عمرو طنطاوى: الذوق العام بدأ يتعافى من الانحدار و آمال ماهر مازالت حلمي المؤجل
اعداد وحوار: ريهام طارق
حين تلتقي بأسطورة الجيتار عمرو طنطاوي، تدرك سريعًا أنك تستمع إلى ذاكرة غنية بالحكايات التي ارتبطت بصنع ألحان عاشت في ذاكرتنا، حكايه فنان بدأ رحلته طفلا يعشق العود، قبل أن يحمل الجيتار ويشق طريقه نحو عالم الموسيقى.
يبدأ مشواره بالعزف علي الجيتار مع فرق موسيقية غربيه صغيرة، ثم تلفت موهبته أنظار الاستاذه فيبدأ أولى خطواته الاحترافية برفقة الموسيقار الكبير هانى شنودة، ثم يلمع نجمه من داخل استوديوهات حميد الشاعري، ليدخل عالم طارق مدكور، ومن كواليس التسجيلات إلى أضواء المسارح الكبرى، لمع اسم عمرو طنطاوي ليصبح خلال 32 عامًا شريك نجاح لعمرو دياب، و مشاركا في صنع مرحلة ذهبية غيرت من شكل الأغنية العربية الحديثة.
36 عامًا من العطاء، بين العزف والتلحين والتوزيع، كانت خلالها بصمته حاضرة في أنجح الأعمال، شارك كبار نجوم الوطن العربي في أهم الحفلات والمشاريع الفنية، ابرزهم حسين الجسمي، ماجد المهندس، شيرين عبد الوهاب، آمال ماهر، محمد حماقي، و رامي صبري، وغيرهم.
في هذا الحوار، نقترب أكثر من الفنان عمرو طنطاوى … نستعيد معه ذكرياته، ليكشف لنا الكثير من الأسرار والحكايات التي لم تروي من قبل.
في البداية نرحب بعازف الجيتار الأول في الوطن العربي والملحن المبدع والموزع الموسيقي والمطرب عمرو طنطاوي في جريده اسرار المشاهير ونشكره على إتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار:

دعنا نبدأ من البدايات ليتعرف عليك القارئ عن قرب… من هو عمرو طنطاوى ؟ حدثنا عن نشأتك، خلفيتك الدراسية؟
أنا عمرو طنطاوي، من مواليد حي مصر الجديدة بمحافظة القاهرة، بتاريخ 1 نوفمبر 1961، متزوج وأب لثلاث فتيات.
متى بدأ شغفك الحقيقي بالفن؟ و كيف كانت انطلاقتك الأولى ؟
منذ طفولتي، كنت شغوف بالفن وبصوره خاصه، كنت عاشق للموسيقى و فن الرسم، وهو ما دفعني للالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم الديكور، أما الموسيقى، تعلمتها بعد تخرجي من المعهد من خلال الدراسات الحرة، وبدأت رحلتي الفنية كـ ملحن وعازف جيتار.
بداياتك الاحترافية ارتبطت بالنجم عمرو دياب… حدثنا عن أول لقاء جمع بينكما؟
بدأ حبي للفن وأنا في المرحلة الإعدادية حيث بدأت بالعزف على العود وعندما وصلت الى المرحله الثانويه عشقت العزف على الجيتار وبدأت بالعزف بمشاركة فرق غربية صغيرة وفي تلك الحقبة الزمنية كانت هناك العديد من الفرق الموسيقية والتي كانت تحتل مراتب النجوم ولها محبيها وجمهورها الفني وعندما أتممت 21 عاما، انضممت للعمل في فرقة “المصريين” بقيادة الموسيقار الكبير هاني شنودة، وسجلت مع الفرقة ألبوم “ماشية السنيورة”، وفي هذا الألبوم، ومن خلاله قدمت أول تجربة غنائية لي، وكانت من تلحين هاني شنودة اسمها، “لو كان بإيدي”، قمت بالغناء والعزف على الجيتار ، وبعدها تعاونت مع حميد الشاعري وسجلت معه معظم أعماله الفنية ثم اختارني طارق مدكور للعزف معه في تسجيل أهم أعماله الموسيقية أيضا.
في تلك الفترة اكتشف الأستاذ هاني شنودة، عمرو دياب، وقدمه لأول مرة من خلال أغنية لمسلسل تلفزيوني بعنوان “البلهارسيا”، وشاركت في هذه الأغنية بالعزف على الجيتار، وهذا هذا هو أول لقاء وتعاون موسيقي يجمعني مع عمرو دياب، ولكن كانت علاقة في إطار العمل فقط.
عمرو طنطاوى: لحن اغنيه ويلوموني كان لمحمد فؤاد وليس لعمرو دياب.. و احدثت طفره موسيقية من خلال لون Gypsy Arabic
ما هو أول لحن قدّمته لـ عمرو دياب؟ وكيف كانت ردّة فعله عند سماعه لأول مرة؟ وهل طُرحت الأغنية كما هي أم خضعت لتعديلات؟
أول لحن قدّمته لـ عمرو دياب كان لحن أغنية “و يلوموني“، ويمثل نقطة تحول في مشواري، وبداية التعاون الاحترافي بيننا، بدأت معه كعازف جيتار ثم بدأت العلاقة تأخذ طابعًا أكثر قربًا و تفاهمًا.. في تلك الفترة كنت قد انتهيت من لحن دون كلمات، وكنت أفكر أن اعطيه للمطرب محمد فؤاد، حيث كنا نلتقي كثيرًا في تلك الفترة.
لكن أثناء سفري مع عمرو دياب لإحياء إحدى الحفلات، دار بيننا حوار عفوي، فقال لي: “أنت فنان كبير، وأكيد عندك ألحان قوية”، فأخبرته أنني انتهيت بالفعل من لحن جديد، طلب أن يسمعه، فبدأت أعزفه له على الجيتار، وبمجرد أن أنهيت العزف، أبدى إعجابه الشديد به، وطلب استخدامه فورًا كما هو، دون أي تعديل.
كان اللحن يحمل طابعًا موسيقيًا جديدًا تمامًا على الساحة العربية وقتها، وهو لون الـ”Gypsy Arabic“، الذي استغرق عامًا كاملًا من التدريب لكي اتقن عزفه على الجيتار، ولهذا، كان من الصعب جدًا إجراء أي تغيير عليه، حتى صولو الجيتار والهارموني قمت بتنفيذها بالكامل، بينما تولى حميد الشاعري وضع الخطوط الأساسية للتوزيع والمقدمة الموسيقية، ثم كتب الشاعر عادل عمر الكلمات على اللحن، لتُولد أغنية “ويلوموني” التي صدرت لاحقًا الأغنية الرئيسية في ألبوم عمرو دياب، وحملت اسمه أيضًا، ومن هنا بدأ المشوار الحقيقي بيني وبين الهضبة.
دخول عمرو دياب عالم البوب اللاتيني في التسعينيات بدأ من خلال ألحانك، خصوصًا في أغنيتي “ويلوموني” و اغنية “العيون”عام 1994، واللتين أحدثت نقلة نوعية في شكل الأغنية المصرية آنذاك، كيف نشأت فكرة هذه الألحان؟ وهل كان هذا التوجه الموسيقي اقتراحا منك أم تجاوبا مع رؤية فنية من عمرو دياب؟
سؤال جميل جدًا… في الحقيقة، أنا من عشاق موسيقى Gipsy King منذ سنوات طويلة، وكان هذا النوع الموسيقي في ذلك الوقت نادرا وغير معروف في الوطن العربي، كنت أتابع شرائط الفيديو الخاصة بهم وجعلها تعمل بحركة بطيئة (Slow Motion) كي أتمكن من دراسة عزف هذا اللون، تدربت لقرابة عام كامل حتى وصلت إلى مستوى احترافي في عزف الجيتار بطريقة “Gypsy”.
بعد لحن أغنيه يلوموني”, التقيت بعمرو دياب داخل الاستوديو، وطلب مني أغنية أخرى بنفس اللون ليضمها إلى ألبوم “ويلوموني” وبالفعل، في اليوم التالي ذهبت إليه بلحن جديد، وفي نفس اليوم اجتمعنا أنا وعمرو دياب والشاعر عادل عمر داخل الاستوديو، وكتب عادل عمر الكلمات على اللحن، لتظهر اغنيه “العيون”،وتولى حميد الشاعري مهمة التوزيع الموسيقي، انتهينا من تسجيل الأغنية خلال يوم واحد فقط،، وكان حماس عمرو دياب للأغنية واضحا جدًا،
أما عن التوجه الموسيقى، فلم يكن اقتراحا من عمرو، بل كنت أنا صاحب هذه الفكرة من البداية، لأن هذا اللون كما قلت قبل سابقا لم يكن معروفا في الوطن العربي لدرجة أنني واجهت أزمة أن أجد عازف جيتار آخر يتقن عزف هذا اللون، لذلك كنت أعزف اللحن بالكامل منفردا.
هل كانت ألحانك في التسعينات هي قاعدة الأساس الذي بُني عليه نجاح التجارب اللاتينية اللاحقة لعمرو دياب مثل “تملي معاك” و”ليلي نهاري”؟ هل تشعر أنك كنت أحد ركائز بناء هوية موسيقية مختلفة أصبحت لاحقًا علامة مسجلة باسم الهضبة؟
لا أحب أن أُشيد بنفسي، لكن ما يمكنني قوله بكل موضوعية أنني كنت بالفعل من أوائل من أدخلوا لونا موسيقيا جديدا إلى العالم العربي، وتحديدا أسلوب “Gypsy” الذي لم يكن معروفا على الإطلاق في الوطن العربي آنذاك.
والدليل على ذلك، وجود رسالتين دكتوراه بكلية التربية الموسيقية، ناقشوا بالنقد والتحليل التحول الذي شهدته الموسيقى العربية قبل دخول هذا النمط وبعده، وأشارت صراحة إلى أنني كنت وراء هذه النقلة الفنية، وقد حضرت مناقشة هذه الرسائل بنفسي، لأنها كانت تتناول تجربتي وكانت ألحاني كمحور رئيسي للبحث.
وبالفعل، أعتبر نفسي أحد الركائز الأساسية في بناء هوية موسيقية جديدة ومختلفة، قدمت من خلالها ألحان بطابع Latin & Gypsy تركت أثرا واضحا.
أما بالنسبة لأغنية “تملي معاك“، فأنا أرى أنها لا تنتمي بشكل مباشر إلى أسلوب، Gypsy الذي قدّمته، ولكنها تنتمي إلى خط موسيقي جديد تطور تدريجيًا، وكانت بدايته من الألحان التي قدمتها في التسعينيات، والتي شكّلت أساسًا لنجاحات لاحقة لعمرو دياب.
عمرو طنطاوي: اذا قدمت الآن لحن جديد أؤمن به كفيل أن يجعلني أعود إلى القمة من جديد في مجال التلحين
تاريخك مليء بالألحان الناجحة والتي تعتبر علامات في مشوار عمرو دياب، ومع ذلك لم تكن الأضواء مسلطة عليك بالشكل الكافي هل كان تقصير من الإعلام تجاهك؟
في الواقع، قدمت عددًا من الألحان المهمة في مشوار عمرو دياب، وكلها حققت نجاحا ملموسا بعد طرحها وخلال تلك الفترة، حصلت على حقي من التقدير والاهتمام، واسمي كان حاضرا بقوة ولم يختفي، لكن أعتقد أن السبب في ابتعادي عن دائرة الضوء الآن أنا شخصيا، السبب فيه فأنا بطبعي إنسان هادئ، لا أحب الدخول في صراعات أو أجواء تنافسية شرسة داخل الوسط الفني.
قد أرى الآن أن هذه السمة في شخصيتي كانت نقطة ضعف، لكنني في المقابل كنت أبحث دائمًا عن حياة هادئة ومتوازنة، بعيدة عن الضغوط و الحروب الخفية التي تدار أحيانا في كواليس العمل الفني، أنا من اخترت مكاني، وحددت شكل وجودي، وابتعادي عن المنافسة كان عن قناعة واختيار شخصي، وبالرغم من أن البعض قد يرى أنني ابتعدت عن بريق الشهرة، فإنني لا ألتفت كثيرًا لهذه النظرة لأنني مؤمن أنني اذا قدمت الآن لحن جديد أؤمن به كفيل أن يجعلني أعود إلى القمة من جديد في مجال التلحين.
عمرو دياب لا يحتاج لوضع مسافات.. هو المسيطر بطبعه وقائد العمل بلا منازع
تعاونت مع عمرو دياب قرابة 32 عاما هل ترى عمرو دياب يمنح فرصة حقيقية للمقربين له؟ أم أنه يحافظ على مسافة معينة تضمن له السيطرة الكاملة على العمل؟
هذا السؤال مهم، والحقيقة أنني أحد الأمثلة الواقعية على ذلك عندما كنت قريبًا من عمرو دياب على المستوى الشخصي، منحني فرصة عظيمة بالتعاون معه في ألبوم “ويلوموني“، وهي تجربة كان لها تأثير كبير في مسيرتي الفنية، لأنها السبب في تقديمي للوسط الفني كـ ملحن
وعمرو دياب معروف بأنه فنان ملتزم لا يتهاون في عمله، مجتهد بطبعه، ومهووس بأدق تفاصيل العمل، سواء في اللحن أو التوزيع أو حتى الصورة النهائية للأغنية، ويعتبر نموذج للفنان المتطور الذي لا يترك شيئًا للصدفة، لذلك فإن انضباطه وحرصه يجعلان منه القائد الحقيقي لأي مشروع يشارك فيه، دون الحاجة إلى فرض سلطة أو مسافات وهذه واحدة من أسرار نجاحه واستمراره في القمة طوال هذه السنوات.
لم نختلف فنيًا أبدًا… لكن خلافاتنا الشخصية كانت كافية لإنهاء 32 عامًا من العمل والصداقة
انفصالك عن عمرو دياب بعد 32 عاما من العمل المشترك هل كان سببه خلاف فني أم شخصي ؟
على المستوى الفني، لم تكن هناك خلافات بيننا تذكر، ولكنها كانت مجرد اختلاف بسيط في وجهات النظر، لدرجة أنني لا أتذكر تفاصيلها، لأن التفاهم والتوافق الفني بيني وبين عمرو دياب كان كبيرًا للغاية، كان دائم الاستماع إليّ باهتمام، ويثق في خلفيتي الموسيقية و رؤيتي الفنية، ولهذا نادرا ما كان يعترض على قراراتي أو اقتراحاتي وإذا حدث أن اقترح تعديل ما، كنت أتعامل معه بكل مرونة واحتراف، وأنفّذ المطلوب على الفور.
أما على المستوى الشخصي، فالأمر كان مختلفا بعض الشيء، نعم، وقعت بيننا خلافات شخصية قوية، هي التي أدت في النهاية إلى الانفصال الفني بيننا منذ نحو عامين، بعد مشوار طويل امتد لـ 32 عامًا من التعاون والعمل المشترك، كنا فيه إخوة وأصدقاء مقربين جدًا، ولهذا جاء الانفصال مؤلما على الصعيد الإنساني، لكنه كان لا بد منه في تلك المرحلة
هل ترى أن رصيدك من الألحان التي قدمتها اللحني كافي؟ ومن هي الأصوات التي تتمنى أن تغني من ألحانك؟
صحيح أن عدد الألحان التي قدّمتها ليس كبيرًا، لكنني أعتز بكل عمل منها، لأنها لم تكن مجرد ألحان عابرة، بل كانت تحمل في كل مرة فكرة جديدة و روحا مختلفة، وحققت بالفعل صدى و انتشارا واسعا، وهذا هو هدفي الأساسي من التلحين: “أن أقدم أعمال تعيش، وتحدث فرقا، و تخلد في ذاكرة الجمهور”.
وعلى الرغم من أن الساحة مليئة بالأصوات، إلا أن هناك خامات مميزة ظهرت مؤخرًا، ومنها لم تنال بعد الشهرة التي تستحقها، من بين هذه المواهب، لفتني أداء بعض المشتركين في برنامج “دوم”، خاصة صوت: ليديا وحبيبة. يمتلكان خامات صوتية ثرية ومختلفة، وأتمنى أن الحظ يمنحهم فرص حقيقية، سواء من خلالي أو من خلال أي ملحن آخر يستطيع إبراز قدراتهم
أما على مستوى النجوم المعروفين، فأتمنى أن أتعاون مع عدد من الأصوات المتميزة مثل: آمال ماهر، رامي صبري، أحمد جمال، وريهام عبد الحكيم، جميعهم يمتلكون أصوات رائعة، مما يجعلهم متمكنين من تقديم ألوان موسيقية متنوعة تثري الساحة الغنائية.
عمرو طنطاوى: الثورات تصنع فجوة فنية… والذوق العام بدأ يتعافى من الانحدار
كيف ترى تغيّر الذوق العام في الموسيقى خلال السنوات الأخيرة؟ وهل تعتقد أن السوق وحده هو من يتحكم في توجهات الجمهور؟
من وجهة نظري، الذوق العام لا يتغير عشوائيا أو وفقًا لحركة السوق فقط، بل يتأثر بعمق بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تمر بها المجتمعات، أنا مؤمن بأن الفنون مرآة حقيقية لحالة الوطن، وعندما تمر الأوطان بثورات أو اضطرابات كبيرة، تحدث معها هزات فنية تؤدي إلى فجوة في الوعي الثقافي، و انحدار ملحوظ في الذوق العام، وهذا تحديدا ما شهدناه خلال السنوات الماضية؛ فقد تراجعت جودة الموسيقى المطروحة، وانتشرت أنماط غنائية تفتقر إلى القيمة الفنية، هذا التراجع لم يكن نابعا من رغبة الجمهور بقدر ما كان نتيجة فراغ فني فرض نفسه خلال فترات انتقالية مليئة بالتوتر، ورغم ذلك، أنا متفائل جدًا، و أرى أن هذا الانحدار بدأ في التراجع بالفعل، وظهور بوادر لعودة الذوق العام إلى مساره الطبيعي، وأري أن الجمهور بدأ يصحو من غفلته ، وأصبح أكثر وعيا و متلهف لسماع إلى موسيقى تتسم بجودة عالية، و هذا مؤشر إيجابي، يؤكد أننا على أعتاب مرحلة فنية جديدة، أكثر نضجا .
هل شعرت يوما بـ خذلان داخل الوسط الفني؟
الفنان بطبيعته إنسان شديد الحساسية، يتأثر بأبسط المواقف التي يمر بها، وكلمة “الخذلان” كلمة كبيرة ومؤلمة، والحمد لله لم أعيشها، لكنني بالتأكيد مررت بلحظات إحباط.
من أكثر اللحظات التي شعرت فيها بالحزن والإحباط كانت بعد انتهائي من تلحين أغنية “خد قلبي معاه“، التي كتب كلماتها الشاعر أيمن بهجت قمر، وقام بتوزيعها الموسيقي نادر حمدي، بعد ما استغرقت في إعدادها عامًا كاملًا، كنت خلالها أعمل عليها مع عمرو دياب بتفانٍ شديد، وكان من المقرر أن تكون الأغنية الرئيسية “الهيد” لـ ألبوم “ليلي نهاري“، ولكن في اللحظات الأخيرة، تم اتخاذ قرار بتغيير الأغنية الرئيسية، لتصبح أغنية “ليلي نهاري” هي الأغنية الرسمية للألبوم وتحمل اسمه أيضًا، لا أنكر أن هذا القرار أصابني بإحباط شديد، لأنني كنت أرى في “خد قلبي معاه” عملا مختلف يحمل بصمة خاصة جدًا، و تم ضم الأغنية إلى الألبوم، وحققت نجاحا كبيرًا، وتفاعل معها الجمهور بقوة، وأصبحت واحدة من أبرز الأغاني في مكتبة عمرو دياب الموسيقية.
عمرو طنطاوى: نجاح الملحن ليس فيه مجال للصدفة… والبقاء للأقوى و لـ موهبة أصيلة وابتكار لا ينضب
هل تري ملحن على الساحة الغنائية اليوم نال شهرة تفوق حجم موهبته الحقيقية؟
من وجهة نظري، لا يمكن لملحن يفتقر إلى الموهبة الحقيقية أن يحقق نجاحا حقيقيا أو يستمر طويلا في هذا المجال، لأن مهمة الملحن الوحيدة هي تقديم لحن قوي ومختلف، لأنه أساس نجاح أي أغنية، ربما يستطيع مطرب محدود الموهبة أن يلفت الأنظار بشكل مؤقت، بسبب الشكل أو الكاريزما أو الحضور المسرحي، لكن في مجال التلحين، لا مكان للمظهر أو الصدفة، النجاح هنا يبنى على الموهبة الخالصة، والاجتهاد، والقدرة على الابتكار، ولهذا، من استمروا و تقدموا في هذا مجال، هم أصحاب رصيد فني حقيقي، ولا أرى أن هناك من تصدر المشهد دون أن يمتلك تلك الأدوات الفنية .
عمرو طنطاوى: الفنان الحقيقي قادر على إثبات وجوده من خلال أعماله وليس بالمقارنة مع غيره:
من هو الملحن الذي ترى أنه منافسًا قوياً لك على الساحة الغنائية؟
الحقيقة أن الساحة الغنائية المصرية تضم عددًا كبيرًا من الملحنين الموهوبين والمتميزين، سواء من أبناء جيلي أو من الجيل الجديد الذي ظهر بعدي، جميعهم يستحقون أن يكونوا ضمن دائرة المنافسة، لكنني لا أؤمن بفكرة “المنافسة أو الغيره الغير صحية”، كما يتصورها البعض، بل أراها منافسة فنية راقية، تقوم على الإبداع والتنوع، وليست صراعا على المساحات، نحن جميعًا في مكانة واحدة، نقدم الأفضل والفنان الحقيقي قادر على إثبات وجوده من خلال أعماله، وليس بالمقارنة مع غيره.
اغنيه “مقدرش انا” رفضتها سميرة سعيد و غناها عمرو دياب فصارت من أنجح أعمالي
هل طرحت يوما لحن و لم يحقق النجاح المتوقع؟
أي فنان مهما كان ناجح يمكن أن يطرح عملاً فنياً لا يلقى النجاح الذي كان يتوقعه، وهذا أمر طبيعي في الحياة الفنية، وأنا بالفعل تعرضت لموقف مشابهه وكان هناك لحن واحد فقط كاد أن يدمر ثقتي في نفسي،
وهو لحن أغنية “مقدرش أنا“، كنت مقتنع جدآ بجمال هذا اللحن، وكنت أراه مختلف وقدمته على مدار ثلاث أو أربع سنوات، لعدد كبير من النجوم، من بينهم سميرة سعيد، إيوان، لؤي، ميرا (من خريجات ستار أكاديمي)، لكن المفاجأة أن الجميع رفضه! حتى وصلت لمرحلة فقدت فيها الأمل، ثم بدأت بعرض اللحن على مطربين غير معروفين، لكنهم أيضًا لم يتحمسوا له، أصابتني حالة نفسية صعبة وصلت حد الاكتئاب، جعلتني أشعر بالشك في قدراتي كـ ملحن… وكنت أسأل نفسي طوال الوقت: “هل هذا اللحن ضعيف فعلاً؟”
لكن جاءت لحظة التحول حين سمع عمرو دياب، الأغنية، وقرر أن يقدمها، وبالفعل، حققت نجاحا كبيرًا عند طرحها، وما زالت حتى اليوم من الأغاني المحبوبة لدى جمهوره، هذه التجربة كانت درسا مهما، وهو أنك لا يجب أن تفقد ثقتك في نفسك أو قدراتك مهما تعرضت لظروف أو ازمات والايمان الكامل أن العمل الجيد لا يموت، فقط يحتاج إلى الصبر حتى يقابل الشخص المناسب الذي يعرف قدره جيدا.
عمرو طنطاوى: “ويلوموني” قدّمتني للجمهور.. و”عودوني” كسرت التوقعات بعد “نور العين
ما هي الأغنية التي تعتبرها أيقونة الحظ في حياة عمرو طنطاوى؟
في الحقيقة، هي ليست أغنية واحدة ولكن أغنيتان، اعتبرهما نقطتي الانطلاق الحقيقية لي في عالم التلحين، الأولى هي أغنية “ويلوموني“، فهي بمثابة أيقونة الحظ بالنسبة لي، لأنها كانت بوابة دخولي إلى الوسط الفني وقدّمتني للجمهور، عمرو طنطاوي الملحن، أما الأغنية الثانية فهي “عودوني“، التي جاءت بعد النجاح الأسطوري لأغنية “نور العين”، وكان من الصعب وقتها أن تظهر أغنية تحقق نفس الصدى أو تتجاوز النجاح، لكن الحمد لله، أغنية “عودوني” لاقت نجاحا واسعا و”كسرت الدنيا”، قدمت لونا مختلف تمامًا، وهو ما شكل تحديا وتأكيدا على قدرتي على تقديم الجديد دائمًا.
عمرو طنطاوى: لا أندم على لحن رفضته.. ولو عاد بي الزمن لأعدت توزيع “ويلوموني” و”خد قلبي” بأسلوب أقوى
لو عاد بك الزمن إلى الوراء، ما هو العمل الذي كنت ستعيد تقديمه بلون موسيقي مختلف؟
لو عاد بي الزمن، و اتيحيت لي الفرصة من جديد كنت أعيد توزيع أغنية “ويلوموني” اغنية “خد قلبي”، أرى من وجهة نظري أن توزيعهم الموسيقي كان يمكن أن يكون أقوى ويقدم بروح مختلفة تواكب تطور الصوت الموسيقي في ذلك الوقت.
هل مررت بتجربة رفضت فيها تلحين أغنية ثم ندمت لاحقًا بعد أن حققت نجاحًا مع ملحن آخر؟
بصراحة، من الصعب جدًا أن يحدث معي هذا الأمر، والسبب هو أنني دائمًا أبدأ ألحاني بكتابة “التيمة” الموسيقية أولا، ثم تكتب الكلمات عليها خصيصا، وهذا ما يجعل كل عمل أقدمه يحمل بصمتي منذ لحظته الأولى.
عمرو طنطاوى: “أحلى حكاية” كانت لحظة تحول في حياتي.. لم أحقق شهرة كمطرب لكنها تجربة لن أنساها
قدمت منذ سنوات ألبوم غنائي بعنوان”أحلى حكاية” بصوتك، وحقق وقتها أصداء جيدة… كيف ترى تلك التجربة اليوم؟ هل كانت مجرد تجربة فنية فقط؟ ولماذا لم تكرر؟
ألبوم “أحلى حكاية” كان تجربة رائعة بالنسبة لي، لا أستطيع أن أقول إنه حقق نجاحا جماهيريا ضخما، لكنه بالنسبة لي كان نجاحا كبيرًا على المستوى الشخصي، و شكل محطة مهمة في رحلتي الفنية، انتقلت فيها من كوني عازف جيتار إلى ملحن ثم إلى مطرب، كل مرحلة من هذه المراحل كانت بمثابة حجر أساس في مشواري، ولذلك أعتبر هذا الألبوم تجربة ممتعة ومثيرة أضافت لي الكثير، صحيح أنني لم أحقق به شهرة طاغية كمطرب، لكن التجربة كانت مؤثرة وقيمة، و أسهمت في ترسيخ اسمي كـ عازف وملحن في المقام الأول.
عمرو طنطاوى: الجيتار مرآه تعكس روحي وشخصيتي.. والتلحين هو مملكتي الحقيقية
ما الذي يمنحك مساحة أكبر من الإبداع الفني التلحين و الغناء أم عزف الجيتار؟
التلحين يأتي أولًا بلا شك، ثم الغناء، لكن في الحقيقة أرى نفسي قبل كل شيء كعازف جيتار، من خلال العزف، أكتشف عمرو طنطاوي الحقيقي فنيا، وأشعر أثناء عزفي على الجيتار أنني فنان مبدع حر، بعد العزف، يأتي حبي للتلحين، ثم الغناء، و لدي شغف كبير بمجال التوزيع الموسيقي.
عمرو طنطاوى: الحنين للغناء لا يفارقني.. واستعد للعودة بـ لون وشكل يشبهني
بعد كل هذه السنوات من التلحين والتوزيع والعزف، هل ما زال هناك صوت داخلي يُلحّ عليك للعودة إلى الميكروفون كمطرب؟ وهل يمكن أن نراك قريبًا في تجربة غنائية جديدة؟
بالتأكيد، هناك صوت داخلي لا يزال يجذبني بقوة نحو الغناء، وهذا أمر طبيعي لأي فنان خاض تجربة الوقوف أمام الميكروفون، والحنين للغناء لا يغيب عنه، حتى لو تألق في مجالات أخرى، و في حالتي، جاء الابتعاد عن الغناء بسبب انشغالي الشديد، سواء كـ عازف جيتار أو في مجال التوزيع الموسيقي، أو في عملي الأساسي كـ ملحن، وبالفعل عرض علي عدة أفكار لـ مشاريع غنائية، لكن الوقت لم يسمح بتنفيذها حتى الآن، ورغم ذلك، الفكرة مازالت موجودة بداخلي، و أنوي في الفترة المقبلة، بإذن الله، طرح أغنيات “سنجل” بصوتي، لكن بأسلوب جديد وفكر مختلف يعكس المرحلة التي أعيشها فنيا وشخصيا.
عمرو طنطاوى: عبد المنعم طه كان يشبهني في “السهل الممتنع”.. وكتاباته تشبه طيبته
تعاونك مع الشاعر الغنائي عبد المنعم طه أثمر عن أعمال ناجحة لفتت الانتباه، وبدت بينكما كيمياء فنية واضحة.. ما سر هذا التوافق الإبداعي؟ وماذا وجدت في كتاباته يميزه عن شعراء جيله؟
بالفعل، كانت بيني وبين الشاعر عبد المنعم طه درجة عالية من التفاهم والانسجام الفني، وكان يجمعنا أسلوب واحد يشبه “السهل الممتنع” في الطرح والتعبير، وهو ما ميز أعمالنا معا، كان شاعرا محترفا، يختار كلماته بعناية وذكاء، دون أن يُقحم في النص معاني دخيلة أو تعبيرات غير منسجمة مع الفكرة، كتاباته كانت دائمًا بسيطة، صادقة، وشفافة تشبه روحه البريئه.
على المستوى الإنساني، كان عبد المنعم طه ، إنسان طيبا و متفهّمًا لأبعد الحدود، يتقبل أي وجهة نظر أو تعديل اقترحه على النص، و ينفذه باحتراف دون تردد، وما يميزه أيضًا، أنه من القلائل الذين كانوا يجيدون كتابة الكلمات على “تيمة” موسيقية، وهي مهارة كانت نادرة في تلك الفترة وهذا ما جعله شريكا فنيا استثنائيا في مشواري
من هو الصوت الذي تتمنى أن تتوج به مسيرتك بلحن لا يُنسى؟
بالتأكيد آمال ماهر
لو طُلب منك تلخيص مشوارك الفني الطويل في جملة واحدة، فماذا ستكتب؟
أقول بكل صدق: “حبي لما أقدمه و بساطتي في كل شيء كانا سر نجاحي.”
البساطة بالنسبة لي لم تكن مجرد أسلوب، بل كانت فلسفة حياة، انعكست في تعاملات حياتي اليومية، وظهرت في ألحاني التي كنت حريص دائما أن اقدمها بأسلوب مدرسه”السهل الممتنع” دون تعقيد، لأني أؤمن أن الجمال الحقيقي يكمن في البساطة، وهذا ما حرصت عليه طوال مشواري الفني
عمرو طنطاوى: ما زال في قلبي حلم لم يكتمل
ما هو الحلم الفني الذي لا يزال يسكن قلب عمرو طنطاوي ولم يتحقق بعد؟
رغم كل ما حققته من نجاحات، لا يزال هناك حلم يسكن قلبي وأتمنى تحقيقه، وهو أن اقدم ألحان لكل المطربين الذين لم تسمح الظروف بالتعاون معهم حتى الآن.
كذلك أحلم بالمشاركة في حفلات فنية ضخمة تصنع للتاريخ، حفلات تحمل طابعا استثنائيا من حيث الفكرة والحجم والتنفيذ، و تُخلّد على مرّ الأجيال.
في النهاية اشكر أسطورة الجيتار المبدع عمرو طنطاوى علي هذا الحوار الأكثر من رائع علي وعد بحوار آخر مع نجم جديد ونجاحات جديده مع ريهام طارق.

ريهام طارق
ريهام طارق صحافية متخصصة في الأخبار الفنية والثقافية، تتمتع بخبرة واسعة تمتد لسنوات في تغطية الوسط الفني العربي، أجرت حوارات صحفية مع نخبة من كبار نجوم الغناء والتمثيل في الوطن العربي، تشغل حاليًا منصب مدير قسم الفن بجريدة “أسرار المشاهير”، إحدى المنصات الإعلامية الرائدة في تغطية الأخبار الفنية والثقافية.
بدأت مشوارها المهني من المملكة العربية السعودية عبر جريدة “إبداع”، ثم تنقّلت بين عدد من المؤسسات الإعلامية الكبرى في الوطن العربي، من بينها جريدة “الثائر” في لبنان، و”النهار” في المغرب والعراق، إلى جانب عملها في الصحافة الفنية، قدمت مقالات تحليلية في مجال السياسة الدولية، والبورصة وسوق المال الأمريكي والأوروبي ما يعكس تنوّع رؤيتها وقدرتها على الدمج بين الحس الثقافي والوعي السياسي.
كما تولّت عضوية اللجنة الإعلامية في المهرجان القومي للمسرح المصري، تأكيدًا لدورها الفاعل في دعم الحركة الثقافية والفنية في مصر والعالم العربي.