عبد الفتاح القصرى يعترف “عينى الحولاء” سر نجاحي وأكل عيشي
كتبت / غادة العليمى
عبد الفتاح القصرى.. لدينا مخزون من الكوميديا يكفينا لعقود وعقود كنوز من أعمال وأقوال ولألئ من شخصيات ونجوم أضحوكنا ومازلنا نردد كلماتهم ونعيد تكرارها كلما إستدعى الموقف خفة ظل من بين هؤلاء النجوم كان النجم خفيف الظل متفرد الأداء بسيط التعبير عظيم الآثر الفنان عبد الفتاح القصرى.
نبذة عن عبد الفتاح القصرى
والده كان ثريا يعمل في تجارة الذهب درس بمدرسة «الفرير» الفرنسية – القديس يوسف بالخرنفش – وليس كما أُشيع من أنه أُمّي وليس متعلم ومن فرط حبه بالتمثيل التحق بفرقة عبد الرحمن رشدي ثم فرقة نجيب الريحاني ثم بفرقة إسماعيل ياسين
وكان عمله بالتمثيل ضد رغبة أبيه الذي هدده بالحرمان من الميراث إذا لم يرجع عن تلك الهواية فما كان منه إلا أن استمر في طريقه مضحيا بنصيبه من تركة أبيه ، اشتهر عبد الفتاح القصري بقامته القصيرة وشعره الأملس وإحدى عينيه التي أصابها الحول فأصبح نجما كوميدياً بالإضافة إلى طريقته الخاصة في نطق الكلام وارتداء الملابس ولم يلعب القصري بطولة مطلقة وإنما كان دائماً صديقاً للبطل أو بمصطلح السينما دور «السنيد» للبطل
وإشتهر القصرى بخفه ظله وتلقائيته التى أضحكت عشاقه على مر السنين وتتأكد هذه التلقائية من خلال مقال كتبه بقلمه بعنوان “عينى الحولاء” بمجلة الكواكب فى 1 يوليو 1949 يسخر فيه من نفسه ويذكر المواقف المحرجة التى تعرض لها بسبب إصابته بالحول بخفة ظل معهودة من صانع البهجة وأسطورة الضحك
ماذا قال القصرى عن نفسه ؟؟
كتب القصرى بتلقائية شديدة كلمات سنختصرها فى السطور التاليه :-
فى عينى اليمنى “حول” يحتوى على أكبر كمية من “السكس أبيل” غصب عن عيون الحواسد والعذال وهذا الحول تارة أبدو فيه كالطفل الأبلة البرىء وتارة أخرى يظهرنى بمظهر رؤساء العصابات والأشرار وقطاع الطريق ومن هنا كان سر شخصيتى الكوميدية الفنية التى هى سبب نجاحى على المسرح وعلى الشاشة أيضا وبهذا تحقق فى قوله تعالى: “عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”
وقد حاول بعضهم إغرائى على إجراء عملية جراحية لضبط عينى الحولاء ولكننى عارضت بشدة إذ كيف أسمح بأن تسلب منى “مؤهلاتى” بمثل هذه السهولة ؟ هية لعبة !
إن هذه المؤهلات أتاحت لى التخصص فى أدوار أولاد البلد أصحاب المفهومية والتفنن والمعقولية ورغم ذلك فأنى لم أسلم من تلقيبهم لى بلقب “الأحول” وكثيرا ما سمعتهم فى دور السينما يهتفون فى شتى المناسبات قائلين: “شد حيلك يا أحول.. اتجدعن يا أحول.. أوعى يا أحول تخلى رقبتنا زى السمسمة”.
ولقد أوقعنى هذا الحول فى عدة مشاكل كما جعلنى هدفا لتريقة الزملاء ومع ذلك أنى كنت أجلس فى الدرجة الأولى بالترام وكانت تجلس أمامى سيدة حسناء بصحبة رجل فى ضخامة الفيل وجلست متجها بوجهى إلى اليسار وقد شغلت التفكير فى شؤونى ولم أنتبه إلى أن عينى اليمنى “الحولاء” قد وقفت على وجه السيدة وبدا كأنى أحدق فى وجهها بعين ثابتة..
وإذا بى ارتد من تفكيرى على صياح الرجل فى وجهى وهو يقول: يا أفندى خلى عندك دم.. أنت ماشفتش واحدة ست فى حياتك ! بقى لك ساعة وزيادة وعينك منزلتش عن مراتى.. مش تختشى شوية ؟
وقبل أن أتفوه بكلمة لأرد هذا الاتهام عن نفسى كان الركاب الجالسون فى الدرجة الأولى قد انضموا إليه إذ أنهم لاحظوا أن عينى تعلقت بالسيدة فتباروا فى التأنيب والاستهجان والتقريع وعبثا حاولت إقناعهم بأنى أحول العين وأن العتب على النظر ولم أجد بدا من النزول فى أقرب محطة وقبل أن يسير الترام قالت السيدة وكانت لم تفه بكلمة خلال المعركة: شوفوا اللؤم بتاع الأفندي.. مش عايز يكسف نفسه قام عمل “أحول”
وحدث يوما أن كنت أسير فى الطريق وكان على مقربة منى طفل يمسك بيد أمه وإذ بالطفل يشد يد والدته ليستلفت نظرها ويصيح بصوت رفيع قائلا: ماما.. ماما.. شوفى الراجل ده عينه طالعة على جنب! والتفتت السيدة ثم هرولت مبتعدة وهى مستغرقة فى الضحك كما ضحك المارة الذين سمعوا ملاحظة ذلك الطفل الخبيث.
وقد تناول الزملاء والأصدقاء “عينى الحولاء” بالقفش والتنكيت فيفاجئنى أحدهم ويمد أصابعه فى وجهى ويقول: إن عرفت دول كم يا عبد الفتاح أدى لك شلن
وأكون فى إحدى الحفلات الخاصة وساد الانسجام بين إخوان الصفا فإذا بأحدهم يقول كدة من غير مناسبة وبلا مقدمات: عبد الفتاح بيبقى نايم وعينه الحولاء مفتحه فيرد عليه الآخر قائلا: “لا.. والغريبة إنه بيشوف على جنب!
ولعل الغريب فى الأمر أن عينى الحولاء سليمة النظر 6 على ستة بينما العين الثانية أقل منها نظرا.. وذلك عكس ما يتوهمه الكثير من أن عينى الحولاء ضعيفة النظر.
على هذه المضايقات لم تحل بينى وبين الاعتزاز بهذا “الحول” فإنى أعتبره كنزا لا يفنى.. أليس هذا النقص هو الذى يساعدنى على النجاح فى العمل و”أكل العيش”؟ لقد طالما رددت بصوت مسموع وأنا أتأمل وجهى أمام المرأة قائلا: لو لم أكن أحول لتمنيت أن أكون أحول
مقال خفيف من فنان ظريف شاهد على كوميديان عظيم رحل عن دنيانا لكنه لم يرحل من قلوبنا.
أشهر أعماله
قدم القصري شخصية ابن البلد البسيط خفيف الظل مدّعي الثقافة كما قدم زعيم العصابة والوصولي وكان آخر أفلامه «سكر هانم»، ومن أعماله الأخرى «المعلم بحبح» و«بسلامته عايز يتجوز» و«شيء من لا شيء» و«سي عمر» و«لو كنت مكاني» و«الأستاذة فاطمة» و«من فات قديمه» و«السوق السوداء» و«معلش يا زهر» و«فيروز هانم»
و«تعال سلم» و«حماتي قنبلة ذرية» و«بيت النتاش» و«على كيفك» و«عنتر ولبلب»، و«الآنسة حنفي» و«حسن ومرقص وكوهين» و«إسماعيل ياسين في متحف الشمع» و«ابن حميدو» و«إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين»
وبلغ رصيده من الأفلام حوالي ستين فيلما وكان آخر أفلامه «سكر هانم» عام 1960
ومن أشهر المسرحيات التي قدمها؟
قسمتي، الدلوعة ، الشايب لما يدلع، الجنية المصري، 30 يوم في السجن، حسن ومرقص وكوهين، ما حدش واخد منها حاجة
وفاة عبد الفتاح القصرى
توفى عبد الفتاح القصري في 8 مارس 1964 بعد اشتداد حالته الصحية نتيجة نوبة سكر نقل على إثرها إلى مستشفى المبرة
ولم يحضر جنازته سوى ثلاثة أفراد فقط منهم الفنانة نجوى سالم وشقيقتة.
حيث كان يؤدي دورا في إحدى المسرحيات مع الفنان «إسماعيل ياسين» إذا به يصاب بالعمى المفاجئ فيصرخ قائلا (لا أستطيع الرؤية)
ثم فقد بصره
و أصيب القصري بعدها بتصلب في الشرايين وفقدان للذاكرة مما اضطر شقيقته إلى أن تأخذه بشقتها في حي الشرابية شمال القاهرة وتقوم برعايته.
ورغم تاريخه الحافل بالكوميديا إلا ان النهاية كانت مأساوية ومات وحيدا فقيرا وهو الذى أضحك الملايين رحمة الله عليه