوباً بين عينيه “كافر”.

وفي تلك الرحلة، جاءه جبريل عليه السلام بثلاثة آنية: الأول مملوء بالخمر، الثاني بالعسل، والثالث باللبن. فاختار النبي صلى الله عليه وسلم إناء اللبن، فصادف الفطرة، فقال له جبريل عليه السلام: “أما إنك لو أخذت الخمر، لغويت أمتك” كما رواه البخاري.

بعد ذلك عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، وأدرك أن ما شاهده من عجائب وما رآه من مشاهد لن تتقبله عقول أهل الكفر والعناد، فحلّ عليه الهم والحزن، عندما رآه أبو جهل في تلك الحال، جاء إليه وجلس معه، ثم سأله عن حاله، أخبره النبي صلى الله عليه وسلم عن رحلته في تلك الليلة، فشعر أبو جهل بفرصة للسخرية والاستهزاء، فقال له: “أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني؟”. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: “نعم”. فذهب أبو جهل ينادي بالناس ليجتمعوا ويسمعوا هذه الأعجوبة، فصاح الناس متعجبين، ووقفوا بين مكذب ومشكك، وارتدّ بعض الذين آمنوا ولم يثبت الإيمان في قلوبهم.

سأل بعض أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف بيت المقدس، فوجد ذلك صعباً عليه لأن الوقت الذي قضاه هناك لم يكن كافياً لدقة الوصف، ولكن الله سبحانه وتعالى مَثّل له صورة بيت المقدس، فقام يصفه بدقة عالية، فتعجب الناس وقالوا: “أما الوصف فقد أصاب”، ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً آخر على صدقه، وأخبرهم عن قافلة رآها في طريق عودته ووقت قدومها، فوقع الأمر كما قال.

في تلك اللحظات، ذهب بعض من قريش إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من هذا الخبر. فأجابهم: “لئن كان قال ذلك فقد صدق”. تعجبوا وقالوا: “أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟”، فأجابهم: “نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة”. ومن هنا أطلق عليه لقب “الصديق”.

وكانت في هذه المواقف المتباينة حكم إلهية عظيمة، ففي تصديق أبي بكر رضي الله عنه، كان إبراز لأهمية الإيمان بالغيب والتسليم له طالما كان الخبر صحيحاً، وفي ردة ضعفاء الإيمان تمحيص للصف الإسلامي من شوائبه، ليقوم الإسلام على أكتاف الرجال الذين لا تهزهم المحن أو تزلزلهم الفتن.

أما في تكذيب كفار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم و تماديهم في الطغيان والكفر، فقد كانت تلك تهيئة من الله سبحانه وتعالى لتسليم القيادة إلى القادمين من المدينة، وقد تحقق ذلك عندما طاف النبي صلى الله عليه وسلم على القبائل طلباً النصرة، فالتقى بهم وعرض عليهم الإسلام، و استجابوا للإيمان والتصديق، ليكونوا سبباً في قيام الدولة الإسلامية وانتشار دعوتها.

افضل العبادات في ليله الاسراء والمعراج:

يستحب إحياء ليلة الإسراء والمعراج بالعبادات والطاعات، ومن أبرزها إطعام الطعام، وإخراج الصدقات، والسعي في قضاء حوائج الناس، و الإكثار من الذكر والاستغفار.

من أفضل الأعمال التي يمكن القيام بها في هذه الليلة التوبة  حيث ينبغي للمسلم استغلال هذه الفرصة في تجديد التوبة كما يستحب تخصيص وقت لتلاوة القرآن الكريم و التدبر في آياته، خاصة سورة الإسراء التي تناولت تفاصيل هذه الرحلة المباركة.

ومن الأعمال المستحبة أيضًا الإكثار من الصلاة والسلام على النبي تعبيرا عن الحب والاقتداء به، بالإضافة إلى إحياء سنن الصلاة والمواظبة على أدائها في أوقاتها بخشوع واستحضار روح الرحلة، ولا ينبغي أن نغفل عن الدعاء للأمة الإسلامية، والتوجه إلى الله بأن يصلح أحوالها و ينصرها على أعدائها.

الصبر هو اهم دروس في ليلة الإسراء والمعراج:

تُذَكِّرُنا ليلة الإسراء والمعراج بعظمة الإيمان وأهمية الصبر على الابتلاء، وضرورة اليقين بقدرة الله وحكمته في تدبير الأمور، لذلك، ينبغي على كل مسلم أن يستلهم منها الدروس والعبر، ويسير على نهج النبي في العبادة والطاعة، ليكون من الفائزين بـ رضوان الله ونعيمه.  

اللهم كما جعلتها ليلة فرح وسرور لقلب نبيك الكريم بعد طول حزنه، فاجعلها ليلة فرح وسرور لأمته، و امنحنا فيها نهاية لكل حزن وألم يثقل قلوبنا، وبداية جبر خواطرنا بعد طول انتظار.

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.