عمر بن الخطاب قائد عظيم تواضع فملأ الأرض عدلًا

الجزء الثالث من سلسلة "بأخلاقهم اهتدينا" بقلم ريهام طارق

عندما نتحدث عن الخلفاء الراشدين فنحن لا نتحدث عن مجرد قادة حكموا المسلمين بل عن رجال جسّدوا القيم والأخلاق في أسمى صورها.

بقلم: ريهام طارق 

كانوا نموذجا للعدل والتواضع ومن بينهم الفاروق عمر بن الخطاب الرجل الذي اهتز له عرش كسرى لكنه ظل متواضعًا أمام الحق لا يرى لنفسه فضلًا على أحد بل كان يوقن أن هناك من هو خيرٌ منه وأحق بالثناء بعد النبي ﷺ وهو صاحبه ورفيق دربه أبو بكر الصديق الذي ظل في نظر عمر المثال الأعلى في الحكم والإيمان والتضحية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين كان تجسيدًا فريدًا للتواضع رغم هيبته وقوته التي اشتهر بها لم يكن يرى نفسه فوق الناس بل كان يعتبر نفسه خادمًا للأمة يضع العدل فوق كل شيء ويعيش حياة البساطة بعيدًا عن الترف والمظاهر.

اقرأ أيضاً: هل من يسكن في بيت من زجاج يجرؤ على رمي الناس بالحجارة

عمر بن الخطاب عن أبي بكر: “لست خيرًا منه”

عندما توفي الصديق رضي الله عنه وانتقلت الخلافة إلى الفاروق صعد عمر المنبر ليخاطب الناس لكنه ما إن وقف على الدرجة التي كان يقف عليها أبو بكر حتى ضاق صدره وشعر بثقل المسؤولية وأدرك في تلك اللحظة أنه لا يليق به أن يقف في موضع وقف فيه من هو خيرٌ منه فنزل درجة وأحس أن هذا المقام ليس له ثم قال في نفسه والله ما أقف على مكان أبي بكر ولا أرى نفسي خيرًا منه ليؤكد للجميع أن المكانة لا تأتي بالمنصب بل بالأعمال وأنه مهما بلغ من القوة والعدل فإنه لا يرى نفسه ندًا لرجل كان أسبق إلى الإيمان وأعظم الناس تصديقًا ونصرةً للنبي ﷺ

اقرأ أيضاً: بأخلاقهم اهتدينا الجزء الثاني أمسك عليك لسانك .. بقلم ريهام طارق

عمر بن الخطاب يهدد بالجلد لمن يفضّله على أبي بكر!:

جاء رجلاً إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له والله ما رأيت رجلًا أفضل منك لكن عمر لم ينجرف وراء هذا الثناء بل توقف وسأله سؤالًا يعكس تواضعه وإدراكه لمقام أبي بكر أرأيت أبا بكر فرد الرجل لا فجاء رد عمر حاسمًا لو كنت قلت نعم لجلدتك وفي هذه الكلمات تتجلى عظمة عمر وإنصافه فلم يسمح لنفسه أن يكون موضع مقارنة مع أبي بكر بل جعلها قاطعة بأن أبا بكر خيرٌ منه ولا مجال للثناء عليه دونه

حكمت فعدلت فأمنت فنمت:

عندما زار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشام وكان أميرها آنذاك أبو عبيدة بن الجراح لم يكن وصوله محاطًا بالبهرجة أو الحراس بل وجده الناس نائمًا تحت شجرة بلا حراسة أو أي مظهر من مظاهر الفخامة فتعجب أحد الملوك الذين جاؤوا لزيارته وقال كلمته الشهيرة حكمت فعدلت فأمنت فنمت وهي عبارة تلخص عدله وتواضعه فلم يكن بحاجة إلى قصر فخم أو حراسة مشددة لأنه كان يحكم بالحق ولا يخشى أحدًا من رعيته

طفل يواجه عمر بن الخطاب بكلمات جريئة.. ويرد الفاروق بابتسامة:

بينما كان عمر رضي الله عنه يسير في أحد شوارع المدينة شاهد مجموعة من الصبية يلعبون وما إن رأوه حتى فرّوا جميعًا إلا صبيًا صغيرًا بقي في مكانه فسأله عمر لماذا لم تهرب مع أصحابك؟ فأجابه الصبي ببراءة يا أمير المؤمنين لم أرتكب ذنبًا فأخاف منك ولم يكن الطريق ضيقًا فأوسّعه لك فأُعجب عمر بجوابه وابتسم له ثم مضى دون أن يستعرض سلطته أو يُشعره بالرهبة بل جسّد بتواضعه معنى العدل الحقيقي حيث لا يخيف الحاكم العادل رعيته دون سبب.

عمر بن الخطاب لـ خادمة: وهل ستحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟

في إحدى الليالي خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه متخفيًا كعادته يتفقد أحوال المسلمين فوجد امرأة تجلس مع أطفالها الذين يبكون من الجوع بينما تطبخ قدرًا لا يحتوي إلا على الماء والحجارة وتوهمهم بأن الطعام قيد التحضير حتى يناموا من شدة التعب دون أن يشعروا بالجوع أسرع عمر إلى بيت المال وأخذ كيسًا من الدقيق وحين أراد أحد خدمه حمله عنه رفض قائلًا وهل ستحمل عني ذنوبي يوم القيامة؟ ثم حمله بنفسه وذهب إلى المرأة ليطهو الطعام بنفسه حتى شبع الأطفال وناموا وظل ينظر إليهم بفرح قبل أن يغادر

الخطاب عن جملة اتق الله: “لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها”:

جاء أعرابي إلى عمر بن الخطاب وقال له بكل جرأة: “اتقِ الله يا عمر!”، فثار الحاضرون وبدؤوا في نهره، معتبرين كلماته تطاولًا على أمير المؤمنين، لكن عمر أوقفهم بحزم، قائلًا: “لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها!”

بهذه الكلمات، جسّد عمر أسمى معاني التواضع والعدل، فلم يرَ في منصبه حصانة تمنعه من سماع النصيحة، بل اعتبرها حقًا للرعية وواجبًا عليه كحاكم، مؤكدًا أن القائد العادل هو من يقبل النقد قبل الثناء.

كان عمر  لا يعلو علي رعيته ولا ينفصل عنهم:

جلس عمر بن الخطاب بين الناس في المسجد كعادته دون تمييز أو مظاهر تفرد فجاء رجل يبحث عنه، فسأل: “أين أمير المؤمنين؟” 

فقالوا له:  

“إنه بيننا.” 

فنظر الرجل ولم يستطع تمييزه بين الجالسين فقد كان يجلس بينهم ببساطة دون أن يتخذ لنفسه مكانًا مميزًا أو يرتدي لباسًا يميزه عنهم في مشهد يجسد تواضعه الحقيقي ورؤيته لنفسه كواحد من رعيته لا يعلو عليهم ولا ينفصل عنهم.

كانت حياة الفاروق عمر بن الخطاب تجسيدًا حيًا لمعاني التواضع والعدل، فقد ظل رغم قوته وهيبته التي أرعبت الأعداء زاهدًا في الدنيا، قريبًا من الناس، يخدم الفقراء بنفسه، ويتفقد أحوال الرعية دون أن يسمح لكبريائه بأن يفصله عنهم. ورغم كونه خليفة المسلمين وحاكم أقوى دولة في زمانه، لم يرَ نفسه يومًا أعظم من أبي بكر، بل ظل مقرًّا بفضله ومكانته الرفيعة، مدركًا أن العدل يسمو فوق العاطفة، فلم يغره المديح أو يبعده عن الإنصاف. كان وفيًّا لمن سبقوه، حافظًا للجميل، معتبرًا أبا بكر المثل الأعلى في الحكم والقيادة، وحين اعتلى المنبر بعده شعر بثقل الأمانة، فنزل درجة احترامًا له، في رسالة بليغة بأن الحكم مسؤولية لا امتياز، وأمانة يسأل عنها الحاكم أمام الله. بهذه المبادئ قاد الأمة بحكمة، مقتديًا بالنبي ﷺ وصاحبه الصديق، ليصبح نموذجا خالدا للقائد الذي جمع بين القوة والتواضع، ورمزا نادرا لن يتكرر في التاريخ.

يا لقلبي وقلبك! أين نحن من أولئك العظماء؟

وهكذا بأخلاقهم اهتدينا.. ريهام طارق 

 

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.