عزِيزتِي أَنَا… شُكرًا

عزِيزتِي أَنَا… شُكرًا

 

بِقَلَم: وِئَام أَحْمَد إمام

مَن مِنَّا لَا تُوجَدُ بِدَاخِلِهِ مِسَاحَة مُسْتَتِرَة مِنْ الْحُزْن بِكُلِّ أَحْداثِهَا الْبَسِيطَة مِنْهَا والعمِيقَة، فَهِي مَحْفُورَة بِدِقةٍ مُتنَاهِيةٍ بِالرَّغْمِ مَا تَحَمِلَهُ بَيْن طَيَاتِهَا مِنْ أَلَم، فَهِي تَخْرُج وَتَعْمَل وَتَضْحَك وتتَكَلم وتَدرُس وَمَا أنْ تَنْتَهِيَ مِنْ يَوْمِهَا وتَختَلِي بِنَفْسِهَا تَشْعُر بِوَجَعِ الدُّنْيَا كُلِهَا فَوْق كَتِفَيْهَا، فتَذَرف دُمُوعِهَا بِهُدُوءٍ وسَكِينةٍ فَتَغْسِل قَلْبَهَا النَّقِيّ الَّذِي مَازَال يَنْبِضُ رَّغْمِ تَفَتُّتِهِ،
فالوِحدَة أَصْبَحْت تُرَافِقُهَا كظِلهَا بَل جَعَلْتهَا تَرَىٰ الدُّنْيَا مِنْ زَاوِيَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً بعَقلِهَا الْبَاطِن.

 

الطَّعَامُ كُلَّهُ بِنَفْسِ الْمَذَاقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخُبْز وَالْحَلْوَىٰ بَلْ أنْ القَهْوَة أَصْبَحْت كَالْمَاء؛
جَمَالُ الضِّحَكَة تَلاَشَت وَأَصْبَحَت الْعُيُون لامِعَة مِنْ الدّمُوعِ الَّتِي بَاتَت حَبِيسَة كالسَجِينِ الْمُقَيَّد بِالسَّلَاسِل، فخَيبَاتُ الْأَحِبَّةِ لَا تُنسىٰ.

 

وَبِالرَّغْمِ مَا بِهَا فَهِيَ سَنَدٌ لِكُلٍّ مَنْ حَوْلِهَا بِقَدْرِ مَا تَسْتَطِيعُ، تُطَيبُ الْخَاطِر وَتَصِلُ الرَّحِم وتستَمِعُ للحَزِين وَتَزُورُ الْمَرِيضِ بَلْ تُحَاوِلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَر للبَهجَةِ وَالسَّعَادَة لِلْجَمِيع إلَّا نَفْسِهَا؛ فَتُواسِي غَيْرِهَا بِالْكَلَامِ الَّذِي تَحْتَاجُ لِسَمَاعِه.

بل تُعْلَمُ جَيِّدًا أَنَّ هُنَاكَ مَا يُعْرَفُ (بالأرزَاقِ المَنسِية) كدَعوةِ الْوَالِدَيْنِ وَرِضَاهُمَا وَسَكِينَة الرُوحِ وَصِحَّةِ الْجَسَدِ وَلِقَاءِ الْأَحِبَّةِ وَاتزَانِ العَقلِ وَضِحْكَةٍ مِن القَلبِ وَصَدِيقٍ صَدُوقٍ وَصَلَاحِ النَّفْسِ وَصَلاَة فِي جَوفِ الليلِ وَعَيَّنٍ تَرَىٰ وَقَلْبٍ يُبْصِر وَلِسَانٍ يَنْطِقُ بالحَقِ وَنَوْمٍ دُونَ عَقَاقِير وَنُعَيْمٍ مُترف.

أَجْل…فَلَيْسَ كُل مَنْ يَضْحَكُ سَعِيد، فَفِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَكُون طَاقتِنَا(صِفر) مِنْ كَثْرَةِ الصَّدَمَاتِ المُتتَالِية والمُتعَاقِبة والمُتلازِمة،

فَنَرَىٰ رِسَالَةٍ أَوْ مُكَالَمَةٍ وَلَا نُجِيب، لَيْس حُزنًا أَوْ عَدَمِ تَقْدِيرِ مِنَّا وَلَكِن لِنَفَاذِ الطَّاقَة؛ حِينَئِذٍ لَا نُعاتِب وَلَا نَلُوم لِأَنَّه”ليسَ مِنْ الْمُرُوءَةِ أَنْ أُهِيْلَ عَلَيْك التُّرَاب وَأَنْت جَالس” فَلَا تَشْتَدّ بِالنُّصْحِ عَلَىٰ مُبتَلىٰ فَتُبتَلىٰ لأنهُ مَكلُومٌ حَتىٰ الثُمَالة.

 

ثُمّ تَلُوح فِي الْأُفُقِ الْحَقِيقَة الثَّابِتَة والوحِيدة فِي هَذِهِ الْحَيَاةَ وَهِيَ أَنَّ الْمَوْت يَأْتِي عِنْدَمَا يَنْتَهِي الْأَجَل ويَكتَمِل الرِّزْق وَهَذَا وَعْدٌ مِن اللَّهِ لَنَا،
وَلَكِن بمِقيَاسِ الْبَشَرِ فَهُنَاكَ مَنْ يَمُوت مَكْسُورِ الْخَاطِرِ، مُتَعَطِّشٍ لِكَلِمَةٍ طِيبِةٍ أَوْ طَبْطَبَةٍ حَانِيةٍ، بَل أَن هُنَاكَ مَنْ يَمُوت مِنْ الْحُزْنِ الَّذِي خَيَّم بظِلالِهِ عَلَىٰ قَلْبِهِ الضَّعِيف فَلَمْ يَعُدْ للضِحكَةِ طَعْم؛ بِالرَّغْمِ أَنَّه مَازَالَ عَلَىٰ قَيْدِ الْحَيَاةِ وَلَكِنَّهُ يُنْزِفُ مِنْ الدَّاخِلِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ أَنَّ نِيَاط قَلْبِهِ تَقَطَّعَت ودقَاتِ قَلْبِهِ تبَاطَأت وَأَصْبَحَ يَرَىٰ مَالا نَرَاه.

أتذَكرُ أَجْمَل مَا قِيل فِي الرِّوَايَةِ العَالَمِيَّةِ لِلْأَدِيبِ الأمريكِيّ “هوراس ماكوي” إنهم يَقْتُلُون الجِيَاد (إن بَعْض الْقُلُوبِ لَا تَحْتَمِلُ الْأَلَم فَلَا تَهَزَّأ بِأَلَمٍ لَم تَذُقه).

انْتَبِهُوا لِمَن حَولكُم وَلتكُن قلُوبكُم لهُم كالْحِصْنِ وَالسَّنَد، تحدثُوا إليهِم بِكُلِ حُب وارْحَمُوا مَن كَان فِيهُم عزِيزًا ثم كَسرتهُ الأحزَان، تَعَلَّمُوا مَبادِىء الْإِنْسَانِيَّة بَيْنَكُم، ارحمُوا كِي تُرحمُوا،
ادعُوْا لِبَعْض بِظَهْرِ الْغَيْبِ، تَصَدَّقُوا بِنِيَّةِ تَفْرِيج كُرْبَة مَنْ تُحِبُّون دُونَ أَنْ تُخبِرُوهُم فَذَلِكَ أَعْظَمُ دَرَجَات الْوَفَاء.

 

ازرعُوا الْمَعَانِي الْجَمِيلَة بدَاخِلكُم سَتنبِت الوُرُود مِنْ بَيْنِ الصُّخُور ثُم احرِصُوا ألَّا تسرِقَكُم الدُّنْيَا وتُنسِيكُم مَنْ لَهُمْ حَقٌ عَلَيْكُم
وتأكدُوا أَنَّ جَبْرَ الْخَوَاطِر مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي تُنِير الْحَيَاةِ، أما الْحُب فيُذِيب جِبَال مِنْ الثَّلْجِ.

وأخِيرًا…
اُتْرُكُوا النَوايَا الْحَسَنَة عَلَىٰ قَارِعَةِ الطَّرِيق فحَتمًا سيَحتَاجُهَا عَابِر السَّبِيلِ، فَالْمَال يَنْفُذ وَالصِّحَّة تَهترِىء وَالْجَسَد يَبْلَىٰ وَلَن يَبْقَىٰ مِنَّا سِوَىٰ عَظِيمٌ الْأَثَر.
رَحِمَ اللَّهُ أَبِي وَأُمِّي

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.