عبد الرحمن محمد: صوت فضل شاكر، انغام، شيرين ، و بهاء سلطان ايقونات الهامي
أحببت الشعر منذ طفولتي.. فأصبح صوتي الذي يبوح بما يختبئ في قلبي.
إعداد وحوار ريهام طارق
من هو الشاعر تخلي الشعور بالغيرة إلا في ميادين الإيمان؟ ومن الذي منحه القوة ليعود عن قرار الاعتزال بعد أن كاد يرحل عن عالم الكتابة؟ وأي الأصوات الغنائية قادرة على الهامه ليكتب أجمل كلماته؟
أسئلة كثيرة تكشف ملامح مسيرته وتضيء أسرار تجربته، نضعها بين أيديكم في هذا الحوار الخاص مع الشاعر الغنائي عبد الرحمن محمد، ليروي لنا الكثير عن تفاصيل مشواره الفني، و نكشف النقاب أيضا عن جانب آخر من شخصيته التي لم يراها احد من قبل:

في البداية نرحب بالشاعر عبد الرحمن محمد في جريدة أسرار المشاهير ونشكره على إتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار:
في البداية.. من هو الشاعر عبد الرحمن محمد؟ نود أن نعرف تفاصيل ميلادك.. نشأتك.. مجال دراستك و حالتك الاجتماعية ؟
اسمي عبد الرحمن محمد، ولدت في السابع من يوليو عام 1986، وأبلغ من العمر 39 عاماً، متزوج، بدأت حياتي في ليبيا حيث قضيت السنوات السبع الأولى من طفولتي هناك بحكم عمل والدي، لكن بعد وفاته عدت مع والدتي وإخوتي إلى مصر، وهناك استكملت دراستي وحياتي.
كانت والدتي السند الحقيقي والمسؤولة الأولى عني وعن إخوتي، وهذا جعل طفولتي مختلفة عن أي طفل آخر، فلم أعرف اللهو أو براءة اللعب، بل شعرت أنني كبرت قبل أواني، ففي السابعة من عمري كان قلبي بوعي العشرين، وأدركت مبكراً أن عليّ أن أكون بديلاً عن والدي، أساند أمي وأعوض إخوتي عن فقدانهم له.
والدي كان السبب في هذا النضج المبكر، لأنه غرس في داخلي منذ الصغر معنى الرجولة الحقيقية، وأن الرجل هو الحامي والسند والأمان لعائلته، كان يعاملني كصديق لا كطفل، ومع رحيله حملت على عاتقي مسؤولية كبرى باعتباري الابن الأكبر.
لاحقاً التحقت بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية وحصلت على بكالوريوس إدارة البنوك، ثم عملت في المجال البنوك أما موهبتي في كتابة الشعر، فقد ظهرت مبكراً خلال المرحلة الإعدادية، حين وجدت في داخلي فيضاً من المشاعر يحتاج إلى متنفس، فكانت الكتابة هي ملاذي، والشعر هو صوتي الذي يبوح بما يخبئه قلبي.
كل شاعر أثرت جذور بيئته الأولي في تكوين شخصيته… كيف ساهم المكان، والتجارب المبكرة في رسم ملامح شخصيتك؟
وفاة والدي في سن صغيرة جعلتني أشعر بالمسؤولية مبكراً، وهو ما غير طريقة تفكيري وجعل مشاعري أكثر نضجاً مقارنة بعمري،هذا الإحساس دفعني إلى البحث عن وسيلة أعبر بها عن داخلي، فكانت الكتابة هي ملاذي الأول، والدتي كانت السند الحقيقي لي، فهي أول من اكتشف موهبتي وآمن بي، وقدمت لي الكثير من الدعم، ووفرت كل الظروف التي تساعدني على تنمية موهبتي وصقلها، لدرجة أنها كانت تأخذني إلى الشهر العقاري بعد انتهائي من كتابة أي أغنية جديدة وأنا طفل صغير، ليتم تسجيلها باسمي لتحفظ لي حقوقي الأدبية والفكرية.
برأيك، هل الموهبة فطرية تولد مع الإنسان أم يمكن اكتسابها بالدراسة والتعلم؟
بالتأكيد الموهبة تولد مع الإنسان بالفطرة، لكنها تُصقل مع الوقت بالتجارب والمواقف وما يمر به من مشاعر، هذه العوامل جميعها تساعد على تنمية الموهبة أكثر، لكن نظرية أن الموهبة تكتسب فقط بالدراسة لا أعتقد أنها صحيحة.
عبد الرحمن محمد: لا أعترف بمده صلاحيه لانتهاء موهبه الشاعر.. بل ينتهي الشاعر بانتهاء أفكاره
هل الشاعر الغنائي له مدة صلاحية؟ ومتى يضمن البقاء والاستمرارية؟
الشعر هو “مدد من الله”، فالكلمة الصادقة والجملة التي تعيش هي رزق إلهي، قد يمنحه الله للشاعر يفيض به إبداعاً، وقد يحجبه عنه لفترة، وربما ينقطع نهائياً لا قدر الله، لذلك نرى بعض الشعراء يمرون بفترات طويلة من الركود، بلا إنتاج جديد أو بأفكار محدودة، ولهذا السبب أدعو الله دائماً أن يديم عليّ فضله في نعمة الكتابة والتأليف.
التنوع والتجديد ومواكبة العصر والتطور في الأفكار والمفردات هو سر البقاء
أما عن الاستمرارية، الشاعر الذي يحصر نفسه في لون واحد أو أسلوب محدد، inevitably يصل إلى مرحلة “فلس” في الأفكار والمفردات.. التنوع والتجديد ومواكبة العصر والتطور في الأفكار والمفردات هو سر البقاء.
مثال على ذلك هناك مفردات ظهرت في نهايه التسعينات و بداية الألفينات انقرضت اليوم، ولو حاولت كتابتها الجيل الجديد لن يفهمها، النقطه الفاصله هنا أن يحدث هذا التجديد في إطار القناعات الشخصية للشاعر، دون أن يتنازل عن جودة العمل أو يتجاهل احترام عقل المستمع، وبالنسبة لي أحرص دائما على تطوير مفرداتي بما يتماشى و يواكب كل جديد وعصري.
هل يمكن أن تكتب يوماً أغنية تتعارض مع قناعاتك ومبادئك الشخصية؟
مستحيل، وبالفعل وضعت في هذا الموقف مرات عديدة ورفضت الكتابة، على سبيل المثال، في عام 2019، حين كانت أغاني المهرجانات مسيطرة على السوق والشارع المصري، عُرض عليّ التعاون مع أسماء كبيرة في هذا المجال، لكنني رفضت لأنني كنت مؤمناً أن “الترند” ليس بالضرورة أن يكون مهرجاناً، وأن الموجة يمكن أن تتغير بفن راقي يحترم الجمهور وعقولهم، وتمسكت بهذه الفكرة حتى طرحت لي أغنية “جابوا سيرته“، بصوت المطربة أصالة في 2019، والتي أصبحت “تريند” في ذلك الوقت وحتى الآن مازالت الأغنية محتفظة بنفس مستوى النجاح، لهذا السبب، لا أستطيع أن أغير قناعاتي و مبادئي أمام أي إغراء مادي أو لو كان المقابل هو قلة انتاجي الفني.

عبد الرحمن محمد: أتمنى أن إرث جزء ولو بسيط من موهبة بهاء الدين محمد ونادر عبدالله:
كل فنان له ملهم ترك أثراً في روحه وموهبته… من هو ملهمك الحقيقي في كتابة الشعر الغنائي؟
بالتأكيد كان لي ملهمون تركوا بصمة عميقة في مسيرتي، أبرزهم الأستاذ بهاء الدين محمد، والأستاذ نادر عبد الله، أراهم يملكون موهبة نادره في كتابه الشعر.. أتمنى أن أرث جزءًا ولو بسيط منها، كان لهم تأثير قوي علي شخصيتي في فترة المراهقة، التي أعتبرها أجمل أيام حياتي، في أواخر التسعينات وبداية الألفية الجديدة، تلك الحقبة الزمنية التي كانت بحق “الزمن الذهبي” للأغنية.

عبد الرحمن محمد: صنعت بصمتي الخاصة عندما نجحت في التعبير عن مشاعر الأنثى بصدق
هل نجحت في خلق بصمة خاصة بك تحملها كل أعمالك يعرف منها المستمع أنها كلماتك فور سماع الاغنيه؟
أعتقد أنني نجحت في خلق بصمة و طابع خاص لشكل كتاباتي من خلال قدرتي على التعبير عن مشاعر المرأة بصدق ، وهذا ما ظهر بوضوح في أعمالي الأخيرة مثال اغنيه “جابوا سيرته، أعراض الغياب، سلطانة، و بنات الخلق“، جميعها عكست إحساس الأنثى بشكل حقيقي وواقعي .
عبد الرحمن محمد: ترجمة الإحساس إلى كلمات تصل للقلب مباشرة.. هنا يكمن سر الاختلاف والتميز:
أيهما أصعب في كتابته التعبير عن مشاعر الأنثى أم الرجل؟
التعبير عن مشاعر المرأة قد يبدو أصعب للبعض، لأنها بطبيعتها أكثر عمقا وتفاصيل، لكنني أعتبره مساحة إبداعية غنية تمنحني القدرة على الغوص في أحاسيس دقيقة ومتشابكة، بينما مشاعر الرجل قد تكون أبسط في التعبير، لكنها في الوقت نفسه تحمل قوة و وضوحا.. التحدي الحقيقي هنا ليس في جنس المشاعر، بل في صدق الشاعر وقدرته على ترجمة الإحساس إلى كلمات تصل للقلب مباشرة، وهنا يكمن سر الاختلاف والتميز.
الشاعر: النجاح الحقيقي أن توازن بين متطلبات السوق والحفاظ على الهوية الإبداعية
هل ترى أن تكيف الشاعر مع متطلبات السوق ذكاء ومرونة؟ أم يمكن أن يفقده جزءًا من هويته؟
التكيّف مع السوق اعتبره ذكاء ومرونة إذا استطاع الشاعر أن يحقق المعادلة الصعبة، وهي أن يقدم ما يتماشى مع متطلبات السوق، وفي الوقت نفسه يحتفظ بملامح شخصيته الفنية واحترامه لقلمه.. النجاح الحقيقي هو أن تكتب عملا عصريًا يحمل قيمة فنية ورسالة راقية، دون أن تنزلق تحت خط الإسفاف أو تفقد بصمتك الخاصة.
فضل شاكر وأنغام وشيرين وبهاء سلطان… أصوات تمنح الشاعر الهام مضاعفا ودفعة إبداعية لا تنسى
من هو المطرب الذي يمنحك إلهامًا مضاعفًا ويجعلك تظهر أجمل ما تملك من إبداع؟
في الحقيقة هناك عدد كبير من الأصوات التي اعتبرها حافر لي يعطيني طاقة كبيرة للكتابة، من أبرزهم المطرب الكبير فضل شاكر الذي أعشق صوته كثيرًا، وكذلك الفنان محمد محيي الذي أحببت صوته وشخصيته عن قرب، ولا أنسى أيضًا قامات كبيرة مثل أنغام وشيرين اللتين تظل أصواتهما مصدر إلهام لأي شاعر، إلى جانب الصوت العذب المتفرّد للمطرب بهاء سلطان.
هل مررت يومًا بفتره فقدت فيها شغفك بالكتابة و شعرت فيها بالإحباط وقررت اعتزال كتابه الشعر؟
نعم مررت بفترة صعبة منذ نحو 12 عامًا فقدت خلالها شغفي بالكتابة، واعتزلت بالفعل عامين كاملين، بعد ما فشلت في الوصول إلى جهات إنتاجية أو ملحنين او مطربين يتبنون أعمالي اقتنعت أن هذا المجال ليس مجالي، وقررت التوقف عن البحث عن فرصة جديدة واعلنت خبر اعتزالي، لكن كان هناك من يرفض هذا القرار رفضا قاطعا؛ أولهم صديقي الملحن مدين، ثم اثنان من أقرب أصدقائي هما وائل توفيق والشاعر الكبير الراحل أحمد علي موسى، الذي كان من أشد الرافضين لفكرة اعتزالي، ولم يبخل علي بتقديم المساندة والدعم النفسي وتشجيعي على الاستمرار والصبر، حتى عدت من جديد أكثر إصرارا على النجاح.

تراجع مستوى الأغنية لم يُحبطني… بل زادني إصرارًا على تقديم الأفضل
تراجع الأغنية ذات القيمة مقابل تصاعد موجة “الكلمة الخفيفة”… هل هذا أصابك بالإحباط أم كان دافعا لتقديم الأفضل؟
للأسف هذه حقيقة مؤلمة لا يمكن إنكارها، لا أعلم كيف وصلنا إلى هذا المستوى من السطحية، فرغم الإنتاج الضخم للأغنيات سنويًا، إلا أن ما يمكن اعتباره أعمالًا ذات قيمة ومعنى حقيقي لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهذا الأمر لم يُحبطني بقدر ما يزيد إصراري على تقديم أعمال جيدة حتى وإن لم تحمل فكرة مختلفة على الأقل أقدم من خلالها مفردات جديدة تضيف طابع خاص للأغنية.
مقارنتي بـ زملائي الشعراء شرف … وأعتبرها اعترافًا بقيمة ما أقدمه
هل وجدت نفسك يومًا في مقارنة مع شاعر آخر من أبناء جيلك بسبب تشابه في أسلوب الكتابة؟
لم أشعر يومًا أن هناك مقارنة تُزعجني، بالعكس تماما حين تتم مقارنة مع زميل يمتلك جماهيرية كبيرة، أشعر بالفخر والسعادة، لأن ذلك في حد ذاته اعتراف بقيمة ما أقدمه، المقارنة بالنسبة لي ليست تحديا سلبيا، بل فرصة تؤكد أنني حاضر ومؤثر في الساحة الغنائية.
عبدالرحمن محمد:منافستي الحقيقية كانت وما زالت مع نفسي فقط
من هو الشاعر الذي جعلك تشعر بالغيرة الصحية، وتعتبره منافسا لك؟
في الحقيقة، جمله “الغيرة الصحية” لا توجد في قاموسي، والسبب أن الغيرة حتى وإن وصفت بالصحة قد تحمل في داخلها جانبا من المشاعر السلبية، و لا أحب أن يحتلني هذا الاحساس، أنا أرى جميع الشعراء الموجودين على الساحة إخوتي و أصدقائي، اقدر موهبتهم وخبرتهم، جميعا و التنافس لا أعتبره صراعا بقدر ما هو إثراء لـ الحركة الفنية، أما الغيرة التي أؤمن بها حقا هي تلك التي دعا إليها الدين الحنيف، كما قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}، لكن الغيرة من الآخرين فهي باب يفتحه الشيطان للحسد وسواد القلب، وأنا أجاهد دائمًا أن أبقي قلبي نقيا سليما، وفي النهاية، منافستي الحقيقية كانت وما زالت مع نفسي فقط.

عبد الرحمن محمد: المهرجانات لا اراه فن.. و حمو بيكا و شاكوش لا ينتمون للساحة الغنائية
هل يمكن أن نراك يومًا تكتب أغنية يؤديها مطرب من مطربي المهرجانات مثل حمو بيكا أو شاكوش؟
بصراحة، لا أرى لون المهرجانات جزءًا من الفن على الإطلاق، كما أنني لا أعتبر شاكوش أو حمو بيكا مطربين، فهم لا ينتمون للفن بأي صلة، وأري هذا اللون يعتمد على ألفاظ لا يجوز أن تتجاوز المصنفات أو الرقابة، ولا يصح أن يتعرض لها أولادنا أو شبابنا، لأنها تحرض على العنف و الانحدار الأخلاقي، نحن في مصر لدينا تاريخ طويل مع الفن الشعبي الأصيل، بدءا من أحمد عدوية، مرورا وعبد الباسط حمودة، رضا البحراوي، وشعبان عبد الرحيم، وصولا إلى بهاء سلطان الذي أعشق أداءه في اللون الشعبي الراقي، لذا، أنا ضد تحويل الفن الشعبي العريق إلى لون المهرجانات الذي لا يمت للفن بصلة.
هل كتبت اغنيه شعرت أنها مختلفه ورائعه، لكنها لم تأخذ ما تستحق من مكانه .. هل كان السبب سوء الحظ، أم اختلاف متطلبات السوق، أو ربما لحن لم يخدمه بالشكل الكافي؟
بالفعل، لدي العديد من النصوص الغنائية المميزة بأفكار وموضوعات مختلفة، لكنها لم تنل ما تستحقه من انتشار في وقتها، ليس لضعف في اللحن أو الصوت، إنما بسبب تغير معايير ومتطلبات السوق الفني، على سبيل المثال، أغنية “جابوا سيرته” كتبتها قبل 14 عامًا، وظلت حبيسة الأدراج لفترة طويلة حتى غنتها النجمة الكبيرة أصالة، لتصبح واحدة من أنجح الأغاني وأكثرها استمرار حتى اليوم، وما زلت أكتب أغاني قد لا تنتمي بالضرورة إلى المزاج السائد أو لا تتوافق مع “موضة” السوق الحالية، لكني مؤمن تمامًا بأن الكلمة الصادقة لا تموت، وأن الفن الحقيقي يجد طريقه في النهاية، و سيأتي يوم تُقدَّر فيه هذه الأعمال وتُفهم قيمتها، لتحقق النجاح والانتشار الذي تستحقه، فالزمن كفيل بإنصاف الفن الحقيقي مهما طال الانتظار.
عندما ترى احتفاء الجمهور بالمطرب بعد نجاح أغنية كنتَ أحد أعمدتها الأساسية، هل تكتفي بالرضا لأنك جزء من العمل، أم يزعجك تجاهل دور الشاعر الغنائي؟
على العكس تمامًا، أنا أعتبر احتفاء الجمهور بالمطرب احتفالًا مضاعفًا لي شخصيًا، لأنه في النهاية نجاح لعمل جماعي أنا جزء أصيل منه.. خاصة أن وعي الجمهور اليوم أصبح أكبر بكثير مما كان في السابق، الجمهور الآن يعرف جيدًا من هو الشاعر والملحن وراء الأغنية، ويتابع أعمالهم باهتمام، مما يجعل الاعتراف بدور الشاعر الغنائي حاضرًا بقوة.
كيف تحافظ على هويتك الخاصة دون الوقوع في فخ تقليد الآخرين؟ وهل شعرت يومًا أن قلمك اقترب من ظل شاعر آخر دون قصد؟
بطبيعتي لا أستمع إلا نسبة محدودة جدًا من الأغاني المطروحة في الأسواق، لا تتجاوز 10%، خاصة عندما أشعر أن معظم الأفكار أصبحت مكررة و مستنزفة، ومع ذلك، هناك بعض الأسماء التي أحرص دائمًا على متابعة أعمالها، لكنني أستمع إليها بعين المستمع العادي الباحث عن المتعة في صوت جميل، وكلمة رقيقة، ولحن مميز، بعيدًا تمامًا عن كوني شاعرا، والحمد لله، حتى الآن لم أقدم اغنية تشبه فكرة مطروحة من قبل أو كلماتها تشبه شخصية شاعر آخر، وهذا بالنسبة لي تأكيد أنني أسير بخطى واضحة و هوية متفردة.
هل تغيّرت معايير المنافسة الغنائية وأصبح الانتشار رهين حسابات أخرى غير جودة النص واللحن والصوت؟
بالفعل، تغيرت معايير المنافسة الفنية بشكل ملحوظ، فلم يعد جمال النص أو قوة اللحن والصوت وحدها كافية لفرض العمل على الساحة، للاسف اليوم يلعب التسويق السوشيال ميديا دورا محوريا في وصول الأغنية إلى الجمهور وانتشارها سريعاً، وبرغم هذه المعطيات، يظل السر الحقيقي لبقاء أي عمل فني هو جودته وقيمته الفنية، والأغنية إما أن تعيش طويلاً وتترك بصمة في ذاكرة المستمعين، أو تتحول إلى مجرد موجة مؤقتة تختفي بانتهاء موسمها.
إذا وُضعت أمام خيارين: عمل لا يشبهك لكنه يضمن تحقيق الشهرة السريعة ومقابل مادي مغري، وعمل آخر مؤمن به يعبر عنك لكنه محدود ماديا ولن يحصل على الانتشار السريع.. أيهما ترجّح؟
أؤمن أن العمل الجيد، حتى لو أعجب به عشرة مستمعين فقط اعتبره نجاحًا حقيقيا بالنسبة لي، أما الشهرة السريعة والأجر المرتفع مقابل عمل لا يُشبهني، الثمن سيكون باهظا؛ وهو خسارة مصداقيتي وثقة جمهوري، وهذه الخسارة، بالنسبة لي لا يمكن تعويضها بأي مكاسب مادية.

هل الأغنية مازالت قادرة على التأثير في وعي المجتمع؟
بلا شك، تمتلك الأغنية قوة استثنائية تتجاوز حدود الترفيه، فهي قادرة على تشكيل وعي المجتمع والتأثير في سلوكه، بل وحتى إحداث تغييرات في القوانين والأوضاع الاجتماعية والسياسية، وأري أن تأثير الأغنية قد يفوق أحيانا أي عمل درامي، سواء كان تلفزيوني أو مسرحي أو سينمائي، على سبيل المثال، أغنية “قطر الحياة” للفنان أحمد مكي كانت نموذجا بارزا، إذ طرحت قضية الإدمان بجرأة ووعي، ونجحت في إحداث صدى واسع داخل المجتمع وبإذن الله، أعمل حاليًا على أغنية إجتماعية جديدة، وأتمنى من الله ان تظهر للنور قريباً وحينها يسعدني أن يكون لنا حوار خاص نتناول فيه تفاصيلها وتأثيرها.
ما هي النصيحة التي تود توجيهها لـ الشعراء الغنائيين الجدد؟
في الحقيقة، لا أحب أن أضع نفسي في موضع الناصح، لأنني ما زلت أحتاج إلى النصيحة، لكن إن كان عليّ أن أوجه كلمة للشعراء الجدد الموهوبين، سأقول لهم: ابحثوا دائماً عن الجديد، وسعوا لتقديم فن مصري يليق بتاريخه ويستعيد مكانته في الصدارة، و الكلمة والفكرة الراقية هما الطريق الحقيقي لتحقيق هذه المعادلة.
عبد الرحمن محمد: خطواتي لم تكن سريعة.. لكنها ثابتة وناجحة:
لو طلبت منك أن تلخّص تجربتك الشعرية في سطر واحد فقط… ماذا تكتب؟
بكل رضا أكتب : خطواتي لم تكن سريعة، لكنها ثابتة وناجحة.
لو أُتيحت لك الفرصة أن تهمس في أذن “عبد الرحمن محمد” المبتدئ، قبل أن يكتب أول كلمة في مشواره الفني. ماذا تقول له؟
أقول له: “استمر في الطريق الذي اختاره الله لك، وتمسك بكل ما تؤمن به ولا تدع أي من مغريات الحياة تضعف أو تغير مبادئك، و ثق أن الإصرار هو سر النجاح وأسأل الله دائمًا أن يكتب لي الخير، و يمنحني القوة لمواصلة هذا المشوار”.
لو كتب آخر أغنية لك لتكون خالدة في ذاكرة الناس إلى الأبد، ماذا ستكون فكرتها؟
سؤال جميل جداً.. أكتب اغنيه تعبر كلماتها عن حلمي بانتشار مشاعر الحب والخير، وانتشار المحبة بين الناس،وأن كل إنسان يتمنى الخير لغيره قبل نفسه، و تختفي مشاعر الحقد والكراهية و الغيرة، من الحياة ، و يعم السلام على العالم ، هذه رسالتي التي أتمنى أن تصل للعالم كله، و تبقى خالدة في ذاكرة كل من يسمعها.
في هذا الحوار أكد الشاعر عبد الرحمن محمد أنه صاحب رسالة مؤمن أن للكلمة تأثير قادرة على التغيير وبرغم ما واجهه من تحديات ولحظات إحباط ويأس، ظل متمسكا بمبادئه، حريصا على احترامه لنفسه محافظا على كرامته في زمن أصبحت فيه المغريات المادية أهم من القيمة والمعنى في رحلة قد تبدو شاقة، لكنها تؤكد أن الإبداع الحقيقي لا يموت، وأن العمل الجيد هو بوصلة البقاء وخلود اسم الفنان.
في النهاية نشكر الشاعر محمد عبدالرحمن محمد علي هذا الحوار الأكثر من رائع على وعد بحوار آخر مع نجم جديد ونجاحات جديدة مع ريهام طارق.
نبذة عن الكاتب
ريهام طارق، صحفية مصرية في مجال الفن والثقافة، تشغل منصب رئيس قسم الفن بجريدة “أسرار المشاهير”، تمتلك خبرة واسعة في الصحافة العربية، حيث تنقّلت بين كبريات الصحف والمجلات، منها سلطنه عمان ، جريده إبداع في المملكة العربية السعودية و جريده الثائر و المغرد في لبنان وجريدة النهار في المغرب ومجله النهار في العراق.
كما أجرت العديد من الحوارات الفنيه مع كبار نجوم الغناء والتمثيل،في الوطن العربي إلى جانب مقالاتها التحليلية في السياسة والاقتصاد، كما شغلت منصب عضو اللجنة الإعلامية للمهرجان القومي للمسرح المصري.













