عبد الحليم حافظ العندليب الأسمر وأيامنا الحلوة

بقلم المؤرخ الفني الدكتور أحمد عبد الصبور

تحل اليوم الذكرى الثلاثة والأربعين على رحيل العندليب الأسمر ” عبد الحليم حافظ ” وهى الذكرى الحزينة على قلوب عشاق ومحبى العندليب الأسمر الذى أثر في القلوب بفنه وأفنى حياته فى تقديم فن حقيقى لا يزال يعيش بيننا حتى الآن وتتوارثه الأجيال ، حيث بالرغم من مرور 43 سنة على رحيل العندليب إلا أنه ما زال يعيش بأغانيه وأفلامه الخالدة  وما زالت تهتم الناس بسماع أغانيه ومشاهدة أفلامه وحتى قراءة ومشاهدة كل ما هو متعلق بحياته ، وكذلك ما زال حديث النقاد والمؤرخين والكتاب .

حيث قال الكاتب والإعلامى الكبير ” مفيد فوزى ” عنه : إن الفنان ” عبد الحليم حافظ  ” ما زال بعد رحيله ومرور 40 سنة ” شيء مخيف ” ، والدليل على ذلك تواجده بقوة بين الناس حتى يومنا هذا .

لقد صدق العندليب ” عبد الحليم حافظ ” حين قال :

” أنا ميهمنيش أموت دلوقتي ، ميهمنيش أموت بعد 100 سنة ، أنا يهمني لما أموت أفضل محافظ على مكانتي ” .

النجاح هو الإستمرار ليس فقط في حياة الفنان بل بعد رحيله أيضاً ، فدعونا نغوص مرة أخرى في حياة واحد من أشهر فنانين الزمن الجميل بل رمز من رموز الطرب والفن الأصيل في مصر والعالم العربي ، فهو يعتبر من أهم المطربين العرب في القرن العشرين .

” عبد الحليم حافظ ” أسمه الحقيقي ” عبد الحليم علي إسماعيل شبانة ” مطرب وممثل مصري، ولد في 21 يونيو 1929 م في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية بمحافظة الشرقية ، مصر .

وهو الأبن الأصغر بين أربعة إخوة هم : إسماعيل ومحمد وعلية ، فهو الأبن الرابع وأكبر أخوته  ” إسماعيل شبانه ” كان مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية ، توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم “عبد الحليم حافظ ” عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج ” متولي عماشة ” ، كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية ، ومنها أنتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمر حياته ، ولقد قال مرة : أنا أبن القدر ، وقد أجرى خلال حياته واحد وستين عملية جراحية ، إلتحق بعدما نضج قليلاً في كتاب الشيخ أحمد ؛ ومنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة تجلى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيساً لفرقة الأناشيد في مدرسته  ، ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به .

ألتحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943م حين ألتقى بالفنان ” كمال الطويل ” حيث كان ” عبد الحليم حافظ ” طالباً في قسم التلحين ، وكمال في قسم الغناء والأصوات ، وقد درسا معاً في المعهد حتى تخرجا عام 1948م ، ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيراً بالقاهرة ، ثم قدم إستقالته من التدريس وألتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفاً على آله الأوبوا عام 1950م .

تقابل مع صديق ورفيق العمر الأستاذ ” مجدي العمروسي ”  في عام 1951م  في بيت مدير الإذاعة ، وهو الإذاعي ” فهمي عمر” في ذلك الوقت .

أكتشف العندليب الأسمر ” عبد الحليم شبانة ” الإذاعي الكبير ” حافظ عبد الوهاب ” الذي سمح له بإستخدام أسمه ” حافظ ” بدلاً من شبانة .

وفقاً لبعض المصادر فإن ” عبد الحليم حافظ ” أُجيز في الإذاعة بعد أن قدم قصيدة ” لقاء ” كلمات ” صلاح عبد الصبور ” ، ولحن ” كمال الطويل ” عام 1951م ، في حين ترى مصادر أخرى أن إجازته كانت في عام 1952 م بعد أن قدم أغنية ” يا حلو يا أسمر” كلمات سمير محجوب ، وألحان محمد الموجي ، وعموماً فإن هناك إتفاقاً أنه غنى (صافيني مرة) كلمات سمير محجوب ، وألحان محمد الموجي في أغسطس عام 1952م  ورفضتها الجماهير من أول وهلة حيث لم يكن الناس على إستعداد لتلقى هذا النوع من الغناء الجديد .

ولكنه أعاد غناء ” صافيني مرة ” في يونيو عام 1953م ، يوم إعلان الجمهورية ، وحققت نجاحاً كبيراً ، ثم قدم أغنية ” على قد الشوق ” كلمات محمد علي أحمد ، وألحان كمال الطويل في يوليو عام 1954م ، وحققت نجاحاً ساحقاً ، ثم أعاد تقديمها في فيلم ” لحن الوفاء ” عام 1955م ، ومع تعاظم نجاحه لُقب بالعندليب الأسمر .

تمتد هذه الفترة من إجازته في الإذاعة عام 1951 م بعد تقديمه قصيدة ” لقاء ” من كلمات صلاح عبد الصبور وألحان كمال الطويل ، حتى بدأ تصويره أول أفلامه ” لحن الوفاء ” عام 1955م ، ولم تكن أعراض مرض البلهارسيا قد تفاقمت لديه .

نلاحظ في هذة الفترة أن عدداً كبيراً من الأغاني تحوي نبرة من التفاؤل مثل : ” ذلك عيد الندى” ، ” أقبل الصباح ” ، ” مركب الأحلام ” ، ” في سكون الليل” ، ” فرحتنا يا هنانا ” ، ” العيون بتناجيك ” ، “غني .. غني ” ، ” الليل أنوار وسمر ” ، ” نسيم الفجرية ” ، ” ريح دمعك ” ، ” أصحى وقوم ” ، ” الدنيا كلها ” .

كما تتحدث بعض هذه الأغاني عن الطبيعة الجميلة ، مثل : ” الأصيل الذهبي ” ، ” هل الربيع ” ، ” الأصيل ” ، كما تتناول بعض الأغاني العاطفية ذكر الطبيعة الجميلة في إطار عشق الإنسان لكل ما هو جميل مثل ” ربما ” ، ” في سكون الليل ” ، ” القرنفل ” ، ” حبيبي ف عنيه ” ، ” صحبة الورد ” ، ” ربيع شاعر ” ، ” الجدول ” ، ” إنت إلهام جديد ” ،  ” هنا روض غرامنا ” ، ” فات الربيع ” .

لكن مع تفاقم مرض البلهارسيا لديه بدأ من عام 1956م ، نلاحظ أن نبرة التفاؤل بدأت تختفي من أغانيه تدريجياً ، وتحل محلها نبرة الحزن في أغانيه .

تعاون مع الملحن العبقري محمد الموجي وكمال الطويل ثم بليغ حمدي ، كما أنه له أغاني شهيرة من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مثل: ( أهواك ، نبتدي منين الحكاية ،  فاتت جنبنا ) ، ثم أكمل الثنائي (حليم – بليغ) بالإشتراك مع الشاعر المصري المعروف محمد حمزة أفضل الأغاني العربية من أبرزها :

( زي الهوا ، سواح ، حاول تفتكرني ، أي دمعة حزن لا ، موعود ) وغيرها من الأغاني .

وقد غنى للشاعر الكبير نزار قباني أغنية قارئة الفنجان ورسالة من تحت الماء والتي لحنها الموسيقار محمد الموجي .

بعد حرب 1967 م غنى في حفلته التاريخية أمام 8 آلاف شخص في قاعة ألبرت هول في لندن لصالح المجهود الحربى لإزالة آثار العدوان … وقد قدم عبد الحليم في هذا الحفل أغنية المسيح ; كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي ، وغنى في نفس الحفل أغنية عدى النهار ، وهي أيضاً للأبنودي وبليغ ، وهي واحدة من أبرز أغاني حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل .

كان صديقاً للزعيم الحبيب بورقيبة ، والحسن الثاني ، والملك حسين .

كان عبد الحليم يحلم بتقديم قصة « لا » للكاتب الكبير مصطفى أمين على شاشة السينما ورشح نجلاء فتحي لبطولتها ولكن القدر لم يمهله … قدم 3 برامج غنائية هي : « فتاة النيل » للشاعر أحمد مخيمر وألحان محمد الموجي وإخراج كامل يوسف و « معروف الإسكافي » للشاعر إبراهيم رجب وألحان عبد الحليم علي وإخراج عثمان أباظة ، و « وفاء » للشاعر مصطفى عبد الرحمن وألحان حسين جنيد وإخراج إسماعيل عبد المجيد .

أما ليلى العمروسي ، زوجة الصديق المقرّب من عبد الحليم الراحل مجدي العمروسي ، والتي تعرف الكثير عن أسراره من خلال زوجها فقالت عن حبيبة حليم : «لم ألتقها ، وعندما كنت أسأل مجدي عنها كان يقول لي : إنها صاحبة أجمل عيون شاهدها في حياته ، وقد حكى لي العمروسي اللقاء الأول الذي جمعها بعبد الحليم ، وكان ذلك داخل مصعد عمارة « سيدي بشر » بالإسكندرية ؛ التي كان عبد الحليم يمتلك شقة فيها ، وعندما شاهدها وقع في غرامها ، ومن شدة إعجابه بها سار خلفها بسيارته حتى « الشاليه » الخاص بعائلتها والذي كان قريباً من « شاليه » الأديب الراحل إحسان عبد القدوس » . وعن الأسرار الخاصة التي كان يعرفها مجدي العمروسي حول هذه العلاقة قالت ليلى : لم يكن مجدي يحكي لي أشياء خاصة عن حياة عبد الحليم ، وكان كتوماً إلى أقصى درجة ، وعندما كنت أسأله حول علاقته بهذه السيدة كان يرفض الإجابة ويقول لي : ليس من حقك معرفة أي شيء حول هذة العلاقة … تضيف ليلى العمروسي أن الكاتب الراحل مصطفى أمين ذكر أنه حضر إحدى حفلات عبد الحليم التي كان يغني فيها أغنية « بتلوموني ليه » ، ولاحظ مصطفى أمين أن عبد الحليم طوال الأغنية كان ينظر إلى إتجاه معيّن ، فنظر إلى الإتجاه نفسه الذي كان ينظر إليه عبد الحليم ، فوجد سيدة جميلة صاحبة عينين لم يشاهد بجمالهما من قبل ، فعرف أنها هي حبيبة عبد الحليم .

قدم عبد الحليم أكثر من مائتين وثلاثين أغنية ، وقد قام مجدي العمروسي صديق عبد الحليم حافظ ، بجمع أغانيه في كتاب أطلق عليه ” كراسة الحب والوطنية… السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ” تضمنت غالبية ما غنى عبد الحليم حافظ .

رغم الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها عبد الحليم حافظ ، لكن هناك عدداً كبيراً من أغانيه لا يعرفها كثير من الناس ، والسبب الحقيقي لهذا هو أن هذا الإنتاج الإذاعي لا يتم إذاعته وهو مملوك للإذاعة المصرية مثل باقي إنتاجه وهذا السبب نتج عنه شىء من الندرة وتم الإعتقاد أنه تراث مجهول ولكنه معلوم لكثير من المؤرخين والإذاعيين المصريين المخضرمين ، وإذا حسبنا عدد الأغاني التي قدمها في الأفلام سواء بالصوت والصورة أو بالصوت فقط إضافة إلى الأغاني المصورة في التلفزيون نجد أن عددها يمكن أن يصل إلى 112 أغنية تقريباً ، وهذا العدد لا يكاد يشكل نصف عدد أغانيه البالغة حوالي 231 أغنية في المتوسط ، كما أننا لم نأخذ في الحسبان الأغاني التي هي بحوزة بعض أصدقاء عبد الحليم ، والتي هي غير متاحة للتداول التجاري .

 قدم العندليب ” عبد الحليم حافظ ” في السينما ستة عشر فيلماً سينمائياً منذ عام 1955م حتى 1969 م ، ومن المميز له في تاريخه السينمائي أنه في عام 1955م شهد عرض أربعة أفلام كاملة للعندليب ، فيما وصف بأنه عامه الذهبي سينمائياً ، وكذلك قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي ” أرجوك لا تفهمني بسرعة “سنة 1973م ، وهو المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبد الحليم كبطل للحلقات ، وذلك برفقة الفنانة ” نجلاء فتحى ” والفنان ” عادل إمام ” ، قصة محمود عوض وإخراج محمد علوان .

أصيب العندليب الأسمر بتليف في الكبد سببه مرض البلهارسيا ، وكان هذا التليف سبباً في وفاته عام 1977 م وكانت أول مرة عرف فيها العندليب الأسمر بهذا المرض عام 1956 م عندما أصيب بأول نزيف في المعدة وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف .

توفي العندليب ” عبد الحليم حافظ ” يوم الأربعاء في 30 مارس 1977 م في لندن عن عمر يناهز السابعة والأربعين عاماً ، والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملاً معه إلتهاب كبدي فيروسي فيروس سى الذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بالبلهارسيا منذ الصغر .

حزن الجمهور حزناً شديداً حتى أن بعض الفتيات من مصر أنتحرن بعد معرفتهن بهذا الخبر، وقد تم تشييع جثمانه في جنازة مهيبة لم تعرف مصر مثلها سوى جنازة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والفنانة الراحلة أم كلثوم سواء في عدد البشر المشاركين في الجنازة الذي بلغ أكثر من 2.5 مليون شخص ، أو في إنفعالات الناس الصادقة وقت التشييع .

ونحن اليوم في الذكرى الثلاثة والأربعين على رحيل العندليب الأسمر ” عبد الحليم حافظ ” وهو ما زال يعيش بيننا فكيف نقول أنه رحل ؟! فالراحلون هم من لا يتركون أثر في الدنيا والعندليب ترك تراثاً لا ينسى أبد الدهر ، فهناك موتى في حياتهم …. . . وآخرون في باطن الأرض أحياء ، فهو ما زال يعيش بيننا بأعماله التي كتب لها الخلود وما يزال تأثيرها جارياً في حياتنا لتذكرنا بزمن الفن الجميل والطرب الأصيل وأيامنا الحلوة .

عبد الحليم حافظ
عبد الحليم حافظ

عبد الحليم حافظ (2) عبد الحليم حافظ (3) عبد الحليم حافظ (4) عبد الحليم حافظ (5) عبد الحليم حافظ (6) عبد الحليم حافظ (7) عبد الحليم حافظ (8) عبد الحليم حافظ (9) عبد الحليم حافظ (10)

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.